سعد الدين إبراهيم، عالم الاجتماع المصري، كانت له مواقف من الإصلاح السياسي دفع ثمنها من حريته، بعد اتهامه بتلقي أموال من الولايات المتحدة (التي تدفع إلى النظام مساعدات سنوية). وفي العام 2000 حكمت عليه «محكمة أمن الدولة» بالسجن سبع سنوات، قضى منها ثلاثا، ثم برّأته محكمة النقض!
المصريون منقسمون حوله: فريقٌ يشكّك في دعواته الإصلاحية، وفريقٌ ينظر إليه باحترام وتقدير، لكنه استطاع استقطاب قطاعات واسعة من الرأي العام، ما أقلق النظام من نشاطه السياسي ومطالباته بمراقبة الانتخابات والانتخاب المباشر للرئيس لفترة رئاسية أو فترتين فقط. بل ذهب إلى ترشيح نفسه للرئاسة في 2004، وكتب مقالا في ذلك الحين بعنوان: «مصر بحاجةٍ إلى رئيس حقيقي وليس لفرعون متقدّم في السن»، اعتبر تحديا للرئيس.
قبل يومين، كتب مقالا في صحيفةٍ قطريةٍ، فكّك من خلاله عقدة عربية هذه المرّة، وعنوانه: «لماذا يتصرّف المسلمون السنة وكأنهم أقلية مذعورة»؟ حلّل فيه مظاهر هذا الهلع، بدءا من تصريحات الملك الأردني والرئيس المصري، إلى جانب ثلاثةٍ من كبار المفكرين السنة (الشيخ القرضاوي والمحامي محمد سليم العوا والكاتب فهمي هويدي).
إبراهيم يقول إن تعداد المسلمين الشيعة «نحو 150 مليونا من مجموع 1500 مليون مسلم، ومع ذلك يتصرّف المسلمون السنّة حيالهم بخوفٍ وهلعٍ من أخطار انتشار مذهبهم. بل من آيات هذا الهلع في مصر، التي كانت شيعية لعدة قرون في العصر الفاطمي، وكان الأزهر الشريف هو مسجدهم وجامعتهم... أن السلطات المصرية تناصب القلة القليلة من مواطنيها (الشيعة) العداء، فهي تطاردهم وتضيق الخناق عليهم».
ويشير الباحث المصري إلى تضاعف عدد المسلمين الشيعة في مصر في السنوات الثلاث الأخيرة، ليس بسبب فضائياتهم الجديدة أو المساعدات المالية كما قد يظن الكثيرون، وإنّما بسبب اللاجئين العراقيين! فهؤلاء تزايدت أعدادهم مع استمرار العنف والترويع والقتل الأعمى الذي لا يميّز بينهم، وأصبح عددهم الآن يتجاوز المئة ألف.
ويغوص إبراهيم في تحليله بلغة عالم الاجتماع المتمكّن من أدواته، فيقول: «هؤلاء لا يمثلون عبئا على الدولة أو المجتمع في مصر، فمعظمهم من الميسورين المتعلمين، ولا يتلقون أي إعانات رسمية أو أهلية. وقد استقبلت سورية والأردن ولبنان وتركيا وبلدان الخليج وإيران أعدادا أكبر ممن استقبلتهم مصر. ولكن لأن هذه البلاد جميعها يوجد بها شيعة من سكانها الأصليين، ولهم دور عباداتهم من مساجد وحسينيات، فإن اللاجئين من شيعة العراق يمارسون فيها شعائرهم. أما في مصر، فلا توجد مثل هذه المرافق الخدمية الشيعية» على حد تعبيره.
وينقل الباحث خبرا عن «الحياة» نشرته قبل شهر، عن رفض التصريح ببناء مسجد أو حسينية في مدينة 6 أكتوبر لخدمة أكثر من ثلاثين ألف عراقي يقيمون بها، ويكشف عن أحد أسرار الوطن العربي المريض: «لماذا الرفض؟ لماذا يتصرّف كبار المسئولين المصريين من رئيسهم إلى قياداتهم الدينية بهذا القدر من الخوف والهلع؟ إن الإسلام والمذهب السُني هو دين الأغلبية ومذهبهم في مصر المحروسة، ولم يمسسهما ضررٌ طيلة ألف عام. ولن يمسهما سوء خلال الألف عام القادمة. إن هؤلاء المسئولين يتصرفون كأقليةٍ تشعر بالنقص والدونية».
إذا... هناك مئة ألف عراقي شيعي في مصر وحدها، فالتهجير والإرهاب والقتل بلاءٌ عمّ كل طوائف الشعب العراقي في محرقة الفوضى الأميركية الشاملة. والرقم «المفزع» لم يطر بعقل الباحث وإنّما تناوله بطريقةٍ واقعيةٍ تضع الأمور في نصابها، خلاف ما يطرحه الإعلام الخليجي «المسيّس»، الذي ينحو إلى مانشيتات العويل: «مخططٌ أجنبيٌ»، و«مدٌ صفويٌ»، أو «تبشيرٌ شيعيٌ»، مع كتّابٍ عنصريين يتنافسون على ادعاء كشف «المخططات السرية» وتحريض الحكّام على مواطنيهم بسبب مذهبهم الديني رغبة في التشويش على الحكام وتضليل الرأي العام والتغطية على حقائق الأمور.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1655 - الأحد 18 مارس 2007م الموافق 28 صفر 1428هـ