العدد 1665 - الأربعاء 28 مارس 2007م الموافق 09 ربيع الاول 1428هـ

ثقافة العنف

إزاء ثقافة العنف التي كرسها وعممها النظام السابق في العراق، من خلال مؤسساته وكوادره وأجهزته القمعية، وبعد أن انهار النظام يبدو أننا إزاء ثقافة هي في الصميم من رد الفعل على الثقافة الأولى التي لم تترك للثانية أخضر لتأكله، بل أحالت الكيانات والأفراد إلى يباس يكاد يكون طابعا وسمة للحياة العراقية من أقصاها إلى أقصاها.

وهنا علينا ألا نقرأ ثقافة العنف الجديدة من منظور بروز ظاهرة المافيات وعصابات السلب والنهب، بعيدا عن الثقافة الأولى التي أتيح لها من الإمكانات والأجهزة ما لم يتح للثقافة الثانية.

على أن ما يجب ملاحظته في هذا الصدد، الشهوة في السباق مع الزمن لمراكمة صور ومشاهد ولغة لتلك الثقافة في موقف يوحي بالرغبة في التعويض عن سنوات من المصادرة والاحتواء، وفي محاولة أيضا لابتداع طرق وصور لم يكن يقدر للنظام السابق اللجوء إليها بحكم تمثيله لسلطة من المفترض بها المحافظة على النظام والاستقرار وإن في صورهما الزائفة.

الثقافة التي نحن بصددها تنزع إلى التأكيد على ضرورة الالتفات إليها في ظل فراغ وصدمة أمنيتين تسببت فيهما من جهة ممارسات النظام البائد، ومن ثم سقوطه، وإحلاله بنظام لا يمت بأي صلة إلى نسيج المجتمع العراقي وثقافته ونفسيته، الأمر الذي يتيح لمروجي تلك الثقافة التكهن أو التوهم بجهل القوة الجديدة - ومن خلال ثقافتها القائمة على النظام والدقة والمراجعة - بالاستراتيجية التي تتحرك وتنطلق من خلالها القوى التي باتت واحدا من المشاهد التي تشكل صورة العراق ما بعد انهيار النظام القمعي البائد.

معظم الذين يروجون للثقافة التي نحن في صددها يمثلون شرائح تورطت عميقا في الظروف التي كانت نتاجا لممارسات النظام، ومن بينها الفقر والبطالة، عدا عن المؤثرات التي أحدثتها حربا الخليج الأولى والثانية، ما وفر أرضية خصبة لبروز مثل تلك الشرائح. يضاف إلى ذلك أن قوات الاحتلال الأنجلو - أميركي لم تتعاط مع مشكلات وقضايا المجتمع العراقي بالصورة الكفيلة باحتواء الكثير منها، بقدر ما تعاملت مع شعب ينظر إليها كقوات محتلة مع انعدام جانب الفرز لديها بين المواطن العادي والمنتمي لحزب البعث ، ما دفعها الى توحيد مسارات تعاطيها مع مختلف فئات وشرائح الشعب العراقي، ولم يسلم من ذلك التعاطي بعض ممن هم محسوبون على المعارضة وقضوا سنوات في المنفى وتحت سمع وبصر ورعاية الإدارة الأميركية.

هي ثقافة بلا شك ستعمد إلى إرباك ثقافة العراق المطردة والمتنامية والمعهودة، بما تمارسه من خروج على القانون والأعراف والقيم، ثقافة أول ملامحها التفتيت والإرباك ومحاولة الانتقام من ثقافة - وهذا هو المهم - لم تبادر بأي شكل من الأشكال أو الصور في الاحتجاج في وجه ثقافة الحزب الواحد والرئيس الواحد والعائلة الواحدة! ما أفرز واحدة من الظواهر الغريبة والجديدة على مجتمع عرف بعمقه الاستراتيجي والحضاري والثقافي.

العدد 1665 - الأربعاء 28 مارس 2007م الموافق 09 ربيع الاول 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً