انتقدت منظمة هيومان رايتس وواتش، المعنية بحقوق الإنسان، بشدة مسودة قانون العمل الجديد الذي وضعته إحدى الدول الخليجية، معتبرة إياه من دون المعايير الدولية الخاصة بحقوق العمال، منددة في الوقت عينه بالانتهاكات التي تتعرض لها العمالة الأجنبية في تلك الدولة التي تصل نسبتها إلى 95 في المئة من مجموع اليد العاملة.
وطالبت المنظمة في بيان أصدرته يوم الأحد الماضي تلك الدولة بصون حقوق هؤلاء العمال، الذين يفوق عددهم 1.3 مليون شخص، مما يتعرضون له من ممارسات تخالف الأنظمة الدولية، مثل حجز جوازات سفرهم وتأجيل دفع مرتباتهم، التي غالبا ما تتآكل تحت وطأة انعدام وجود حد أدنى للأجور، وذلك بالتزامن مع تحركات احتجاجية أقامها عمال أجانب في المناطق الصناعية في تلك الدولة.
وفي حديث لموقع CNN بالعربية ناشدت مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المنظمة سارة ليا ويتسن بأن يكون واضعو القوانين في البلاد هم من غير المستثمرين وأصحاب المشروعات التجارية واصفة ذلك بأنه «تضارب مصالح».
وكشفت أن الأرقام التي قدمتها الدوائر الرسمية لوفيات حوادث العمل لم تتجاوز 50 حالة، فيما أن الأرقام التي تمتلكها السفارات تؤكد وجود 800 وفاة في العام 2006 فقط، سجلت بمعظمها على أنها «أزمات قلبية».
الأمر الأكثر سوءا هو الواقع الذي يعيشه «خدم المنازل»، إذ نبهت ويتسن إلى أن أزمتهم مزدوجة الطابع، باعتبار أن الغالبية الساحقة بينهم من النساء، الأمر الذي يفتح الباب على موضوع استغلال المرأة في العمل إلى جانب أن طبيعة وظيفتهن تحظر عليهن إيصال شكاواهن لعجزهن عن مغادرة أماكن عملهن.
ويبدو أن مشكلات المرأة العاملة المهاجرة باتت ظاهرة عالمية، فوفقا لتقديرات منظمة العمل الدولية، فإن أعداد النساء المهاجرات ارتفعت إلى حد كبير في العقود الثلاثة الماضية، إذ تبلغ الآن نحو نصف عدد المهاجرين في العالم، الذي يقدر عددهم بنحو 200 مليون مهاجر.
وتبين الإحصاءات في ثلاث دول هي الفلبين وإندونيسيا وسريلانكا، أن النساء يمثلن ما يتراوح بين 60 و75 في المئة من العمال المهاجرين، وأن كثيرا منهن يعملن في مجال الخدمة المنزلية بدول في منطقة الخليج العربي.
كما تشير التقديرات أن معظم العاملين من إندونيسيا وسريلانكا في إحدى الدول الخليجية، والذين يصل عددهم إلى 850 ألف عامل، هم من النساء العاملات في الخدمة المنزلية، وبعضهن فتيات قاصرات.
فالمشكلة الرئيسية، كما تقول كبيرة الباحثين في المنظمة نيشا فاريا، هي أن الحكومات لا تشمل العاملات في الخدمة المنزلية ضمن وسائل الحماية التي تكفلها للعمالة الرئيسية، كما انها لا تعاقب أرباب العمل ومكاتب التوظيف على ارتكاب أية إساءات أو تجاوزات بحقهن.
مسألة العمالة الوافدة في منطقة الخليج العربي أصبحت تزداد تعقيدا وتأخذ أبعادا مختلفة لا تقف عند حدود القضايا المالية والاقتصادية بل تتعداها لتمس أمورا اجتماعية وحضارية في آن.
فعلى المستوى الاقتصادي باتت تلك العمالة الوافدة تشكل عنصر تنافس مباشر مع قطاعات واسعة من اليد العاملة المحلية في بلدان الخليج العربي، الأمر الذي يهدد بصراعات داخلية في سياق بحث اليد العاملة المحلية عن عمل.
وعلى المستوى الاجتماعي هناك التضارب في القيم والمفاهيم الاجتماعية بين تلك التي تحملها العمالة الوافدة والأخرى المغايرة، وربما المتناقضة معها، القائمة في المنطقة.
وعلى المستوى السياسي بدأت نسبة لا يستهان بها من العمالة الوافدة، وخصوصا تلك التي مضى على وجودها في منطقة الخليج ما يربو على عدة أجيال، تطالب بحقوق سياسية ترى أنها حرمت منها طيلة الفترة الماضية، ويشجعها على ذلك طبيعة التحولات السياسية الداخلية التي تشهدها دول المنطقة أولاَ، وعلاقات تلك الدول العالمية ثانيا.
ولربما حان الأوان للكف عن ممارسة السياسات اللا إنسانية تجاه العمالة الوافدة، أو الاكتفاء بالحلول الآنية غير المجدية على المدى الطويل، أو الترويج للسياسات المهدئة التي تقتل الألم لكن لا توفر الدواء الشافي أو الحل الصحيح.
وفي غياب المعالجة الصحيحة تبقى الأبواب مشرعة لاحتمالات قد تكون عواقبها وخيمة وتأثيراتها المستقبلية مدمرة.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1664 - الثلثاء 27 مارس 2007م الموافق 08 ربيع الاول 1428هـ