خلال الأسبوعين الأخيرين من شهر مارس/ آذار الجاري وفي صنعاء في فندق برج البستان الذي كان في الأصل بيتا من البيوت الصنعائية القديمة وتم تحويله الى فندق منذ وقت قصير.
عقدت ورشة جمهورها شباب/ أطفال بين سن السادسة عشرة والثامنة عشرة من العمر من خمس دول وبحضور محاضرين من دولتين أخريين.
المنظم هو المجلس البريطاني والذي عرّف هدف الورشة التدريبية بأنها محفل يعمل من خلاله صحافيو الغد مع صحافيي اليوم وناشطين ومتخصصين في مجال البيئة للبحث عن وسائل للتعاون والتحاور والعمل معا.
يتوقع من الورشة الخروج بمقالات صحافية يعدها صحافيو الغد (من المتدربين) بدعم من صحافيي اليوم والناشطين والخبراء البيئيين والمدربين من المملكة المتحدة (صحافيو الأمس).
يتم خلال الورشة تدريب وتهيئة المتدربين على إعداد مقالات صحافية تخدم التوعية البيئية (لاسيما حول موضوع تغير المناخ) ونشرها في الصحف الرسمية وفي المجلات المدرسية.
شارك في هذه الورشة من مملكة البحرين التلميذتان وسن نبيل من مدرسة مدينة حمد الثانوية للبنات وبتول السيد طالبة من مدرسة سترة الثانوية للبنات والصحافي سعيد محمد من صحيفة «الوسط» وأنعم الله عليّ أن كنت ضمن الفريق البحريني كناشطة ومتخصصة بيئية فحظيت بفرصة للاطلاع على هذه الورشة عن قرب وفرصة للتعرف على شابات وشبان في ذلك العمر الجميل المفعم حيوية وأملا وبهاء ليس من البحرين فقط ولكن أيضا عمان والكويت والإمارات واليمن.
بيوت صنعاء التراثية الساحرة وعمارتها البديعة التي جعلت من صنعاء موقعا من مواقع التراث العالمي وفق منظمة اليونسكو، هذه البيوت التي تطل من النوافذ الكبيرة في أعلى قاعة على السماء في فندق برج السلام كلوحة فنية عملاقة يصعب تصديق واقعيتها حتى وأنت تراها أمامك. لم تكن البيوت الصنعائية (والتي أدهشنا ما عرفناه عن فنها المعماري المتصل بأسلوب حياة أهلها صديق البيئة وصديق الحضارة) أكثر سحرا وجمالا من الشابات اليمنيات بأصواتهن العذبة وكلماتهن العربية الأصيلة وملامحهن المفعمة لطفا وخيرا وبراءة.
فتيات مثقفات واعيات وملتزمات في الوقت ذاته بقيم وثوابت تميز الإنسان اليمني. تحدثنا معهن في مواقف وجلسات متعددة وخلال الجولات القصيرة في صنعاء القديمة التي سبقت المشروعات الكتابية الصغيرة للمتدربين.
وقبل أن أنهي لابد أن الكثيرين ينتظرون أن يسمعوا عن «القات» لذلك سأذكر لكم أن ما عرفناه من المتدربين اليمنيين الذين كانوا في مجموعتي النقاشية أن القات يستولي على كثير من المناطق الزراعية على حساب المزروعات الأخرى، فضلا عن استهلاكه كميات كبيرة من المياه على حساب الاستخدامات الأخرى لها. فللقات أبعاد بيئية سيئة كذلك.
ما أود إشراككم فيه معي بشأن هذه الورشة كثير جدا وقد أحتاج الى مقال الأسبوع المقبل أيضا لإكماله، لذلك سأركز في هذا المقال على عبارات وأفكار ملهمة سمعتها من المحاضرين الرئيسيين في الورشة تيم رادفورد واليكس كيربي وهما شخصيتان ثريتان جدا خبرة ومقدرة على التواصل ولطفا في التعامل، وقد وفق المجلس البريطاني في اختيارهما.
تيم صحافي بريطاني «خالص» ولد في نيوزيلاندا اشتغل بالصحافة منذ سن السادسة عشرة بعد تركه المدرسة مباشرة واستمر بذلك بعد انتقاله لبريطانيا حتى الآن يعمل في مواقع مختلفة في مجال محبوبته ما يقرب من خمسين عاما ومنها صحيفة «الغارديان» الشهيرة التي عمل في مواقع مختلفة فيها. قبل 35 عاما، وعندما لم تكن هناك صحافة بيئية ولا يوجد صحافي يستطيع أن يقول عن نفسه أنه صحافي بيئي كان تيم يكتب في مجال البيئة تحت عنوان مراسل علمي ويناضل صحافيا لتأخذ الصحافة البيئية مكانتها مع كل جديد يتعلمه وينقله لقرائه.
يقول تيم مما قاله في الورشة أنك كي تكون صحافيا بيئيا فإن ذلك لا يعني أن عليك أن تكون عالم بيئة، لكن عليك أن تعرف مصادر معلوماتك وتعرف كيف تصنع قصة جيدة جذابة من المعلومات التي أخذتها من مصادرك بحيث تستطيع إيصال رسائل واضحة للقراء.
ويقول أيضا إن هناك قانونا بسيطا لكتابة المقال: قارئك يريد أن يشعر بأهمية ما تكتبه بالنسبة إليك صحيا، اقتصاديا ولمستقبل أطفاله، والكتابة البيئية تلبي ذلك كله، ومتى أوضح الصحافي ذلك أدرك الناس أهمية البيئة.
وعن السؤال الذي من الصعب ألا يطرح في كل محفل بيئي من قبل أحد المحاضرين ليجيب عليه بنفسه عرف تيم البيئة بتعريف سمعه في مؤتمر بيئي سابق: «البيئية هو ما نعمله في المكان الذي نعيشه»، متمّا كلامه بأن ما نفعله في نيوزلاندا حيث نعيش يؤثر على اليمن وما يحرق في العراق يؤثر على مصر لأننا جميعا نعيش على أرض واحدة فقط نشارك فيها جميعا. وتبنى تيم ما قاله عالم كبير (برترند راسل) حين سئل قبل أن يتوفى عن رأيه في القنبلة الذرية فأجاب: «فكر في إنسانيتك وانس أي شيء آخر»، واختتم إحدى كلماته المشوقة: أن على الصحافي ألا يتباهى على قرائه بل أن يسعى ليشركهم فيما يعرفه عما يمكن أن يسهم في تغيير حياتهم للأفضل.
أما أليكس والذي عمل في مجال الصحافة والراديو والتلفزيون والانترنت، يعمل كمراسل بيئي ومراسل في مواضيع الأديان في قناة الـ BBC فقد عبر عن سعادته البالغة لحضوره لليمن ورؤيتها للمرة الأولى إذ إنه عاش في مصر والجزائر ولديه ارتباط بالدول الإسلامية. ومن طرائف ما ذكره أنه ومنذ عشرين سنة عندما عمل كمراسل بيئي في الـ BBC لأول مرة كان يعد من قبل زملائه في العمل «نكتة» فكان من ضمن الملاحظات التي يقذف بها عندما يلتقيهم في الممرات: «لا يبدو أن هناك أخبارا ساخنة لهذا اليوم، هل نجد لديك بعض الأخبار البيئية لشغل المساحة؟». ما يعكس صورة الوعي بأهمية القضايا البيئية، والذي يشبه إلى حد كبير وضع الوعي البيئي الحالي لدينا.
ركز حديثه على أهمية العمل الصحافي البيئي وصعوبته، ولاسيما لارتباطه الدائم بموعد محدد لابد من تسليم المقال فيه وإلا ضاعت الفرصة. عقد أليكس مقارنة طريفة بين المقال الصحافي والورقة العلمية المنشورة في مجلة علمية محكمة، بالنسبة الى الوقت والجهد المطلوب ومن ثم تأثيره على الناس، مختتما مقارمنته بأن الناس يقرأون المقال البيئي المشوق المنشور في الصحف أكثر بكثير مما يقرأون الورقة العلمية المحكمة، ومنهيا مقارنته بأن الصحافيين قد يخطئون وكذلك الأوراق العلمية لكن الوقت المتاح للمقال هو يوم واحد في الغالب في حين يحصل المقال العلمي على وقت مفتوح من الزمان يصل إلى أشهر، ولكن إذا كتب الصحافي مقالا لا يُقرأ فهو صحافي ميت! ودلل على ذلك بقصة ألف ليلة وليلة الشهيرة وكيف أن شهرزاد أنقذت نفسها من الموت كل ليلة فقط لمقدرتها على رواية قصة مشوقة تجعل قرار قتلها تلك الليلة صعبا جدّا!
الصحافي البيئي هو راوي القصة البيئية، وعليه أن يكون ممتعا ومشوقا وإلا خسرت البيئة مستمعيها.
ما قاله محاضرونا وصحافيونا وقلته أنا وسالم الرواحي من جامعة السلطان قابوس كثير ولابد من وقفات معه في مقالات لاحقة، أما ما أود أن أختم به مقالي فهو ما قاله أحد المتدربين عن توقعاته وأمنياته لما سيحققه من الورشة: «أن أصل إلى قناعة أنني أستطيع كتابة مقال صحافي بيئي جيد وأن يكون هذا المقال غير ممل».
إقرأ أيضا لـ "خولة المهندي"العدد 1665 - الأربعاء 28 مارس 2007م الموافق 09 ربيع الاول 1428هـ