العدد 1660 - الجمعة 23 مارس 2007م الموافق 04 ربيع الاول 1428هـ

أول الإخفاق النيابي!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

إن كان هنالك من شيء جدير بالملاحظة والالتفاتة لدى «المفتشين القدامى الجدد» فهو غياب أو بالأحرى تجاهل عناصر الثقافة والإبداع والحرية الفنية والفكرية، والتي تعتبر كينونة مراهقة متمردة وعصية على الإخضاع والتوصية، من صلب اهتمامات وتطلعات الكتل النيابية التي أجمعت على تشكيل لجنة تحقيق لــ«ربيع الثقافة»!

وعلى رغم حاصل التشتت المتشنج في مواقف أعضاء الكتل و«المحققين» الجدد من هجوم شامل على المهرجان بأكمله، فاجتراح تأويلي لمعنى حقيقي ومستساغ للثقافة والفن والإبداع، فتركيز للهجوم عند فعالية «مجنون ليلى»، ومن ثم الانطلاق بالتصريحات النارية الرشاشة، وبعض منها أقرب إلى الوقاحة والابتذال والإفلاس التعبيري والتفكيري، صوب الصحافة وناحية 53 من منظمات المجتمع المدني التي تجرأت على تلك الوصاية الرجعية الاتحادية المعلنة، وأعلنت في بيان منشور استنكارها لمثل هذه الإجراءات التفتيشية المتخلفة التي لا تهضم لغة الإبداع والفن الحر!

ومهما يكن الموقف تجاه نواب الكتل والتيارات التي يمثلونها، وما تحفل به أروقتها من تسفيه لمعنى الثقافة والفن والإبداع المتحرر، والذي يحوي جمرة الفطرة الأولى وغريزة الاحتجاج والعصيان، فإن بعض هذا النواب ممن ضاقت به صلاحياته التشريعية المتواضعة والمحدودة دنيويا قد فضل الانطلاق نحو رحابة التشريع الأخروي (والعياذ بالله)، وبالتالي إطلاق الأحكام بالعذاب يوم القيامة لمن يساند مهرجان «ربيع الثقافة» وما جرى خلاله من «خلاعة» و«فجور» مباشر، ومواصلة تأدية دور إقصاء وتهديد ووعيد «كلاسيكي» مبتذل من تقويض الأخلاق والقيم الأممية وهو ما يعني الزوال بفعل هذا الربيع الذي يراد له أن يمر بسلام!

وهم النواب المهاجمون والساكتون منهم عن مثل ذلك الهجوم على حرية الفن والإبداع بدلا من الاعتراض، فيما قد يشير إلى مجاملة أو خيفة من ضياع بوصلة وسط هيجان التيار، قد أعلنوا جميعا وبكل صراحة متوقعة إخفاقهم الأول نيابيا، وذلك حينما اعتزلوا سائر الملفات المرجأة والقضايا المرمية على جانب واتجهوا صوب «مجنون ليلى» الذي فيما يبدو أنهم، المحققون أعينهم، اكتشفوا وفقا لأعرافهم وتصانيفهم للأولويات بأنه أساس ومصدر البلاء ومنبع الأزمات التي ظل ومازال يعاني منها الشعب البحريني المحبط!

فالأمر وكما يبدو أن هذا الشعب ما كان له أن يحتشد لدى صناديق الاقتراع للمرة الثانية عسى ألا يلدغ من خلالها مرة أخرى إلا من أجل انتخاب من يصلح لمطاردة الراقصين والراقصات، ويضيق عليهم وعليهن السكنى في فنادق الخمسة نجوم، كما أعلن عن ذلك المبتغى و«الهدف الاستراتيجي» صراحة!

أو ربما استذبح قطاع عريض من الشعب انتخابيا لأجل من يقبض على «قيس» ويعزره علنا في جوار «شارع المعارض»، ومن يعرض «ليلى» الغاوية بعد صلاة الجمعة النيابية بانتظار الرجم في زاوية من زوايا المجلس، فتكون بذلك جميع المحن قد قضي عليها نيابيا في مضاجعها وأوكارها، ويكون المجلس النيابي قد حقق الطموح الوطني بالعدالة والحرية والمساواة والشفافية المؤجل منذ أكثر من قرن، واستنفذ جدواه في وقت قياسي!

فـ«قيس» تم تعزيره وشج رأسه وسحله مرة ثانية ولكن في «شارع المعارض» القريب من مقر المجلس، في حين رجمت «ليلى» الغاوية في مقر المجلس جزاء لما اقترفته أمام الشعب من غواية منكرة!

وكان لكل رجمة نيابية على جسد «ليلى» المعلق وقع وأثر وصدى قضايا «البطالة» و«الإسكان» و«التجنيس العشوائي» و«شح الأراضي» و«سوء توزيع الثروات» و«غياب العدالة الاجتماعية»!

ولا مانع بعدها من أن يتم تكرار عرض «مجنون ليلى» بين بعض النواب والسلطة التنفيذية والكراسي مرة أخرى، مثلما تم ابتداعه في الدورة السابقة، ولكن دون إبداع أو فن يذكر، وليس إلا ابتذال فئوي وطائفي وظيفي في الهواء المكشوف!

أراد الشعب له نوابا يمثلوه في كافة المناحي، ويلتفتوا أولا إلى أولى القضايا وأسخن الملفات، ويهدئوا روعه من هجوم التقارير المباغتة أكانت فضائح جدلية أم متحصلات رقابية معلنة، وأن يحلوا له مشكلة السكن وشح الأراضي وسوء توزيع الثروات، ويحسموا الأمر مع البطالة ومسألة تحسين الوضع المعيشي، وغيرها من ملفات وقضايا عاجلة لا يكاد أن تبدو لها نهاية، ولكن هؤلاء النواب أصروا على تقمص أدوار شخصيات ظلامية تعيش خارج سياق عصرها ومنطق زمانها الحضاري.

ربما كان لنا أن نرى أمثالها دارجة في روايات الروائي الجزائري الشهير «واسيني الأعرج»، وهي تخرج لتطمس بأصابعها الباردة وأشداقها نور الفن والإبداع في كل زاوية ومقام!

اتجهت جميع الأسنة في يد حامليها من ممثلي الشعب ليس ناحية الفاسدين والمفسدين إداريا وماليا من جرذان وقطط سمان ساهمت في ما يعاني منه الشعب البحريني من طاعون شقاء وتعاسة عطل كافة أشكال التنمية، وأرهق جميع المطالب والتمنيات الشعبية المشروعة، بل هي موجهة إلى مهرجان «ربيع الثقافة» الذي أصبح الأذى الوحيد المعيق لمواصلة طريق التقدم والتنمية، فهو في مناظيرهم أذى مستفرد وجبت إماطته لكي لا يؤذي القيم والأخلاق رغم أن «ربيع الثقافة» مشروع وطني خالص يبعث على الفخر والاعتزاز، ويحوي إبداعا ثقافيا عالميا متنوعا وأصيلا، ولا يحتوي على سرقات فكرية أو صحافية كالتي ارتكبت في وضح النهار الإلكتروني مثلا حتى يتهم بإفساد الأخلاق وتلويث القيم!

البعض أبدى خشيته منذ بداية الدورة التشريعية الثانية ومع الإعلان عن تقرير ديوان الرقابة المالية من أن ينشغل جميع النواب على مدى فصولهم التشريعية بما احتواه التقرير والانشغال به عن قضايا وتقارير أخرى أبدى وأهم، فيكونوا بالتالي كمن ابتلع طعما ولم يعرف دونه من خلاص؟!

ولكن يبدو أن الواقع سيكون أسوأ بكثير من تلك التوقعات المتفائلة نسبيا من أداء المجلس الحالي، فبعد مشوار طويل من الغم والنكد والهم والخيبات الشعبية لم يكن يخطر ببال المشاهد والمراقب والناخب أنه على موعد غير مسبوق مع مسلسل نيابي طويل ربما لن ينتهي إلا على حساب العديد من القضايا والملفات الأجدر طرحها برلمانيا!

لم نشهد لهم التفاتة صوب زحف دولة آيلة للتطبيع مع الكيان الصهيوني، ومعهم «أسد القدس» و«حبيب فلسطين»، بمثل تلك الحماسة والفزعة لمطاردة الراقصون والراقصات وللنيل من «مجنون ليلى» ومن «ربيع الثقافة» على حساب ما دفع الشعب ومناضليه ثمنه غاليا!

بل امتدت أسنتهم ذاتها بعدما حوصروا بسيل الانتقادات والأسئلة ناحية المجتمع المدني والصحافة لينعتوهما حضراتهم بـ»الفشل» و»الانحراف»، وذلك بعد أن نالوا وشبعوا من خيرات بعض المقاولات الصحفية، وتنعموا بتلميع ورشها الاصطناعي والمدفوع الأجر!

هل بيعت جميع القضايا والملفات «ثمنا» للقبض على «مجنون ليلى»؟!

هل سيجهضون هذا الربيع، ويواصلون بعده عرض الإخفاق مع شوارد جانبية أخرى؟!

كان على البعض منهم الالتفات إلى قضية ارتفاع الأسعار، عسى أن لا يواجه أية أزمة في شراء وتوزيع «خياش العيش» مستقبلا على خيارات الناخبين في الربيع الانتخابي إذا كان الكسب حلالا؟!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1660 - الجمعة 23 مارس 2007م الموافق 04 ربيع الاول 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً