العدد 1664 - الثلثاء 27 مارس 2007م الموافق 08 ربيع الاول 1428هـ

معاناة النساء لا تتحمل المنافسة

فريدة غلام إسماعيل comments [at] alwasatnews.com

الناشطة والكاتبة البريطانية ذات الثمانية والستين عاما، مؤسسة أول دار لرعاية النساء المتعرضات للإساءة والعنف في جيزويك في بريطانيا وعلى مستوى العالم ايرين بيزي، تدعو النساء في كل مكان الى التكامل والتعاضد في الدفاع عن قضاياهن، وخصوصا عندما يكون الموضوع هو العنف الموجه للنساء. الكاتبة العالمية ايرين، التي تؤلف الكتب والمسرحيات وتجول بقاع العالم للإرشاد، تعرضت لطفولة قاسية ومعاملة سيئة من قبل والدتها وإهمال كبير من قبل والدها، وهذا دفعها الى تقديم يد المساعدة الفورية للنساء اللواتي كن يعشن ضيقا، أو يتعرضن للعنف. وعلى رغم تقدمها في العمر، تمتلك عقلا شابا في منتهى اليقظة والنشاط والدقة عندما ترشد الآخرين أو تحدثهم عن تجربتها في تأسيس دار رعاية جيزويك للنساء المعنفات. ولا تتردد في زيارة أي بلد للمساعدة في تأسيس دور رعاية النساء، إذ قدمت للتو من أفغانستان من مهمة مساعدة مجموعة من النساء هناك لتأسيس دار للحماية، وكانت في الأيام القليلة الماضية ضيفة عائلة يتيم وجمعية نهضة فتاة البحرين، بمناسبة حفل افتتاح مركز عائشة يتيم للإرشاد الأسري بمدينة حمد، واطلعت على مستوى التعامل الأهلي والرسمي في البحرين من حيث حماية النساء والأطفال من العنف الأسري، وكذلك حماية الرجال أيضا.

فإيرين لا ترى منظورا نوعيا أو جندريا للعنف فهو كما توضح من إحصاءاتها البريطانية، يصيب النساء أكثر ولكنه أيضا يصيب الرجال وهؤلاء أيضا بحاجة إلى الدعم والتضامن. وتشدد ايرين على أن الهدف من إنشاء دور الرعاية ليس المظهرية أو المنافسة بين المجموعات أو المؤسسات، فقد تحولت هذه الرعاية في بعض البلدان الغربية إلى عملية للتكسب التجاري، تدر ملايين على المعنيين، وتحولت الدور إلى مساكن باردة للضيافة تفتقد روح الحميمية والعمل العيادي المستهدف إعادة ثقة النساء بذواتهن. وتشدد أولا وثانيا وأخيرا على أهمية تبني المنحى العيادي المتخصص والبالغ الحساسية والتفهم لمعاناة تلك النساء. فلا يجوز إطلاق الأحكام على نساء مكافحات هن أحوج للدفء، نفذن بجلدهن بأعجوبة تحت الخطر، ليقصدن الطمأنينة بعد تعرض للضرب والركل والرمي بالأشياء الصلبة والطعن والاهانة اللفظية والنفسية. على العكس من اللوم والمعاملة المتعالية يجب احتضان هؤلاء النسوة، وإحاطتهن بالدفء والحب غير المشروط حتى يتعافين ويقوين على التفكير السوي. ومن المهم أكثر معرفة الجذور العميقة الراسخة في نفسياتهن التي تجعلهن مستسلمات لذلك العنف أو مدمنات عليه، فمعرفة الأسباب توفر المفتاح لفك العقد المزمنة واستنهاض تلك المرأة المكسورة مجددا.

من بين الحالات التي روتها ايرين حالة سيدة مدمنة على صوت زوجها المعنف، فهي بخير طالما لا تسمعه، ولكن سرعان ما تعود إليه بعد سماع صوته في الهاتف لترجع إلى حلقات الضرب والاهانة والعنف عليها وعلى الأطفال من جديد. وعند تحليل إدمانها تبين أن والد هذه السيدة كان يغمرها بالعطف والحب وهي طفلة، وكان ذلك يثير حفيظة والدتها التي تنتقم منها بوسائل شتى، وحيث لم يتمكن الوالد من إيقاف عنف زوجته، أمّ ابنته، قرر مغادرة المنزل لتطمئن الزوجة وتوقف ضرب البنت. وقد أثرت مغادرة الوالد في نفس الابنة بشكل كبير ما دفعها لالتزام نفسي وروحي بعدم مغادرة زوجها المستقبلي مهما كانت الكلفة، وان كانت العنف المستمر.

حالة أخرى كانت تعاني من اضطرابات في التغذية وضعف الشهية وتحديدا الأنوريكسيا، وعند التحليل النفسي تبين أن والدها، تعذيبا لها، كان يجبرها عند الغداء على أكل الدهون والشحوم فقط، وذلك كان يدفعها للتقيؤ، فيقوم الأب مرة أخرى بإرغامها على تناول قيئها. حالات أخرى كثيرة مؤثرة للغاية تحدثت عنها ايرين واستمعت إليها الحاضرات في منتهى التعاطف، تاركة تفاصيل تجربتها الغنية الحاضرات والمعنيات بالشعور بالمسئولية العالية والأخلاقية عند إدارة مثل هذه الدور والتعامل مع الحالات المتوقع ورودها. فالخطأ هنا قد يكلف حياة، كما حدث لإحدى النساء في دار جيزويك بسبب خطأ وتكاسل القاضي.

في البحرين قدم المجتمع المدني كعادته الريادة في إلقاء الضوء على العنف الذي يمارس ضد البحرينيات بصمت خوفا من العار ومن كلام الناس، والذي تحول إلى ظاهرة وفقا للإحصاءات التي أعلنتها وزارة الداخلية العام الماضي والتي لم تحدث بعد. أما الجانب الرسمي فهناك وزارة التنمية الاجتماعية التي ينتظر منها دورا ملموسا في دعم المبادرات المختلفة على قدم المساواة ووفق الاحتياجات، وهناك المجلس الأعلى للمرأة الذي يورد القضاء على العنف كهدف استراتيجي ثان في المحور السادس أو المحور الاجتماعي في الاستراتيجية الوطنية للنهوض بالمرأة البحرينية، وتحديدا بأربعة إجراءات وآليات للتنفيذ. وعلى رغم تأكيدات ممثلات المجلس الأعلى للمرأة الموقرات الشفهية والتحريرية على أن الاستراتيجية والخطة الوطنية مشتركة ومسئولية الجميع وهذا كلام طيب، فإن الممارسات الواقعية وهي المرآة الحقيقية للأفكار والنوايا لا توفر السند لتلك التصريحات بعد، فقد تشارك في عمل المجلس الكثير من العضوات بشكل شخصي من دون تمثيل من مؤسساتهن عند إرساء البناء التحتي والمضني لدعائم الفكرة والمفهوم، الا إنهن يصبحن معدومات الحظ عند الإعلان العام وعند تسلم الأدوار بشراكة حقيقية، ولعلنا يوما نصل بإذن الله إلى المستوى الذي تنشده الرائدة ايرين التي كان همها النبيل دائما وأبدا مد يد العون للنساء بعيدا عن المظهرية والإبهار.

إقرأ أيضا لـ "فريدة غلام إسماعيل"

العدد 1664 - الثلثاء 27 مارس 2007م الموافق 08 ربيع الاول 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً