منذ يومين والمظاهرات تخرج في كبرى العواصم العالمية، ضد الولايات المتحدة في الذكرى الرابعة لاحتلال العراق الشقيق.
على الساحل الشرقي من أميركا، نزل الآلاف في شوارع نيويورك، احتجاجا على الحرب مطالبين «بالانسحاب الفوري» من العراق، وكان من بينهم طلابٌ وموسيقيون وجنود قاتلوا في فيتنام، وبعضهم هتف: «اقذفوا بوش ولا تقذفوا قنابل». وجرت مظاهرات مماثلة في لوس أنجليس وسان فرنسيسكو على الساحل الغربي من أميركا.
صحيفة الـ «واشنطن بوست» دافعت في افتتاحيتها الأحد الماضي عن الادارة الأميركية قائلة «إن الطريقة السهلة هي الإنحاء باللائمة على الرئيس بوش ونائبه ديك تشيني ووزير دفاعه السابق دونالد رامسفيلد. كان القرار صائبا، ولكن التنفيذ خطأ»! في المقابل، ذهبت كيتي كيلي في «لوس أنجليس تايمز» إلى انتقاد «حرب بوش النبيلة»، إلى حد التشكيك في مواقف أسرته، بوصفها أسرة قدّمت مثالا محزنا ومخزيا للتضحية في زمن الحرب. وقارنتها كيلي بأسرة الرئيس السابق فرانكلين روزفلت في الحرب العالمية الثانية، عندما سافرت زوجته إلى القواعد العسكرية لمواساة أسر الجنود وتخفيف معاناتهم، بينما تطوّع أطفاله في المجهود الحربي. أما أسرة بوش فلم يتطوّع أي منهم بأية تضحية للقوات المسلحة، أو يظهروا الاكتراث بتضحيات أسر الجنود في العراق وأفغانستان.
أما بيتر غراير فقد تناول في «كريستيان ساينس مونيتور»، الفساد الأميركي بإشارته إلى أن المدققين الأميركيين كشفوا عن فقد أو تبديد عشرة مليارات دولار منذ 2003 كانت مخصصة لإعمار العراق، وهو رقمٌ صغيرٌ في جبل الفساد الذي تقف فوقه إدارة الحروب والاحتلال!
أما خارج الولايات المتحدة، فقد خرجت مظاهرات احتجاجية في بريطانيا وإسبانيا وأستراليا والمجر واليونان وتركيا وقبرص والسويد واليابان وكوريا الجنوبية وشيلى. وفى بروكسل تحديدا دعا المتظاهرون حكومتهم إلى عدم التواطؤ مع الولايات المتحدة التي طالبوها بمغادرة منطقة الشرق الأوسط بأكملها، مندّدين بدعمها لـ «إسرائيل» وللأنظمة الاستبدادية الأخرى فى المنطقة.
إذا... خرجت مظاهرات الاحتجاج في مختلف مناطق العالم إلاّ العالم العربي. فهذا العالم النائم لا تهمه الذكرى ولا يهمه الاحتلال، فعالمٌ اعتاد على ذكرى احتلالٍ آخر عمره تسعة وخمسون عاما، هل سيوقظه احتلال لا يزيد على أربع سنوات؟
هذا العالم العربي النائم فقد إحساسه بوجود العراق منذ زمن بعيد. حتى اكتشاف مئات المقابر الجماعية في طول العراق وعرضه لم تهز شعرة في مفرقه، ولكنه اهتز واضطرب وأخذ يبكي كالنساء عندما شاهد صدام حسين يُشنق. قلبه الرقيق لم يتحمّل هذا المنظر العنيف جدا... فأقام سرادق العزاء في عدد من العواصم العربية الشامخة!
هذا العالم العربي النائم، وطوال أربع سنوات مضت، لم تكن تثيره رائحة الدم العراقي الذي يسفك بالعشرات كل يوم، غير الضحايا والمعوقين وما تخلفه المفخخات «الجهادية» من أيتام وأرامل وأسر منكوبة من دون أن تصدر الجامعة العربية بيانا واحدا يشجب عمليات القتل والتصفية والتناحر الطائفي.
هذا العالم العربي لم تحرّك ضميره مشاهد أشلاء العمّال العراقيين الفقراء، وهو يشاهدها في كل نشرة أخبار مسائية، فهؤلاء ليسوا عربا، ولكي نحزن عليهم... لابد أن يثبتوا لنا أولا أنهم عربٌ وليسوا مجوسا، فالعراقي اليوم متهمٌ في عراقيته وعروبته وإسلامه حتى يثبت العكس.
كل العالم تظاهر ضد الاحتلال الأميركي للعراق في الذكرى الرابعة للغزو... إلاّ العالم العربي الواقف خلف الأبواب يسترق السمع لصرخات بكارتها... منتفخا، مرعوبا من خطر «التبشير الشيعي»، يعانق نجمة داوودٍ... ما أشرفه، ما أعظمه، ما أطهره!
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1656 - الإثنين 19 مارس 2007م الموافق 29 صفر 1428هـ