العدد 1655 - الأحد 18 مارس 2007م الموافق 28 صفر 1428هـ

ماذا أرادت أميركا من الحرب على العراق؟

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

في الذكرى الرابعة للعدوان على العراق تحركت تظاهرات احتجاجية في مختلف عواصم ومدن العالم تعارض مبدأ الحرب واستمرار الاحتلال وتطالب الولايات المتحدة بالانسحاب من بلد تحطم وانهار بسبب سياسة خرقاء.

هذه السياسة كانت موضع سجال قبل أربع سنوات. وقبل أن ترتكب إدارة جورج بوش خطوتها الحمقاء اندلعت سلسلة تظاهرات تعترض على فكرة الحرب وتطالب بعدم الانزلاق إليها. آنذاك سجلت المظاهرات في أوروبا أرقاما قياسية سواء أكانت من حيث الكمية أم من حيث نسبة المشاركين. في لندن وحدها زحف نحو مليون إنسان إلى وسط العاصمة يعترضون على مخطط العدوان وطالبوا حكومة طوني بلير بعدم الانجرار وراء واشنطن والتغطية على سياستها التقويضية في منطقة «الشرق الأوسط».

كل التظاهرات والاعتصامات والاحتجاجات التي جرت قبل أربع سنوات وعشية البدء في العدوان لم تنفع. فالقرار اتُخِذَ وتحول إلى نوع من الحاجة الداخلية وباتت إدارة بوش أسيرة فضاءات دولية وإقليمية وجدت فيها مناسبة للخروج من العزلة والبدء في كسر معادلة توهمت واشنطن أنها ستكون خطوة في الاتجاه الصحيح وبداية تغيير في خريطة «الشرق الأوسط».

لم تسمع إدارة «البيت الأبيض» أصوات الملايين التي خرجت في كل أنحاء العالم واستمرت تخطط لتنفيذ قرار تحول إلى قوة ذاتية تحرك آليات مؤسسات التصنيع الحربي وشركات الطاقة. فالإدارة وجدت في سياسة الهجوم أفضل وسيلة للدفاع، ورأت أن الغاية تبرر الوسيلة، وأن النجاح الذي ستحققه في العراق سيُسكت تلك الأصوات الصبيانية التي تحتج ولا تفهم معنى المصالح وموقع «الشرق الأوسط» في المعادلة الدولية.

دخلت الولايات المتحدة بدعم من بريطانيا مغامرة الحرب وسط احتجاجات العالم. فالأمم المتحدة كانت تعارض العدوان ودول مجلس الأمن رفضت إعطاء إجازة مرور للحرب. فرنسا اعترضت، كذلك ألمانيا (شرودر)، وروسيا والصين وغيرها من الدول الأوروبية والآسيوية والإفريقية واللاتينية والعربية والإسلامية. أكثر من ثلاثة أرباع العالم وقف ضد الحرب، والربع الباقي انشطر إلى أجزاء مؤيدة ومترددة ومنتظرة... ومع ذلك أصرت إدارة بوش على ارتكاب تلك الواقعة.

نفذت واشنطن حربها الخاصة بسرعة وسهولة ونجحت في أقل من ثلاثة أسابيع في تسجيل فوز عسكري انتهى بسقوط نظام صدام حسين ودخول بغداد وحرقها ونهبها وتشكيل هيئة بقيادة جنرال كُلِّفت بإدارة البلد المنكوب مؤقتا تمهيدا لإعادة ترتيب العلاقات وتركيب بدائل تأخذ زمام المبادرة في وقت لاحق.

في تلك اللحظات الرهيبة عاشت إدارة بوش فترة نشوة وزهو وخيلاء فأخذت تتصرف بأسلوب استعلائي ومتعجرف. فالفوز السهل والسريع أعطى إشارات سيئة لإدارة تعاني من ضغوط نفسية وثأرية سببتها هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001. وبسبب تلك الضغوط تصرفت الإدارة وفق إرادة تتحكم فيها تشنجات ونوبات عصبية لا تكترث للمخاطر ولا تأبه لصوت العقل. كانت الإدارة تريد الانتقام واستعادة كرامة أمة انهانت جراء ضربات مباشرة وجهت إليها فوق أرضها.

العراق كان الضحية وشكل قناة تنفيس للاحتقان. فإدارة بوش لم يكن يهمها آنذاك البحث عن ذرائع دامغة تدين النظام العراقي. ولم تكن تكترث لوجود إثباتات تؤكد علاقة أسرة صدام حسين بتنظيم «القاعدة». ولم يكن يهمها وجود مؤشرات تدل على خطط أو مصانع تنتج أسلحة الدمار الشامل. ما كان يهم واشنطن الانتقام حتى لو كلف مليارات الدولارات وآلاف الضحايا. كذلك لم تفكر الإدارة لحظة واحدة في كل التداعيات والسلبيات. فآخر همومها كان سمعة الولايات المتحدة الدولية وعدم احترامها العلاقاتِ ومصالح الدول الكبرى الأخرى ومواقعها ودورها. كان الهدف خوض الحرب وبعدها يبدأ الحساب وتأخذ التحقيقات مجراها.

قراءة أميركية للحرب

آنذاك كانت القراءة الأميركية للحرب على العراق بسيطة إلى حد السذاجة والمراهقة الطفولية. فالفكرة كانت مبسطة وسهلة وسريعة وهذا ما ظهر لاحقا من التصريحات والتعليقات التي صدرت بعد الفوز العسكري. الإدارة راهنت على النتيجة، وتوقعت أن تعطي النتائج الجيدة مادة كافية للإغراء وإسكات المعترضين في كل جهات الأرض.

على ماذا أسست إدارة واشنطن استراتيجيتها المفترضة؟ قامت الفكرة على مجموعة خطوات نظرية تبدأ بالاحتلال العسكري، إسقاط النظام، إعادة المنفيين من الخارج والاعتماد عليهم في إعادة بناء النظام البديل، إطلاق الحريات (الصحافة والأحزاب)، إجراء انتخابات وتشكيل حكومة منتخبة، تحويل العراق إلى نموذج يُحتذى وقوة جاذبة للشعوب المجاورة.

مجموع هذه الخطوات شكل الخطة ألف في العقل الأميركي. بعدها بدأت تخطط لتنفيذ الخطة باء وكانت تقضي بإطلاق حركة إصلاح عامة تشمل دول الجوار تقوم على أفكار تغري الشعوب المقهورة وتلبي حاجاتها من نمو وتنمية وتطور وديمقراطية وعدالة وتوزيع معقول للثروة وتأمين مستقبل الشباب وتمكين المرأة وغيرها من شعارات. واشتملت الخطة باء على أجندة سرية وتقوم على ثلاثة احتمالات: أولا تغيير سلوك الأنظمة. ثانيا، تغيير الأنظمة إذا رفضت تعديل سلوكها. ثالثا، إعادة تشكيل الخريطة السياسية لمنطقة «الشرق الأوسط» في حال مانعت الأنظمة ولم تغير سلوكها أو لم تتكيف مع المستجدات.

إلا أن ظهور المقاومة العراقية بالسرعة التي لم تكن متوقعة حتى من أقرب المراقبين عرقل الأجندة ووضعها في موقع الدفاع وعطّل على الاحتلال استكمال مشروعه التقويضي على مستوى الأقاليم المجاورة. ولكن تعدد «المقاومات» العراقية وانحصارها في محافظات محددة أعطى ذاك الطابع المذهبي للصراع وأسعف إدارة الاحتلال على توظيفه في سياسات استهدفت تفريغ العراق من عناصر التماسك الأهلي.

هذا ما جعل الإدارة الأميركية تكرر حتى الآن شعاراتها الأولى لتقول في المحصلة العامة إنها نجحت جزئيا في الخطة ألف وفشلت كليا في الخطة باء. والسؤال: هل صحيح أن الولايات المتحدة كانت تريد من حربها على العراق تعميم الخير على المنطقة؟

ليس كل ما تقوله واشنطن عن نجاحات وفشل فوق الشبهات ويمثل الصدق وما يعنيه من قيم إنسانية ومثاليات أخلاقية. فهناك الكثير من التصورات المضادة للكلام الأميركي. والتصورات المضادة تتوافق كثيرا مع النتائج إلى حد التطابق وهي أقرب إلى الواقع من كل تلك الترهات النظرية.

من تلك التصورات مثلا أن إدارة بوش لم تخطط لإعادة بناء دولة عادلة وقادرة في العراق، ولم تفكر في الإصلاح والتنمية ونمو المنطقة وازدهارها. السيناريو كان يقضي أساسا بتحطيم العراق وتقويض دولته وتمزيق هويته العربية وبث الفوضى وزعزعة استقرار المنطقة وتهديد دول الجوار ثم اتهامها بأنها وراء إفشال مخطط النهوض بالشرق الأوسط. فالسيناريو أصلا استهدف العراق بغية إخراجه من معادلة الصراع العربي - الإسرائيلي وشطب جيشه القوي لتأمين أمن «إسرائيل» وبسط السيادة الأميركية على منطقة غنية بالنفط وتتمتع بموقع جغرافي استراتيجي يشكل نقطة وصل وقطع في دائرة أوراسيا (أوروبا - آسيا).

هذا السيناريو الذي خطط له تيار «المحافظين الجدد» كان يقوم على معادلات جيوبوليتكية تبدأ بتركيز الاحتلال في العراق تمهيدا لعزل سورية عن إيران، وإبعاد السعودية عن المشرق العربي، وفصل الحلقات العربية عن بعضها من خلال التشجيع على إثارة البؤر الطائفية والمذهبية لتأسيس دويلات (فيديراليات) مناطقية ضعيفة ومتخاصمة ومتقاتلة تبرر وجود قوات أجنبية لضبطها والإشراف عليها. وكل ذلك حصل لإضعاف المنطقة وتقوية «إسرائيل» وتأمين حاجات شركات الطاقة للنفط وتسويق إنتاج مؤسسات التصنيع الحربي وتصريف فائضه في موازنات الحروب أو صفقات أسلحة للدول الغنية في المنطقة.

الآن وبعد مرور أربع سنوات على الحرب والعدوان والاحتلال لاتزال أهداف الولايات المتحدة غير واضحة أو غير معلنة للرأي العام. والعالم الذي يتظاهر اليوم احتجاجا على سياسة واشنطن التقويضية يطالب إدارة بوش بالانسحاب من بلاد الرافدين، ولكنه غير معني بالحساب العام والكوارث أو المراجعة النقدية حتى الاعتذار والتعويض. قبل أربع سنوات اجتاحت العواصم والمدن تظاهرات ضد احتمال وقوع الحرب. والآن تجتاح العواصم والمدن نفسها تظاهرات ضد الحرب التي وقعت. والسؤال: لماذا وقعت الحرب؟ هل صحيح ما تقوله إدارة بوش عن أهدافها وعن غاياتها أم هناك أجندة أخرى لا صلة لها بالنظريات وإنما بما حصل فعلا في الميدان؟

الإجابة مهمة لتوضيح الصورة وإلا فستكون الكارثة وقعت ولا نعرف بالضبط ما هي أسبابها. وحين تجهل القوى المعنية الأسباب فإنها بالتأكيد لن تنجح في ابتكار الأدوات والآليات للتعامل مع النتائج.

مقدمات الحرب لها صلة بالنتائج ومن يريد أن يعرف أسبابها فعليه إعادة قراءة نتائجها.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1655 - الأحد 18 مارس 2007م الموافق 28 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً