العدد 1658 - الأربعاء 21 مارس 2007م الموافق 02 ربيع الاول 1428هـ

أزمة لبنان دخلت في طور جديد

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هل بدأ لبنان يدخل في مسار تفاوضي جديد أملته عليه مجموعة اعتبارات دولية وإقليمية أم إن قواه السياسية دخلت عنوة في سياق آخر من الأزمة؟

وقائع أمس الأول كشفت عن وجود خلافات ضمن الفريق الواحد. فقوى 14 آذار ظهرت أمام شاشات التلفزة مفككة أو غير متفقة على موقف موحد بشأن نتائج تلك اللقاءات التي عقدت ولاتزال بين رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري ورئيس مجلس النواب نبيه بري. فتلك اللقاءات كما يبدو أسفرت عن صيغة حل مؤقت يضمن مسار تسوية معقولة بين «14 آذار» و «8 آذار» تعطي لكل فريق بعض مطالبه وتخفف عنه هواجسه وقلقه. والصيغة التي أعلن عنها بري في مؤتمره الصحافي تناولت موضوع المحكمة الدولية وتشكيل حكومة وحدة وطنية والسير بهما في وقت واحد مع ضمانات متبادلة بعدم تخلي أي فريق عن التعهد الخطي المكتوب.

كلام بري كان له تأثيره المعنوي على خريطة التحالفات السياسية في لبنان حين طرح مجموعة آليات تحدد خطوات عملية للتنفيذ برعاية سعودية مباشرة وضمن مهلة زمنية تتكفل لجنة مشتركة من الفريقين بوضع لمساتها الأخيرة.

هذا الكلام ولّد ردود فعل متباينة وتحديدا من قوى 14 آذار. رئيس الحكومة فؤاد السنيورة انتقده وقال إنه يتضمن مغالطات دستورية وفي الوقائع. رئيس «اللقاء الديمقراطي» وليد جنبلاط اعتبره محاولة التفاف على الدور الدستوري لمجلس النواب. وقائد «القوات اللبنانية» أبدى ملاحظات عليه وخصوصا في الجانب المتعلق بتشكيل حكومة تعطي المعارضة الثلث المعطل (19 + 11).

المفاجأة كانت من السفير السعودي في لبنان حين صرح بشكل واضح وقاطع دعم المملكة لكلام بري وتأييدها لمجرى اللقاءات التي عقدت بين الحريري ورئيس مجلس النواب. تصريح السفير السعودي قلب المعادلة وخلط أوراق «14 آذار» بـ «8 آذار» ودفع الكثير من القوى إلى السكوت أو التمنع في الإدلاء بالملاحظات لمعرفة طبيعة المستجدات.

طرح هذا التطور أسئلة تتصل بالأزمة اللبنانية وأعطى صورة مضادة لمنطق التجاذبات الإقليمية والأهلية التي أخذت ترتسم معالمها في المنطقة وتحديدا العراق ولبنان. فعلا ماذا يحصل في الكواليس؟ هل هناك مثلا تحالفات إقليمية جديدة أخذت تتجه نحو بناء علاقات محلية تعيد تشكيل مشهد سياسي في دائرة «المشرق العربي»، أم هناك تسوية مؤقتة تحتاجها إيران للتخفيف من حجم الحصار الذي تتوقع حصوله في حال نجحت الولايات المتحدة في قيادة دول مجلس الأمن إلى التوافق على قرار دولي جديد ضدها، أم هناك محاولة لتجميد الأزمات ومنع انفجارها أهليا وانتشارها إقليميا، أم إن السعودية تضغط على القوى الحليفة والصديقة لوقف التصعيد حتى تضمن نجاح القمة العربية التي ستعقد في الرياض في نهاية الشهر الجاري؟

لبنان في هذا المعنى يعتبر تقليديا مرآة المنطقة العربية. ومن يريد أن يعرف حركة الأقاليم وتوجهات قواها لابد أن يراقب الحراك السياسي للطوائف والمذاهب في هذا البلد الصغير. قبل نحو الشهرين كاد لبنان أن ينزلق نحو فتنة مذهبية تفجر العلاقات الأهلية كما هو حاصل في العراق. إلا أن اتصالات اللحظات الأخيرة منعت وقوع الاحتمال المخيف فتدخلت السعودية وإيران على الخط الداخلي وأوقفت الاندفاع نحو التصادم. التدخل السعودي الإيراني جاء في الوقت المناسب وبدأت الاتصالات الثنائية تثمر عن تهدئة إقليمية ظهرت ألوانها في أكثر من مكان.

أسباب كامنة

لا تعرف حتى الآن الأسباب الكامنة وراء هذه الاتصالات، وهل هي بداية توافق إقليمي مضمون دوليا أم هي مجرد تحركات أملتها ظروف كل فريق وجاءت تلبية لحاجات داخلية ومصالح إقليمية ليست بالضرورة أن تكون مضمونة دوليا؟

البعد الدولي للاتصالات السعودية الإيرانية لم تتوضح ملامحه حتى الآن، إلا أن البعد اللبناني لتلك اللقاءات الإقليمية رسم معالم طريق يرجح في حال استمر أن يفرز ألوان تحالفات محلية ويعيد تشكيلها من جديد.

أهم ما أسفرت عنه تلك الاتصالات السعودية الإيرانية أنها رسمت ذاك الخط الأحمر الذي لا يجوز تجاوزه بين الطوائف والمذاهب اللبنانية. بعدها انتقلت الاتصالات إلى درجة أعلى حين أخذت تتوضح صورة حل مؤقت للأزمة تقوم على تسويتين: الأولى تتصل بقانون المحكمة الدولية والتعديلات المطروحة بشأنها. الثانية تتصل بالحكومة وتوزيع النسب والحصص بين المجموعات السياسية التي تتشكل منها قوى «14 و8 آذار».

أثارت هذه التقاطعات ردود فعل في الجانبين. فالقوى المحسوبة على سورية صعدت لهجتها النقدية وأخذت تدفع باتجاه منع حصول التقارب السياسي المذهبي حتى لا تأتي التسوية في إطار أفق يتجاوز الحسابات المتصلة بموضوع «المحكمة الدولية». وبعض قوى «14 آذار» خفف لهجة التصعيد على طهران حتى لا يحرج الرياض وركز هجماته على دمشق متهما إياها بأنها صاحبة مصلحة في إثارة الفتنة الداخلية.

هذا التصعيد والتخفيف المتبادل تقاطع بدوره داخليا على أكثر من خط. فهناك أطراف في «8 آذار» اتجهت نحو تجميد الخلاف مع سعد الحريري وركزت هجماتها على فؤاد السنيورة ووليد جنبلاط وسمير جعجع بغية التوصل إلى تفاهم مع تيار «المستقبل» لمنع تفاقم الوضع الأهلي وتشرذم الشارع المسلم كما هو حال العراق. وهناك أطراف في «8 آذار» وخصوصا تيار الجنرال ميشال عون واصل هجومه على الحريري بهدف الضغط مذهبيا على الشارع المسلم ومنع التقارب السني - الشيعي.

مقابل هذه الاتجاهات تشكلت وجهات نظر مضادة وغير متوافقة في «14 آذار». فهناك قوى اتجهت إلى دعم اللقاءات لكونها تشكل المخرج السليم لأزمة متداخلة ومعقدة. وهناك قوى تخوفت من تطور اللقاءات باتجاه يعدل زوايا الطاولة ويقلب المعادلات وتوازناتها سواء على المستوى الطائفي أو على المستوى المذهبي.

الآن وبعد نحو شهرين أخذت الصورة تتوضح معالمها. فالسعودية تريد توافق الأطراف اللبنانية قبل انعقاد القمة العربية وتطمح أن تشكل تدخلاتها بالتفاهم مع إيران إلى ترتيب صيغة تفاهم وطنية تشبه ذاك التفاهم الذي عقد بين حماس وفتح في مكة. وإيران كذلك لا تريد تفجير الوضع في لبنان لأن تداعيات الأزمة لن تقتصر تجاذباتها الأهلية ضمن حدود هذا البلد الصغير وستنعكس سلبا على موقع طهران ودورها في الملفين العراقي والفلسطيني.

لبنان منذ أمس الأول دخل مرحلة حساسة، ولكنها أقل خطورة من تلك التي شهدتها ساحاته قبل شهرين. فالضغط السعودي اتجه نحو وضع لمسات سياسية على توجهات الرياض بشأن ترتيب العلاقات اللبنانية قبل انعقاد القمة. وهذا الضغط في حال استمر يرجح أن يسفر عن نتائج موضعية في لبنان يمكن تلخيصها بالاحتمالات الآتية:

أولا، انهيار حكومة السنيورة أو استقالته تاركا لغيره المجال لإعادة تشكيل وزارة تمثل توازن القوى وفق صيغة 19 + 11.

ثانيا، تفكك تحالف «14 آذار» وتبعثر قواه بين فريق يتجه نحو تأييد التقارب السعودي الإيراني وفريق يتمسك بثوابته تاركا الأمور تأخذ مجراها التوافقي.

ثالثا، إعادة تشكيل تحالف «8 آذار» وفق صيغة ثنائية (حزب الله وتيار ميشال عون) وإبعاد الأطراف الأخرى عن واجهة المعادلة الجديدة.

هذه الاحتمالات الثلاثة هي المرجحة في الفترة المقبلة. ولكن هناك خفايا أخرى لابد أن تظهر في الأيام المقبلة. مثلا يمكن أن يقوم السنيورة بإعادة تدوير المشكلة ويوافق على تعديل الحكومة ضمن شرط تمرير المحكمة الدولية من دون تغيير في جوهرها. وهذا الأمر يحتاج إلى تسوية صعبة بين «14 و8 آذار» ويتطلب أيضا ذاك الاستعداد عند كل فريق للاعتراف بالخسارة.

بغض النظر عن الاتجاه الأخير يمكن القول إن لبنان دخل منذ أمس الأول في طور جديد من العلاقات الأهلية المحكومة بسقف إقليمي. وهذا الطور لن يمر من دون تشنجات وانعكاسات وتبدلات وتنقلات في مواقع الأطراف وشعارات القوى. ومن الآن وحتى تنعقد القمة العربية في الرياض لابد من مراقبة الحراك الطائفي في لبنان الذي يرجح أن يشهد قريبا بداية فرز للألوان سيؤثر سياسيا في إعادة تشكيل «14 آذار» وهيكلة قواها في سياقات مختلفة عن الفترة السابقة.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1658 - الأربعاء 21 مارس 2007م الموافق 02 ربيع الاول 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً