تعقد القمة العربية في الرياض في أجواء بالغة التعقيد والأهمية، فهناك مشكلات متعددة تعاني منها أقطار عربية تؤثر بصورة كبيرة على أوضاعها وأمنها واستقرارها وهناك ضغوط هائلة تمارسها أميركا وبعض حلفائها على الدول العربية بغية تحقيق مجموعة من المكاسب للصهاينة على حساب الحق العربي، وما نراه من تحركات واسعة لوزيرة الخارجية الأميركية يدل بوضوح على الأهداف المشبوهة التي تحاول تحقيقها.
القمة العربية كلها أمام امتحان صعب، فهذه القمة على مدى السنوات الطويلة التي عقدت فيها لم تستطع تحقيق الحد الأدنى من طموحات المواطن العربي ومن أجل ذلك فهي لا تحظى بثقته، وهي كذلك تواجه ضغوطا هائلة لكي تعطي كل ما يمكن أعطاؤه للصهاينة فهل يمكنها إزاء هذا كله كسب ثقة المواطن العربي من جهة والوقوف ضد الاستغلال الأميركي البشع للوضع العربي الراهن وجعل مصالح الأمة العربية وحدها هو الهدف الذي تسعى إليه؟
عمرو موسى أكد أن هذه القمة هي «قمة حل المشكلات أو حلحلتها» كما أكد أيضا على ضرورة دعم حكومة الوحدة الفلسطينية ورفض الحصار على الشعب الفلسطيني، كما ذكر أن هناك قضايا أخرى سيتم بحثها في هذه القمة مثل الانقسامات الطائفية وصراع الحضارات والعلاقات المتوترة بين الشرق والغرب وسواها من القضايا الملحة.
القضايا التي ذكرها عمرو موسى جزء من مسائل أساسية يفترض أن تناقشها القمة وأن تصل إلى نتائج واضحة ومحددة تجاهها وكذلك وضع آلية للتعامل معها وليس حديثا لا يوصل في النهاية إلى شيء عملي...
القضية الفلسطينية تحتل مكانة بارزة - هكذا أظن - في محادثات القمة خصوصا التوافق على حكومة الوحدة الوطنية التي تمت برعاية الحكومة السعودية الذي اعتقد وجوبه أن تصر الدول العربية مجتمعة على ضرورة تطبيق بنود الاتفاق الذي وقع في مكة وأن يكون لها موقف موحد من كل الدول التي لا تتعامل مع هذه الحكومة أو تتعامل مع البعض وتتجاهل البعض الآخر.
ومن مسئوليات القمة الوقوف بحزم أمام ما يفعله الصهاينة في فلسطين من قتل وتشريد وهدم للممتلكات ومحاولات واضحة لهدم المسجد الأقصى فليس من المعقول أن تستمر حكومة الصهاينة في ارتكاب كل أنواع الجرائم والعرب صامتون... لابد من إرادة سياسية عربية مجتمعة لإيقاف الصهاينة عند حدهم وهناك وسائل كثيرة لتحقيق هذا الهدف متى ما اقتنع القادة العرب بضرورة عمل شيء إيجابي يعيد للأمة اعتبارها الذي فقدته.
الصهاينة لم يقدموا شيئا ولم يعترفوا بالمبادرة العربية التي أعطتهم الكثير ولأنهم رأوا أن العرب لا يفعلون شيئا فقد استمرؤوا كثرة المطالبات من دون تقديم أي شيء مقابل ذلك.
رفضوا عودة اللاجئين ورفضوا كل القرارات المتعلقة بذلك، ورفضوا إزالة المستوطنات والجدار العازل، باختصار رفضوا كل شيء وطالبوا لهم بكل شيء... وإزاء هذا كله لابد من وقفة حقيقية تكفل للفلسطينيين حقوقهم.
أمام القمة القضية العراقية ومآسيها التي تتزايد يوما بعد يوم وانعكاسات هذه المآسي على دول الجوار... وإذا كانت أميركا هي التي صنعت هذه المشكلة بغية تحقيق مآربها فإن الذي يكتوي بنارها الدول العربية وليست أميركا.
من المؤسف أن تكون بعض بلادنا محتلة أو محاصرة من دون سائر بلاد العالم والأكثر أسفا أن البلاد العربية لم تتخذ مواقف جادة لإزالة هذا الاحتلال، والمؤمل من «قمة التضامن» أن تتخذ قرارات جادة لإعادة العراق إلى سابق عهده، بعيدا عن الاحتلال أو الطائفية أو النزاعات التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من العراقيين.
الصومال- فيما أعلم - بلد عربي - هذا البلد وقع تحت الاحتلال الاثيوبي وكلنا يعرف مدى العداء التاريخي بين الصومال وإثيوبيا، هذا الاحتلال لم تتحدث عنه الدول العربية ولا الجامعة ولم تتحرك الجامعة ولا دولها لمساعدة الصومال بأي شيء حتى المساعدات الإنسانية... هذا البلد (العربي) تحركت فيه أميركا بكل حرية وكذلك إثيوبيا وتحدث عنه الكثيرون ما عدى العرب وكأن هذه الدولة لا علاقة لها مطلقا بالعرب فهل يصح مثل هذا التصرف الغريب؟
السودان ومشكلته في دارفور لا تلقى الاهتمام الكافي، والأميركان ومن معهم يريدون بهذا البلد شرا وكل يوم يتحدثون عن عقوبات وعن تدخلات تقترب من الاستعمار تحت ذرائع واهية، ومع كثرة حراكهم المشبوه إلا أن العرب لا يكادون يفعلون شيئا، وكأن لسان حالهم يقول: إذا تكلمت الاميركان فيجب أن يسكت الجميع ولكن هل هذا يحقق أية مصلحة للعرب جميعا؟ إنه يحقق مصالح الغرب والاميركان والصهاينة وقد يقسم السودان ويفتت وحدته ويجعله يعيش في قلاقل قد لا يخرج منها أبدا... فهل يصح السكوت عن هذا كله؟!
قمة التضامن مسئولة عن اتخاذ قرارات تدعم السودان وتحقق وحدته... والعرب وحدهم يجب ان يتدخلوا لحل الخلافات بين دولهم ويجب ان يضعوا آلية لتحقيق هذا الغرض وقد سبق أن تحدثوا عن محكمة عدل عربية فهل تخرج هذه المحكمة إلى النور فتحل مشكلات العرب القائمة في بيروت والسودان أو التي ربما تجد مستقبلا؟
من المؤكد أن قضية السلاح النووي الإيراني ستكون موضع اهتمام القادة العرب، ومعروف موقف أميركا وحلفائها من هذا السلاح، ومعروف ما اتخذه مجلس الأمن الدولي قبل بضعة أيام تجاه إيران، ومعروف أيضا أن كل ما يجري في إيران سيؤثر كثيرا على كل الدول العربية فهل يبقى العرب صامتون؟
من المؤسف أن مجلس الأمن لا يتحدث عن سلاح «إسرائيل» النووي ومن المؤسف أكثر أن العرب ومندوبهم في مجلس الأمن لم يثيروا هذه المسألة بصورة واضحة فيطالبوا بنزع سلاح اليهود النووي كما طالبوا بنزع سلاح إيران سواء بسواء.
أميركا لها أجندتها الخاصة في إيران ولكن ينبغي أن يكون للعرب أيضا أجندتهم الخاصة وينبغي أن يتحركوا لتحقيقها بأنفسهم وأن لا ينتظروا حتى تقع الكارثة.
قمة التضاكن أمامها مسئوليات جسيمة ولعل انعقادها في الرياض يحقق لها ظروفا لتحقيق أهدافها.
التضامن أول خطوات النجاح فالأمة المتفرقة لن تحقق شيئا وستنشغل بنفسها أو مع جيرانها.
الاتحاد الأوروبي حقق الكثير لأوروبا وأصبح عدد أعضائه سبع وعشرون دولة لهم ممثل واحد يستطيع القادة العرب أن يتخذوا هذه التجربة قدوة لهم؟ هل يتمكنون من الحديث أمام العالم بصوت واحد؟ هل يستطيعون الاستعلاء على مصالحهم الخاصة ليكون الهم العام هو هدفهم؟
الرياض حققت الكثير فهل نجد جديدا في هذه القمة؟!
إن العرب جميعا يرجون ذلك.
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 1663 - الإثنين 26 مارس 2007م الموافق 07 ربيع الاول 1428هـ