العدد 1665 - الأربعاء 28 مارس 2007م الموافق 09 ربيع الاول 1428هـ

الرياض - طهران والهلال الخصيب: هل من حوار ؟

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

ربما كان متوقعا ومرتقبا أن يصدر عن الصحافي والباحث السياسي البريطاني المرموق باتريك سيل، في محاضرته بمركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة، ما صدر عنه من دعوة إلى توفيقات استراتيجية ممكنة في المنطقة وحلف أمني (Pact) بين قطبين رئيسيين بارزين في تأثيرهما على المنطقة ألا وهما قطب «الرياض» وقطب «طهران»، وذلك لأجل المصلحة العامة للمنطقة بأطرافها وأقطابها المتعددة (multi - polarized)!

إذ إن من اطلع على النتاج السياسي الفكري لباتريك سيل، ومن تابع مقالاته ودراساته المنشورة والمترجمة في بعض الصحف العربية، ليدرك أنه ليس متلقيا لفضلات فكرية واستنتاجية فوقية يطرحها مستشرق غربي متقوقع في مركزيته الغربية الصارمة، كما أنه لن يجد لدى باتريك سيل بضاعة أو خردة أيديولوجية جديدة تسد رمقه لمزيد من بودرة الأيديولوجيات المستوردة ليرش عليها ماء عروبته وإسلامويته، أو أنه سيعثر على مزايدات فارغة لا تحمل سوى بريق الإبهار الكاذب بـ «الرموز» و «القادة الأبطال» و «الملاحم»، أو حتى تفذلكات استراتيجية فريدة تخلط الأوراق وتقلب الأدوار وتخترع سيناريوهات أغرب إلى «الكيتش»* الدرامي منها إلى تحليلات رصينة، فهو بالتالي قد لا يعجب في جزئياته الكبرى «سيناتورة» ماجدة من «سيناتورات» العهد الجديد أو مفكرة خالدة بعثت في آخر الزمان!

ولكنه سيجد حتما ضالته في رصانة وتماسك وموضوعية يتميز بها طرح باتريك سيل المتميز بإلمامه بشتى الجوانب المعرفية والإدراكية المرتبطة بتاريخ وحضارة المنطقة دونما الانخراط في صوغ التحليلات الاستراتيجية والسياسية بناء على أوهام امبريالية استعلائية عفا عليها الزمن!

ومثل هذا الطرح العقلاني والمتوازن المنادي بين حلف أمني استراتيجي بين أبرز القطبين الصاعدين في المنطقة وهما إيران والسعودية من ناحية استغلال التأثير والنفوذ الإيجابي للحيلولة دون وقوع المنطقة مرة أخرى في شرك صراع مدمر آخر يستهدف تفتيتها إلى شراذم ودويلات طائفية بناء على رغبات أنجلوساكسونية وصهيونية مضمرة، والذي يدعو ويبشر بتعددية قطبية في المنطقة وفي العالم على المدى البعيد لم يكن باتريك سيل الداعي والمنادي الوحيد له، بل وسبق أن نادى بما يوافق هذا الطرح المفكر السياسي عبدالله النفيسي في كراسه القيم (إيران والخليج... ديالكتيك الدمج والنبذ) حينما دعا صراحة إلى ضرورة قصوى وحتمية لوجود تفاهمات استراتيجية صريحة تقوم بها دول الخليج مع إيران الجارة للمحافظة على المصلحة العامة للمنطقة باعتبارها جزءا تاريخيا ولاعبا استراتيجيا بارزا لا يمكن إنكاره وتجاوز خطوط ملعبه بجرة قلم، كما طالب، وهو الأهم، إلى الخروج من شرنقة التعامل الاستراتيجي مع إيران انطلاقا مما تروجه وسائل الإعلام الأميركية والغربية من صور لا تخرج عن نطاق المصالح الاستراتيجية الأميركية والغربية في المنطقة!

