احتشدت أخيرا جماعة صغيرة من شمال أميركا يسمون أنفسهم بالمسلمين العلمانيين في سانت بطرزبرغ للإعلان عن انطلاق حركة عالمية حديثة لتصحيح الأخطاء المفترضة على الإسلام والدعوة إلى إصلاح ديني إسلامي. وفي أنحاء مدينة فورت لوديرديل، فإن الزعماء المسلمين في مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (CAIR)، الجماعة الوسيطة في واشنطن والتي يدعي أعضاؤها المسلمون «العلمانيون» الراديكالية، أدانوا اعتبار أي مفهوم للإصلاح محاولة أخرى من الغرب لفرض تاريخه وفلسفته على العالم الإسلامي. فالمسلمون الذين يدعون العلمانية هم أقلية قليلة. وأما الآراء التي يحملها المسلمون المتدينون من CAIR، فهي تمثل فكر الأغلبية في الولايات المتحدة والعالم أيضا. إلا أن الإعلام الغربي والحكومات والمثقفون المحافظون يعطون الأقلية العلمانية اهتماما أكبر.
إن مؤتمر سانت بطرزبرغ هو ليس إلا مثالا واحدا، حيث بث على الهواء مباشرة في برنامج «غلين بيك» المحافظ بعض من المنظمين والمتحدثين في المؤتمر، أمثال إرشاد منجي مؤلف كتاب «مشكلة الإسلام» وأيان هيرسي عضو البرلمان الهولندي السابق ومؤلف «كافر»، والقلة من بينهم فقط ادعوا أنهم عانوا شخصيا على يد الإسلام الراديكالي. إحدى المشاركات وفا سلطان أعلنت في برنامج غلين بيك أنها «لا ترى أي اختلاف جذري بين الإسلام والإسلام العادي».
وتتعزز أفكار المسلمين العلمانيين لأنها تمثل رؤية الغرب لمستقبل الإسلام. منذ هجمات 11 سبتمبر/ أيلول، اذ قدم الجميع وصفة لـ»علاج الإسلام» ابتداء من مسئولين رفيعي المستوى في إدارة الرئيس جورج بوش إلى الكاتب سلمان رشدي، إذ تقول الوصفة: العمل على إصلاح العقيدة بما تتناسب مع القيم الغربية والعمل على خصخصة الدين وازدهار الديمقراطية على الطريقة الغربية وذلك مع أشخاص علمانيين وليس مسلمين متدينين، ولكن المشكلة في تلك الوصفة تكمن في أنها بعيدة عن الواقع. فهي تبنى على المبدأ القائل بأن «إذا أعطي المسلمين نظام غذاء متواصل، فإنهم سيرحبون بالحداثة والعلمانية وكل ما لدى الغرب أن يقدمه!». لننظر في هذه الحقائق: الصحوة الإسلامية انتشرت في جميع أنحاء العالم في السنوات الثلاثين الأخيرة من الشرق الأوسط إلى أجزاء من إفريقيا. في مصر مثلاُ، من الصعب العثور على امرأة تسير في الشارع لا ترتدي الحجاب. فالجماعات والحركات السياسية الإسلامية آخذة في الازدياد - من حزب الله في لبنان لحماس في قطاع غزة والضفة الغربية للإخوان المسلمين في مصر. وحتى في الولايات المتحدة الأمريكية، ولا سيما الشباب، تتزايد أعداد المسلمين الأمريكان الذين يعتنقون الإسلام والرمزية الدينية على نحو لم يسبقه آباؤهم المهاجرون الأكثر علمانية.
لقد قصدت فلوريدا لحضور مؤتمر سنوي تستضيفه مؤسسة CAIR على أن أكون المتحدث هناك. وفي طريقي إلى هناك، تحدثت إلى الإمام سراج وهاج وهو مثقف ذو شخصية كارزماتية من مسجد التقوى في بروكلين له الآلاف من الأتباع في اميركا والخارج. وتلخص كلماته طموحات الأغلبية المسلمة السائدة في الولايات المتحدة وحول العالم: علينا أن نقترض الصفات التي تعجبنا من الغرب وأن نرفض تلك التي لا تعجبنا. تلك هي موجة المستقبل».
وبالفعل تشير الدلائل إلى تأييد لكلمات الإمام وهاج. فالمسلمون في الغرب والعالم الإسلامي يبحثون عن مكان في الوسط، وهو المكان الذي تلتحم فيه مظاهر العولمة مع التقاليد الإسلامية. ومثال على ذلك، لدى النساء المسلمات اليوم فرصة لاستكمال التعليم العالي أكبر بكثير مما كانوا عليه في السابق. وفي ايران، أعداد النساء في الجامعات تفوق أعداد الرجال وهي الظاهرة الأولى من نوعها في تاريخ البلاد. ولكن مع تزايد أعداد النساء المتعلمات تتزايد نسبة التدين بين النساء اللواتي باتن يشكلن ما يطلق عليهن حركات نسائية إسلامية تمتد أوصالها بين مصر وصولا إلى تركيا والمغرب.
أولئك النساء الذين يرتدون الحجاب غالبا للتعبير عن تدينهم قد وجدوا مكانا لهم في المنطفة الرمادية اللون ما بين الحداثة والتقليد، ويكافحون لكسب المزيد من الحقوق للمشاركة في السياسة وزيادة المساواة في «قانون الأحوال الشخصية» وهو حق رعاية الأطفال أو المبادرة بطلاق، إلا أنهم ينظرون إلى الإسلام وكأنه بوصلة أخلاقية.
وبالمثل، يبدو مستقبل العالم العربي أنه سيضم أحزاب إسلامية أقل تسامحا لسياسة الولايات المتحدة الخارجية التي طبقت تاريخيا في المنطقة، وعلى الصعيد المحلي. ويبدو أنها ستكون أكثر التزاما في تطبيق أحكام الشريعة بدرجات متفاوتة.
في أوروبا والولايات المتحدة، حيث المسلمون أكثر عرضة للثقافة الغربية، باتوا أكثر احتضانا للقيم الإسلامية. وفي بريطانيا، مؤيدو فكرة الدعوة إلى إنشاء نظام قضائي يقوم على مبادئ الشريعة الإسلامية يتزايدون شيئا فشيئا. ويعني هذا أن الآمال الغربية في اندماج المسلمين الكلي مع الغرب هي مستبعدة، وأن مستقبل العالم الإسلامي سيكون أكثر إسلاميا من كونه غربيا.
على الولايات المتحدة، بدلا من مساندة الأقلية العلمانية التي تستحوذ على اهتمام الإعلام بالمؤتمرات والبيانات والمذكرات التي تصدرها، أن تكون أكثر حكمة وأن تولي المزيد من الاهتمام للأغلبية الأقل ثرثرة.
*مؤلفة كتاب «مكة والطريق العام: الحياة المسلمة في أميركا
عقب أحداث 11 سبتمبر»، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1664 - الثلثاء 27 مارس 2007م الموافق 08 ربيع الاول 1428هـ