في السبعينات مرّت الدول الصناعية الكبرى بأزمة اقتصادية سببت كسادا وتراجعا في الإنتاج. ونتيجة لتراجع الإنتاج، تراجع استيرادها للمواد الأولية التي تدخل في صناعاتها. وبما أن هذه المواد يتم استيرادها من الدول النامية، فلما حدث الكساد قلّ الطلب على المواد الأولية.
ولأن الدول النامية تعتمد في اقتصادياتها على إنتاج سلعة أو اثنتين من السلع الأولية (نوع من المعدن مثلا، كالنفط... الخ)، ولأن المستهلك الأكبر لهذه السلع تلك الدول الصناعية، وبسبب الكساد وتراجع المصانع الأوربية عن الإنتاج، تراجع استيرادها وشراؤها للسلع الأولية من الدول النامية. عندها أصيبت الدول النامية بنكسة كبيرة نتيجة لهذه التبعية الاقتصادية للدول المتقدمة، هذه التبعية التي مازلنا نرزح تحت رحمتها إلى يومنا هذا ولم نتعظ من أزمة السبعينات.
أكثر من ذلك، العملة الصعبة التي تحصل عليها هذه الدول وتشتري بها الغذاء والدواء لشعوبها وكذلك مختلف السلع الاستهلاكية والمنتجات التي تدخل في الصناعات التحويلية المحلية، كلها من تلك الدول المتقدمة التي أصابها الكساد. وهذه السلع أيضا يتم استيرادها من هذه الدول.
وبسبب الكساد، قامت الدول الصناعية المتقدمة برفع الأسعار على ما يتم تصديره للدول النامية، وهذا ما قاد إلى ارتفاع الأسعار، فأصبحت المصيبة مصيبتين، فمن جهة قلت مبيعات الدول النامية للمواد الأولية، وبالتالي صعب عليها الحصول على العملات الصعبة التي تشتري بها الحاجات الضرورية لشعوبها، ومن جهة أخرى قامت تلك الدول التي تستورد المواد الأولية برفع أسعارها على الدول النامية في محاولة للتخفيف من مشكلة الكساد التي أصابها.
في تلك الأثناء تعالت الأصوات المطالبة بإصلاح الهيكل الاقتصادي للدول النامية حتى تتنوع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على سلعة أولية واحدة يتركز استهلاكها على الدول الصناعية المتقدمة.
ولم تكن الدول النفطية الخليجية بمنأى عن صدى الدعوات، إذ إن أسعار النفط «ومنذ الثمانينات تراجعت: إلى مستوى 6 دولارات للبرميل وظلت تتراوح بين ذلك وعشرة دولارات للبرميل إلى العام 1987» باستنثاء العام 1980 حين شن طاغية العراق حربه على إيران فارتفع سعر البرميل لفترة إلى 35 دولارا.
وكانت مملكة البحرين سبّاقة في هذا المضمار، فانخفضت الإيرادات الحكومية من النفط ووصلت العام 1998 إلى 47 في المئة فقط.
إلا أن الارتفاع المفاجئ في أسعار النفط والذي بدأ بعد العام 1999 حتى بلغ مستوى 70 دولارا للبرميل في بعض الأحيان، جعل الحكومة تتراخى في مضمار إصلاح الهيكل الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل، فبدلا من أن تنخفض الإيرادات الحكومية من النفط، صعدت بشكل صاروخي ووصلت حاليا إلى أكثر من 75 في المئة.
بجانب ذلك كله، إن ضعف الدور الأساسي للناس متمثلا في القطاع الخاص في تشكيل إيرادات الدولة يدفع الحكومات النفطية للاستبداد وعدم الاكتراث بهذا القطاع، وإزوائهم عن التأثير على الحياة السياسية، ولو توجد مساهمة حقيقية لهذا القطاع في الحياة الاقتصادية وإيرادات الدولة فإن ذلك سيدفع أرباب هذا القطاع إلى الخوض في الحياة السياسية والتأثير فيها خلاف الوضع الحالي. ولهذا يجدر بمجلس النواب دراسة هذه المسألة، وسبل تخفيف نفوذ الدولة بسبب النفط عن طريق إشراك القطاع الخاص في المساهمة لرفع مستوى الرفاه العام، وبالتالي دفع هذا القطاع للمشاركة الحقيقية في صناعة القرار من خلال الانخراط في النشاط السياسي ودعم التحزبات السياسية من دون وجل وخوف من المتنفذين وأصحاب المناصب الكبيرة في الدولة.
إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"العدد 1658 - الأربعاء 21 مارس 2007م الموافق 02 ربيع الاول 1428هـ