العدد 1660 - الجمعة 23 مارس 2007م الموافق 04 ربيع الاول 1428هـ

انقلاب سياسي أم توضيح ملابسات؟

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

الصفعة التي وجهها السفير السعودي في لبنان لقوى «14 آذار» وحكومة فؤاد السنيورة لاتزال تفعل فعلها على رغم مرور أكثر من 72 ساعة عليها. الصفعة كانت قوية وصادمة وغريبة من نوعها. وحتى الآن لا تعرف الأسباب الكامنة وراء توجيهها. هل هي خطأ فني ناتج عن قلة الخبرة وعدم معرفة دقيقة بتوازن الاستقطابات الأهلية في البلد الصغير، أم هي نتيجة انفعال وردة فعل على ضغوط إقليمية بسبب ضيق الوقت وتقلص هامش المناورة، أم هي تعكس سياسة جديدة بدأت ترتسم خطوطها العامة وأخذت تتجه نحو تفصيلات ستظهر قريبا على مسرح «الشرق الأوسط»؟

عموما نجح السفير السعودي في تسجيل هدف في مرمى «14 آذار» لمصلحة فريق «8 آذار». وبغض النظر عن الدوافع التي أملت توجيه مثل هذه التسديدة فإن حكم المباراة لا يستطيع تجاهلها حتى لو كانت عن غير قصد.

أحيانا يسجل اللاعب هدفا في فريقه من طريق الخطأ في الوقت الضائع أو القاتل ويخرجه من المنافسة من دون انتباه أو تعمد. وهذا ما كاد أن يحصل في لبنان في الأيام الثلاثة أو الأربعة الماضية.

حتى الآن لاتزال قوى «14 آذار» تترنح من صدى تلك الصفعة لأنها جاءت في وقت دقيق وحرج وأعطت نقطة إيجابية لمصلحة الطرف المنافس من قوى «8 آذار» واحتسبت نقطة سلبية ضدها.

تصريح السفير السعودي الذي جاء تعليقا على المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيس مجلس النواب نبيه بري أعطى الانطباع بأن الرياض تتجه نحو التخلي عن موقفها المحايد وبدأت تؤسس خطوات حذرة باتجاه إعلان تأييدها للقوى التي تطالب بتغيير حكومة السنيورة وتعديل قانون «المحكمة ذات الطابع الدولي». هذا الانطباع الأولي نفاه السفير السعودي ثم عاد وأوضحه في تصريح لاحق. إلا أن أصداء الضربة الأولى لاتزال تخضع للتأويل والتفسير. لماذا قال السفير السعودي هذا الكلام وهو يعلم مدى حساسية الوضع اللبناني ودقته؟ فالكلام فسر على أن فريق «8 آذار» متساهل ويريد الحل وهو على استعداد للتضحية وتقديم التنازلات بينما فريق «14 آذار» ظهر أمام الرأي العام أنه الطرف المتصلب الذي يعاند ويرفض الحل وهو غير مستعد للتفاهم أو عقد تسوية معقولة قبل اقتراب موعد القمة العربية في الرياض.

حتى الآن لا تعرف الدوافع الحقيقية لذاك التصريح ولمصلحة من قال السفير السعودي تصريحه وما هي الرسالة التي أراد توجيهها من وراء تلك الرمية الركنية التي سددها ضد فريق كان الظن أنه محسوب إلى جانبه.

توضيح السفير السعودي اللاحق خفف من انفعالات حكومة السنيورة وقلل من شدة الضغوط التي سقطت بقوة على تحالف «14 آذار»... إلا أن الخسارة وقعت ولم يعد بالإمكان عدم احتساب ذاك الهدف الغريب من نوعه.

انقلاب سياسي

هناك أسئلة يمكن تجديد طرحها في حال لم يتراجع السفير السعودي جزئيا عن تصريحه. ماذا كان سيحصل لو تمسك السفير بحرفية كلامه واستمر يضغط على حكومة السنيورة وقوى «14 آذار»؟

بكل بساطة انقلاب سياسي سيكون له انعكاساته السلبية والإيجابية على الساحتين اللبنانية والعربية. فهو أولا سيخلط أوراق التحالفات وسيؤدي إلى إعادة تشكيل استقطابات أهلية تؤسس توازنات غير واضحة المعالم في لعبة القوى المحلية. ثانيا كان سيطرح تصورات إقليمية تتصل بتحالفات غير ناضجة على مستوى علاقات دول المنطقة. وثالثا كان سيمهد الطريق لمجموعة اختراقات قد تكشف عن «خريطة طريق» مغايرة لتلك الشبكة الدولية التي ظهرت على مسرح «الشرق الأوسط» في السنوات الست الماضية.

هذا الانقلاب السياسي كاد أن يحصل لو لم يتراجع السفير السعودي عن حرفية تصريحه ويوضح بعض الزوايا في كلامه. فالتعليق الذي ورد مباشرة بعد المؤتمر الصحافي الذي عقده بري أشار إلى وجود توجهات جديدة في السياسة السعودية اللبنانية والإقليمية. هكذا فهم التعليق وخصوصا أنه جاء في أعقاب كلام ورد في تصريح لوزير الخارجية الأمير سعود الفيصل فهم منه أنه يشكل بداية عتب على حكومة السنيورة و «14 آذار». كذلك يمكن ربط تصريح وزير الخارجية بمؤتمر صحافي عقده سابقا الأمير تركي الفيصل وأشار فيه إلى عدم اعتراض الرياض على فكرة «الهلال الخصيب» بقيادة سورية، لأن الفكرة تبقى أفضل أو خطوة توحيدية متقدمة على ما يسمى بمشروع «الهلال الشيعي».

كلام السفير السعودي في بيروت إذا جاء في سياق خلفيات سابقة حتى لو كان التصريح «زلة لسان» أو انفعالا أو خطأ في التسديد. لذلك تعاملت القوى المحلية والإقليمية والدولية المعنية بالشأن اللبناني بشيء من الجدية والانتباه في اعتبار أن فحوى الكلام يقصد منه ترسيم حدود جديدة للتحالفات المقبلة في منطقة «الشرق الأوسط».

التراجع المحدود والمدروس عن التصريح لا يخفي تلك الأبعاد من وراء قوله. لنفترض جدلا أن السفير السعودي تمسك في حرفية كلامه وأصر عليه وواصل ضغوطه، ماذا كان سيحصل في لبنان قبل انعقاد القمة العربية. هناك ترجيحات كثيرة أبرزها: انهيار حكومة السنيورة أو اضطراره إلى الاستقالة. تفكك تحالف «14 آذار» وخروج تيار «المستقبل» منه. وأخيرا تفكك الكتلة النيابية التي يقودها سعد الحريري. وفي المجموع العام كان البلد الصغير سيشهد بداية انقلاب سياسي في التحالفات ستدخل الأزمة في طور جديد وستعيد تشكيل القوى في ضوء توازنات أهلية مغايرة لتلك التي استقر عليها البلد منذ العام 2004 تقريبا.

هذه الاحتمالات تستند إلى وقائع لا توقعات. فالبلد طائفي ومذهبي ومناطقي في تحالفاته واستقطاباته. وعلى هذا القياس تعتبر حكومة السنيورة مركبة طائفيا ولا تنتمي إلى مذهب واحد ومنطقة واحدة وبالتالي أي حركة لا تنسجم مع توازن المصالح ستؤدي إلى انهيار الحكومة أو على الأقل اضطرار السنيورة إلى تقديم استقالته. القياس نفسه يمكن تطبيقه على توازنات تحالف «14 آذار» فهو أيضا يتركب سياسيا من مذاهب ومناطق مختلفة وبالتالي سيتعرض فورا إلى التفكك والتلف في حال خرجت منه قوة مركزية واتجهت نحو الموقع الآخر. وأيضا يمكن سحب الاحتمالات القياسية نفسها على كتلة الحريري النيابية وربما مستقبل تيار «المستقبل» ودوره السياسي في المرحلة المقبلة.

لكل هذه الاعتبارات تمت قراءة تصريح السفير السعودي بانتباه ومن زوايا مختلفة. فالكلام ليس مجرد خطوة عادية استهدفت تسجيل موقف وإنما فهم منه سياسة جديدة تريد إعادة تشكيل التوازنات في سياق إقليمي يختلف عن تلك التوجهات التقليدية.

الآن وبعد توضيح السفير السعودي ملابسات تصريحه استقرت الأمور جزئيا وعادت القوى تقرأ من جديد خفايا الأمر والدوافع الحقيقية الكامنة وراء فحوى الكلام ومقاصده. فالهدف سجل في مرمى «14 آذار» وخرجت قوى «8 آذار» منتصرة معنويا على الأقل في اعتبار أنها تريد التسوية وغيرها يمانع ويماطل.

المسألة لم تستقر عند هذا الحد. فهناك الكثير من الأشواط يرجح أن تظهر على الشاشة الإقليمية قبل القمة العربية في الرياض وبعدها، فهل يكرر السفير السعودي ضرباته الترجيحية أم اكتفى بهذا القدر من التدخل والتوضيح؟

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1660 - الجمعة 23 مارس 2007م الموافق 04 ربيع الاول 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً