العدد 1662 - الأحد 25 مارس 2007م الموافق 06 ربيع الاول 1428هـ

قمة الرياض... والجبهات الأربع

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أربع جبهات تشغل المنطقة العربية قبل انعقاد القمة في الرياض الأربعاء المقبل. الجبهات الأربع مترابطة الحلقات من بعيد وقريب وهي تشكل مجتمعة نقاطا ساخنة تزيد من توتر علاقات الدول الإقليمية والدولية في مسرح «الشرق الأوسط». هناك أوّلا الجبهة العراقية التي تعتبر من أولويات السياسة الأميركية في الفترة الراهنة. وهناك ثانيا الجبهة الإيرانية التي تعتبر الآن من أولويات السياسة الدولية وخصوصا بعد صدور القرار الدولي الجديد 1747 الذي شدد العقوبات على إيران. وهناك ثالثا الجبهة الفلسطينية التي تعتبر كما كانت في كل المراحل والحالات السابقة من أولويات السياسة العربية. وهناك رابعا الجبهة اللبنانية التي دخلت أزمتها في مأزق اللاحل.

الجبهات الأربع ليست بعيدة عن بعضها حتى لو ظهرت في سياقات مختلفة. وبسبب اقتراب عناصر الأزمات من بعضها يرجح أن تحتل ملفاتها قائمة الأولويات في جدول أعمال قمة الرياض. فالقمة يرجح أن تتناولها كلها مضافا إليها الكثير من النقاط المتصلة بالقرن الإفريقي (أزمة الصومال) والسودان (أزمة دارفور) وغيرها من النقاط الاجتماعية والاقتصادية، وهي من القضايا المغيبة أو المسكوت عنها وخصوصا حين تتطلب آليات للتنفيذ.

قمة الرياض التي ستفتتح أعمالها الأربعاء المقبل ستكون مفصلية في توقيتها ومكانها وجدول أعمالها. فهي لن تكتفي بالبحث في مشكلات قائمة وإنما ستتقدم لطرح مجموعة حلول واقتراحات تتعلق بالقضية المركزية والصراع العربي - الإسرائيلي ومتفرعات العدوان الصهيوني على لبنان وسورية والقدس وموضوع اللاجئين وعودتهم. وهذا بالضبط ما تراقبه الولايات المتحدة وأرسلت بشأنه وزيرة خارجيتها لبحث نصه نقطة نقطة قبل طرح مشروع المبادرة العربية في نهاية القمة.

الموضوع الفلسطيني يحتل مرتبة مركزية في المشروع العربي، وعليه تراهن واشنطن لتحقيق اختراق جزئي يسعفها سياسيا للتقدم في مختلف الجبهات الأخرى. فإدارة جورج بوش التي وجدت نفسها في موقع صعب في العراق تريد تحريك الملف الفلسطيني باتجاه يساعدها على توسيع هامش المناورة والبدء في معالجة أزمة تعتبر تقليديا قاعدة انطلاق لمختلف أزمات المنطقة.

الولايات المتحدة أعلنت بوضوح عن مطالبها فهي من جهة ليست ضد مبادرة السلم العربية التي أعلنت في قمة بيروت، ولكنها من جهة أخرى تريد إدخال بعض التعديلات عليها؛ لتصبح مناسبة لدولة «إسرائيل». وتل أبيب مترددة في قبول المبادرة بعد أن رفضتها قبل 5 سنوات وردّت عليها ميدانيا بإعادة احتلال غزة وبعض مدن الضفة وحاصرت ياسر عرفات في مقر الرئاسة. لذلك تطالب حكومة إيهود أولمرت بتشذيب المبادرة وإعادة هيكلة نقاطها وخصوصا في بند العودة حتى تجد المبرر السياسي لقبولها تحت سقف الضمانات الأميركية.

الدول العربية من جانبها أعلنت تمسكها بالمبادرة معتبرة التنازلات التي قدّمتها سابقا كافية لإعادة صوغ مشروع حل معقول يعطي الفلسطينين عناصر ضرورية لإقامة دولة قابلة للحياة تعيش جنبا إلى جنب مع «إسرائيل». والدول العربية في هذا المعنى تعتبر نفسها أنها تنازلت عن الكثير من الحقوق الشرعية والتاريخية والتزمت بالقوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة وأعطت تل أبيب تلك الضمانات الأمنية والسياسية والدبلوماسية وخصوصا في مسألة الاعتراف وإنهاء المقاطعة وإقامة علاقات طبيعية معها.

ملف مركزي

المشكلة إذا ليست في الجانب العربي وإنما في الجانب الآخر. فتل أبيب تطالب الدول العربية بضمانات أمنية في وقت تملك من الإمكانات العسكرية ما يكفي لهزيمة أكثر من دولة وتعريض استقرار الدول الأخرى للكثير من الاهتزازات السياسية. والمشكلة أيضا إن تل أبيب لم تحسم خيارها التاريخي في المنطقة فهي حتى الآن مترددة في قبول السلم والاندماج في محيطها السياسي الجغرافي وتميل دائما إلى خيار الحرب وتكرار الاعتداءات لمنع الدول من التواصل أو الانفتاح. كذلك يمكن القول إن «إسرائيل» تعتبر نفسها ولاية أميركية وأعلى من مستوى «الشرق الأوسط» وتطالب دول الغرب التعامل معها بأسلوب مميز يليق بموقعها ودورها.

الأزمة إذا في «إسرائيل» وهي أساسا تتصل بإيديولوجية الكيان ووجوده في مكان تنظر تل أبيب إليه بازدراء واستعلاء وتأبى أن تتساوى معه أو أن يتعامل معها الطرف العربي بالسوية نفسها.

هذه الأزمة الوجودية - الوجدانية وصلت بـ «إسرائيل» بعد صراع شرس ضد المنطقة العربية - الإسلامية إلى حائط مسدود. فالدول العربية فشلت في التغلب عليها وهي أيضا باتت في موقع لا يسمح لها بالتغلب على العرب والمسلمين مهما استوردت أسلحة متطورة ولاقت الدعم المالي والاقتصادي والتقني والسياسي والدبلوماسي من الولايات المتحدة ودول الغرب. الكرة في الملعب «الإسرائيلي» وعلى حكومة تل أبيب أن تحسم خيارها وتقرر الاتجاه الذي تريد السير به. فنظرية «القلعة» المحاصرة من العرب أخذت تترنح بعد أن أصبحت عرضة للصواريخ والرمي عن بعد. ونظرية «الجوهرة» وسط دول فاشلة ومتخلفة دخلت أيضا طور التفكك بعد أن ظهرت في جسم الضعف العربي آليات قوة وممانعة.

هذه العناصر لم يعد بإمكان حكومات تل أبيب تجاهلها بالمماطلة والتسويف والتهرب والاستنجاد بقوات الولايات المتحدة وبناء جدار عنصري للعزل والانعزال أو حفر قنوات تحت المسجد الأقصى. فالتطور والزمن وعلاقات القوة أخذت تنمو نحو توازن معادلة تاريخية ليست في النهاية لمصلحة «إسرائيل». ولذلك فإن مشروع المبادرة العربية الذي طرح في بيروت تحت وقع طبول الحرب على العراق يشكل فرصة لتل أبيب وخصوصا أن الدول العربية تعيد طرحه من جديد تحت وقع طبول الانسحاب الأميركي من العراق. فالدول التي رفضت التنازل عن الحد الأدنى في لحظة الهجوم يصعب عليها تقديم تنازل عن حقوقها في لحظات الانسحاب. هذه النقطة تشكل مفارقة تاريخية لابدّ أن تقرأ تفصيلاتها جيدا حكومات تل أبيب.

الموضوع الفلسطيني كان ولايزال يحتل موقعه المركزي في المشروع العربي حتى لو طغت عليه أحيانا مشكلات عربية أو حدودية في العراق والخليج ولبنان. فالجبهة الفلسطينية هي الأساس وبعدها تأتي ملفات أخرى ليست أقل أهمية أو خطورة.

الملفات في النهاية متصلة ببعضها من قريب أو بعيد. فإيران جغرافيا هي جزء من المنظومة الأمنية الإقليمية وكذلك العراق ولبنان. وهذه الأجزاء مهما ابتعدت جغرافيا تشكل مع بعضها ذاك العقد السياسي الذي تتماسك عليه منظومة الدفاع العربية. والتفريط بحلقة منها يعني بدء الانهيار في المجموع العام.

الدول العربية منشغلة بالإعداد لقمة الرياض ولكن الجبهات الأربع التي تستعد لبحثها ستبقى إلى فترة طويلة تشكل نقاط توتر ساخنة لمنظومة العلاقات الإقليمية والدولية. فالملف الإيراني يحتل الأولوية في السياسة الدولية، والملف العراقي يحتل الأولوية في السياسة الأميركية... بينما الملف الفلسطيني وتفرعاته (لبنان وسورية) يحتل الأولوية المركزية في السياسة العربية. ومن الملف الأخير يمكن قراءة الكثير من التحولات والمتغيرات الإقليمية والدولية.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1662 - الأحد 25 مارس 2007م الموافق 06 ربيع الاول 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً