مع التئام شمل القمة العربية في الرياض، تنتعش الآمال بأن تخرج بحصادٍ مهما كان محدودا، في وقت اشتدت فيه الأزمات ولاحت في الأفق نذُرُ حربٍ جديدة، ستشعلها الولايات المتحدة و«إسرائيل»، وستسدّد الشعوب العربية أثمانها كما فعلت في حروب سابقة.
الشارع العربي لا يعوّل كثيرا على القمم، ومن تابع اللقاءات التي أجرتها الصحف والفضائيات والإذاعات العربية والأجنبية في مختلف العواصم العربية، سيدرك مدى اليأس والإحباط اللذين يلفّان هذه الجماهير. بل إن العاهل السعودي في كلمته بالقمة أمس، أشار بوضوحٍ وصراحةٍ إلى فقدان الشعوب العربية ثقتها بالقيادات والرؤساء.
الفلسطينيون المكتوون بالاحتلال منذ ستين عاما، أدمنوا اليأس من هذه القمم. أما العراقيون الذين يدخلون عامهم الخامس من الاحتلال فلا يريد أكثرهم من إخوانهم العرب غير كفّ الأذى، وتركهم يحدّدون مصيرهم بأيديهم من دون إملاءات، للخروج من المأزق الطائفي الذي يتعثّرون فيه، وهو حصيلةٌ تراكمت نتيجة فظاعات النظام السابق وجرائم الاحتلال اللاحق. أما لبنان الذي عجز عن تشكيل وفدٍ موحَّدٍ لتمثيله، فقد ذهب إلى القمة بوفدين، فجلس لحود بين صفوف رؤساء الوفود، بينما جلس السنيورة مع الضيوف، وراح يتطلع كلٌ منهما إلى نظرة تعاطفٍ من العرب.
القمة التي تحمل الرقم 19، ويحضرها 17 رئيسا وملكا وأميرا، تخلّف عنها 4 منهم (عمان، الصومال، تونس والمغرب)، فضلا عن مقاطعة الزعيم الليبي معمر القذافي. وكشفت بعض المصادر الخبرية أنه مارس تأثيرا في عدم تمثيل إحدى جارتيه المغاربيتين على مستوى القمة.
القذافي استبق القمة بلقاء مع قناة «الجزيرة» عشية انعقادها، ليشن هجوما مباغتا لكنه مألوف على من يعرف مسلسل الخلافات العربية المزمنة. البعض اعتبر نبرة الهجوم عالية أكثر من المعتاد، فيما اعتبره آخرون تبريرا لموقفه الذي قد يُحسب تخلفا عن نداء الواجب في هذا الظرف الذي تعاني منه الأمة من عدة «احتلالات». من هنا شن القذافي هجوما استباقيا بقوله إن «أجندة القمة العربية صُنعت في الولايات المتحدة»، وإن «أجندة اللقاء صنعتها الدوائر المعادية للعرب والإسلام»، وراح يرثي القادة العرب الذين لا حول لهم ولا قوة. وبما أن «الجماهير العربية» مازالت تذكر تفجّر الخلاف السعودي الليبي في قمة شرم الشيخ، فإنه سيدهشها وصف العقيد لهذه العلاقات بأنها «ودية».
على أن الجانب الأخطر في حديثه -والذي حذفته «الجزيرة» من موقعها مع انه بُثّ على الهواء وشاهده الملايين- هو اتهامه القمة بأنها «مؤامرةٌ تشق الإسلام وتحوّله إلى إسلامين، إسلام شيعي وإسلام سني». وهو في ذلك يضرب على وترٍ حسّاسٍ بات يلف الشرق الأوسط، ويلقي بظلاله على أية تحركاتٍ سياسيةٍ بالمنطقة، مع الحديث الأميركي المتكرّر منذ شهور عن «دول معتدلة» يراد اصطفافها بوجه «دول وحركات متشددة»، سبقها ورافقها تسع جولات مكوكية للوزيرة كوندوليزا رايس وتبشيرها بالسلام الأميركي.
القذافي ذكّر أخيرا بالحلّ الذي اقترحه لقضية فلسطين، والمتمثّل في دولة ثنائية القومية أسماها «إسراطين»، وجدّد تأييده ترحيل الفلسطينيين من ليبيا والدول الأخرى ليذهبوا إلى فلسطين حتى لا يُباعوا، على حد تعبيره.
الزعماء كل منهم قال كلمته، وعمّا قليلٍ سينفضّ السامر ويعودون إلى قصورهم، وسنبقى كشعوبٍ تهفو قلوبنا إلى أيّ عملٍ يجمع شتات الأمة ويوحّد مواقفها، مع ما يسيل من دمٍ غزيرٍ في فلسطين والعراق المحتلتين، ولبنان والسودان المهدّدين بالانتداب، والصومال الممزق، بينما الطبول الأميركية تقرع لاستدراج دولنا لحربٍ جديدةٍ ستظل تسدّد أقساطها شعوب الشرق الأوسط الأميركي التعيس.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1665 - الأربعاء 28 مارس 2007م الموافق 09 ربيع الاول 1428هـ