كما أتى حديثا شيئا مما يمكن أن نطلق عليه تفاؤلا حسنا بــ «تباشير الصحوة الاستراتيجية الجديدة في المنطقة» وذلك ضمن الخطاب التاريخي للأمير تركي الفيصل في المؤتمر السنوي لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في أبوظبي، حينما دعا إلى إنشاء هلال خصيب في المنطقة «تكون لسورية صدارة فيه وللأردن حصة فيه ولفلسطين زاوية فيه»، وذلك بدلا من «هلال شيعي»، كما طالب فيه بتجاوز الخلافات المذهبية والسياسية بين الرياض وطهران من أجل التأسيس لانطلاقة حقيقية في شراكة استراتيجية تروم المحافظة على المصلحة العامة لدول وشعوب المنطقة وتصحيح الحاضر لإعادة رسم المستقبل بشكل أفضل في ضوء كم وافر من التحديات الاستراتيجية التي تواجه المنطقة عموما، بالإضافة إلى دعوته إلى تبني خيارات الانفتاح والطمأنة بين هذين الثقلين الاستراتيجيين في المنطقة عبر الاستثمار والتنمية المتبادلة، وهو ما اعتبره رسالة طمأنة إيجابية وبشارة توجهها السعودية إلى دول المنطقة على رغم تأخر مثل تلك الطمأنة في غياهب عهد الوصاية الأميركية «الدولية» الجديدة على المنطقة بخياراتها وممكناتها الاستراتيجية المتاحة!

وبالتالي نرجو أن تجد شعوب ونخب وقيادات المنطقة كل ما طرح في هذا المسار الإيجابي والصحي بمثابة انفراجة مبدئية سليمة في دوامة حوار الأشقاء «الطرشان» بالزفة الصهيوأميركية في ربوع المنطقة، إذ إننا نرى أن مثل تلك الانفراجة الحقيقية لا يمكن لها أن تتأتى إلا من خلال الانهماك الجدي والحقيقي المبادر إلى إصلاح أوضاع الهلال الخصيب في طوائفه وأقلياته وتنوعاته المذهبية والدينية والإثنية اللغوية، كما هو خصيب في تحريكه للديناميات الطائفية الهدامة إذا ما مسسته نار حماقة صهيوأميركية لتتحول إلى كرة نار ودمار تتدحرج تجاه الخليج، إلى جانب خصوبته الفريدة في مقدراته الطبيعية ورأسماله التنموي البشري!

لذا فإننا نرى أن الضرورة والخطوة الأولى تحتم الالتفات إلى الوجود الأميركي العسكري الامبريالي المتمركز استراتيجيا على أنفاس المنطقة، بحياد وموضوعية عقلانية من قبل قادة دول المنطقة، كما أنها تتطلب تحررا موضوعيا لمفاهيم الأمن والاستقرار والتوازن القطبي والاستراتيجي في المنطقة بدلا من الانشغال بالتأويل والتكيف مع الرواية الصهيوأميركية المعولمة، والمنظور الامبريالي ذو النبر الـ «ما بعد حداثي» لاستراتيجيات التفاهم والتغالب والتحزب في المنطقة المدونة في أرصدة شركات النفط والسلاح، كما أنك قد تجدها «أعجوبة» منقوشة في غبار أسفار ومرويات مسيانية بالية!

يجب أن يكون واضحا لمن يريد السلام والأمن وحماية المصلحة العامة لدول المنطقة وشعوبها أن يجد في مبادرة حوار الممكنات الاستراتيجية بين قطبي المنطقة البارزين (الرياض وطهران) وغيرهم خيارا مشجعا وأكثر جدوى براغماتية فعلية، بدلا من تعليق أمانة مصيرها المجهول في رقبة إدارة صهيوأميركية أيديولوجية مسعورة تندفع في تعاملها مع عناصر وجيوبولوتيكا المنطقة اعتمادا على الرؤيا المفككة لا الرؤية المنسجمة، كما هو حاصل حاليا بشكل رديء، فمستقبل المنطقة يحدده أبناؤها لا المحتل المتسعر في سفراته وأسفاره!

@ كيتش: كلمة استخدمها الناقد التشيكي ميلان كونديرا في كتابه الشهير (فن الرواية) تحمل دلالات الابتذال الدرامي والسطحية التراجيدية المثيرة للانفعال العاطفي.

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1665 - الأربعاء 28 مارس 2007م الموافق 09 ربيع الاول 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً