شكلت طريقة إطلاق الحكومة للرؤية الاقتصادية للبحرين والتي تمتد للعام 2030 مفاجأة للمراقبين. وعنصر المفاجأة هو إصرار السلطة التنفيذية على طرح رؤية من جانب واحد، ما يعد خطأ جوهريا. ويقتضي الصواب طرح مسودة للنقاش العام قبل إقرار المسودة النهائية لسبب بسيط وهو أن الأمر يتعلق بالمستقبل الاقتصادي للمملكة لسنوات طويلة قادمة. بمعنى آخر، كان الأجدر طرح مسودة للرؤية حتى يتسنى لأعضاء المجلس التشريعي والقطاع التجاري والمجتمع المدني مناقشة تفاصيلها في ندوات عامة قبل إقرار مسودة نهائية. بدورها، زعمت الجهات الرسمية (كما جاء في مقدمة المشروع) أنها ناقشت الرؤية مع قادة الرأي في المجتمع، لكن من دون تقديم الأدلة.
أما المفاجأة الأخرى فهي المدة الطويلة نسبيا للرؤية (تمتد إلى أكثر من 22 سنة) في عالم سريع التغيير، ويمكن ملاحظة تداعيات أزمة الرهن العقاري التي بدأت من الولايات المتحدة لكن وصلت سلبياتها إلى مختلف أرجاء المعمورة بما فيها البحرين. بل هناك حديث عن احتمال انتهاء شيء اسمه بنوك استثمارية في أميركا. وتكمن المعضلة في أن من الصعب أو ربما المستحيل استكشاف الأوضاع المستقبلية في ضوء التغييرات السريعة في عالم اليوم. فمن شأن التغييرات السريعة المتواصلة في عالم التقنية إحداث تغييرات نوعية في مختلف أوجه الاقتصاد ينال من فرضيات الرؤية.
الأهداف والحاجة والطموحات
وفي كل الأحوال، يسلط مقالنا الضوء على بعض الجوانب المهمة في الرؤية الاقتصادية. تهدف الرؤية إلى جعل الاقتصادي متميزا على المستوى العالمي عبر التركيز على بعض القطاعات مثل الخدمات المالية فضلا عن الصناعة والسياحة وخدمات الأعمال، لكن يعيب الرؤية عدم اعتمادها لغة الإحصاءات للتدقيق في مدى ملاءمة الأهداف للظروف الاقتصادية للبحرين.
وترى الرؤية وجود الحاجة إلى تنفيذ إصلاحات اقتصادية متكاملة بالنظر إلى التطورات المحلية والإقليمية والدولية. على المستوى المحلي، ترى الرؤية أن الاقتصاد يوجد آلاف الوظائف، لكن تحصد العمالة الأجنبية نصيب الأسد منها. فقد نجح القطاع الخاص في إيجاد أكثر من 27 ألف فرصة عمل في العام 2007 حصل الأجانب على 96 في المئة من فرص التوظيف هذه. بدورهم، يقوم العمال الأجانب بإرسال جانب رئيسي من أموالهم للخارج، الأمر الذي يضر ميزان المدفوعات للدولة. وفي كل الأحوال، المطلوب إيجاد وظائف جديدة تتناسب وتطلعات المواطنين بالنسبة إلى الأجور وظروف العمل. بمعنى آخر، ما يهم في نهاية المطاف هو عدد كافٍ من الوظائف المرغوبة وليس أية وظائف.
إضافة إلى ذلك، تتضمن الرؤية طموحات بالنسبة إلى الاقتصاد والحكومة والمجتمع. فيما يخص الاقتصاد، تأمل الرؤية إلى جعل المواطن البحريني الخيار المفضل للعمل لدى القطاع الخاص، ما يتطلب التركيز على تحسين إنتاجيته ومهاراته. أما بخصوص الحكومة، فتشير الرؤية إلى إمكانية تحسين نوعية الخدمات التي تقدمها الدوائر الرسمية عبر الاستعانة بمصادر خارجية لإنجاز بعض العمليات الحكومية غير الأساسية، ما يشير إلى تبني الخصخصة كخيار استراتيجي. وبخصوص المجتمع، تؤكد الرؤية أهمية تمكين المواطنين والمقيمين على حد سواء للحصول على خدمات صحية ذات نوعية عالية. كما أن هناك التزاما بتقديم أفضل الخدمات التعليمية للمواطنين لضمان تمتعهم بالصفات المطلوبة للمنافسة في سوق العمل.
ثلاثة مبادئ
تعتمد الرؤية الاقتصادية للبحرين على ثلاثة مبادئ رئيسية، هي: الاستدامة والتنافسية والعدالة. وتؤكد الرؤية ضرورة الاستثمار في رأس المال البشري والتعليم والتدريب لضمان استدامة أو استمرار المشاريع الاقتصادية.
أما فيما يخص التنافسية، فهناك تقدير لأهمية تعزيز الإنتاجية حتى يتسنى للاقتصاد البحريني منافسة الاقتصادات الأخرى على المستويين الإقليمي والدولي. ويشار هنا إلى أن البحرين تحتل المرتبة الخامسة بين شقيقاتها في دول مجلس التعاون الخليجي في مجال التنافسية الاقتصادية. وبحسب تقرير التنافسية الاقتصادية للعام 2008 والذي أصدره المنتدى الاقتصادي العالمي قبل فترة قصيرة، نالت البحرين المرتبة رقم 37 دوليا على قائمة أكثر الاقتصادات تنافسية في العالم متأخرة عن قطر والسعودية والإمارات والكويت على التوالي بين دول مجلس التعاون الخليجي.
وفيما يتعلق بالعدالة، تشير الرؤية إلى أهمية تعزيز حالة المنافسة الشريفة بين مؤسسات القطاع الخاص فضلا عن الشفافية الكاملة في نشر الإحصاءات. وفي أي حال، تتطلب العدالة عدم التمييز بين المواطنين على أي أساس، الأمر الذي يتناقض والواقع المعاش في البلاد حيث تمارس الجهات الرسمية سياسة التمييز على أسس مذهبية على وجه الخصوص.
تجارب إقليمية
على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، تشتهر سلطنة عمان بطرح رؤية اقتصادية حتى العام 2020 تتضمن الكثير من التفاصيل بخصوص تعزيز دور العمالة الوطنية والتأكيد على التنوع الاقتصادي.
بدورها، طرحت إمارة دبي خطة إستراتيجية خاصة للفترة ما بين 2007 و2015. ويلاحظ أن دبي طرحت خطة استراتيجية (وليس رؤية) تضمنت تحقيق نسبة نمو قدرها 11 في المئة سنويا في الناتج المحلي الإجمالي. كما تهدف الخطة لرفع معدل دخل الفرد من 33 ألف دولار في السنة في العام 2005 إلى 44 ألف دولار مع نهاية العام 2015. بالمقارنة، أكدت الرؤية الاقتصادية للبحرين، أنها تهدف لزيادة الدخل الحقيقي للأسرة البحرينية إلى أكثر من الضعف بحلول العام 2030 من دون ذكر التفاصيل.
خطط استراتيجية
يبدو لنا أن الفعاليات الوطنية في البحرين تنتظر بفارغ الصبر الخطط الاستراتيجية الكفيلة بترجمة الرؤية إلى مشاريع محددة تعالج التحديات التي تواجه الاقتصاد البحريني مثل توفير فرص عمل مناسبة للمواطنين. والمطلوب الآن تحويل الرؤية إلى استراتيجية تشمل المبادرات والأولويات بالنسبة إلى وزارات الدولة. والأهم من ذلك، ضمان تنفيذ الخطط ومراجعتها بشكل دوري.
السؤال الذي يطرح نفسه: هل ستقوم السلطة بإشراك المجتمع المدني والقطاع التجاري وأعضاء المجلس التشريعي في عملية صوغ الخطط الاستراتيجية لتنفيذ الرؤية؟ هذا ما نأمله حتى يتسنى تبني خطط تتناسب والتحديات التي تواجه الاقتصاد البحريني
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 2251 - الإثنين 03 نوفمبر 2008م الموافق 04 ذي القعدة 1429هـ