العدد 1655 - الأحد 18 مارس 2007م الموافق 28 صفر 1428هـ

لا بديل لتبادل مكثف

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول وإصدار سامويل هانتينغتون لكتاب «صدام الحضارات»، يعتبر السياسيون من مختلف المذاهب أن «الحوار الأوروبي الإسلامي الثقافي» هو سلاح أساسي في ترسانتها لإجراء التدابير الأمنية.

إن المنطق وراء طريقة التفكير هذه هو أن العالم الإسلامي العربي لطالما آمن ووثق بالمنهج التعليمي والثقافة الأوروبية. كلاهما يحظى باحترام نظرا لجودتهما إذ يعتبرهما الكثير بديلا «لأسلوب الحياة الأميركي» المهيمن في أعين الكثيرين. ولكن حين تستغل الثقافة والفن والتعليم كأدوات لتوفير الأمن وتقديم الحلول، تفقد كل منها بذلك قوتها الكامنة.

وفي المعنى الأصلي للكلمة، تخلق الثقافة حرية اجتماعية وإبداعات خلاقة وتستهل لقاءات مفتوحة، وبهذا تساهم بإقامة علاقة تبادل بناءة.

وفي الواقع، حاليا ثمة تحديان خطيران أمامنا، فمن جهة، هناك توقعات كبيرة تحيط بالحوار الثقافي مع العالم الإسلامي وهو غير قادر على الوفاء بها. ومن جهة أخرى، إذا كانت هناك شكوك بشأن استغلال التعليم والثقافة الغربية لأغراض أخرى، فسرعان ما سيخسران صدقية العالم الإسلامي، كما كان الحال في مجالات أخرى من السياسة الخارجية.

فما الذي يمكن تحقيقه من الحوار الثقافي بين أوروبا والعالم الإسلامي؟، لن يقدر التبادل الثقافي والتعليمي أن يسد الهوة الاقتصادية الاجتماعية بين الشمال والجنوب ولا التخفيف من المشكلات التي نبعت من جراء التشكيلات السياسية. كما لا يمكن لبرنامج تبادل فني أن يقدم حلا للقضية الفلسطينية، ولن يستطيع الإطاحة بنظام فاسد لا يريد الإصلاح ولا العمل على تحويل اتجاه المتطرفين العرضة للعنف.

وبكلمات أخرى، فإن مكاسب السياسة الخارجية القصيرة الأمد والتي يمكن أن يحققها الحوار الأوروبي الإسلامي الثقافي هي بسيطة.

إلا أن الحوار الثقافي له أبعاد أخرى ومزاياه تكمن في مجالات أخرى. فهو يضمن إقامة علاقة تبادل وثيقة بين أوروبا والشرق الأدنى خارج عالم السياسة وحتى في الأوقات العصيبة. كما يبقي قنوات الاتصال مفتوحة ويفسح المجال لكلا الجانبين للنقاش - ويسمح لهما حتى بالدخول في نقاش حاد - بشأن تصورات واعتبارات من دون اللجوء إلى العنف».

إن التبادل التعليمي والثقافي يساهم في عملية الإصلاح في العالم العربي، وبالتالي يمهد الطريق إلى مجتمع واسع المعرفة. كما ويعزز الأفراد والجماعات التي تفتح آفاقا جديدة في تطور الفضائل المدنية. وحين يدخل الطرفان في حوار، يتعلم كل منهما من الآخر وتعمق الوسائل السلمية للاتصالات.

وبالنسبة للشباب على وجه الخصوص، بما يساوي نحو 60 في المئة من المجتمع المصري ممن هم دون سن الثلاثين، فإن التعليم والثقافة يثيران اهتمامهم إذ يمتد تأثيرهما إلى خارج حدود المدن. وإذا بحثنا في المكاسب المحتملة الطويلة الأمد للحوار الثقافي، ستتضح أهميتها بالنسبة للعلاقات بين أوروبا والعالم الإسلامي.

وخلافا للتشاحن الذي ساد بعد الحوادث المتعلقة بالرسومات الكاريكاتورية الدنماركية، أعلنت بعض الشخصيات السياسية والممثلون الإعلاميون فشل الحوار الثقافي مع العالم الإسلامي. إلا أنهم لا يدركون أن الحوار الثقافي هو ليس حلا سحريا للتصدعات داخل وخارج المجتمعات، وإنما هو عملية مفتوحة لا نهاية لها. فالتركيز في الحوار الثقافي ينصب بالطريق التي نسير بها سويا وليس على المصير النهائي.

فبمشاركة الطرفين سويا في هذه العملية فقط يمكنهم أن يتعلموا من بعضهم بعضا على نحو مستديم. وفيما تشكل الرسومات الكاريكاتورية بلا شك تجربة مؤلمة، ولكنها أيضا خطوة مهمة في الطريق إلى التقارب بينهما.

لقد أدت هذه الرسومات بالفعل إلى احتجاجات عنيفة، ولكنها أدت كذلك إلى انعقاد مؤتمر ضخم للحوار وذلك في الدنمارك نظمه الداعي المصري المعروف عمرو خالد. وبعد أن هدأت المشاعر التي تفجرت في تلك الفترة، جرت الكثير من المحادثات الصادقة بشأن القيم والمحرمات في مجتمعاتنا.

إن إجراء محادثات إضافة إلى انعقاد مؤتمرات هي أجزاء لا تتجزأ من الحوار مع العالم الإسلامي. إلا أنه من المجدي أكثر أن يتعاون الأفراد والجماعات خلال فترة ممتدة من الزمن. وهناك أمثلة كثيرة بشأن سبل التعاون هذه التي تمت لفترات طويلة.

وفي هذه اللقاءات، تتعلم الجماعات المشاركة عن بعضهم بعضا وعن ثقافة الآخر آخذين معهم تجاربهم الخاصة إلى مجتمعاتهم ومحيطهم. ومن بين النشاطات الكثيرة التي تجدي الحوار بين أوروبا والعالم العربي نفعا هي المنح الدراسية وبرامج الترجمة والمشاركة في الإنتاج في عالم السينما أو الفنون فضلا عن تبادل الطلبة والصحافيين ودورات اللغات وغيرها من النشاطات المتعددة.

ولكن إذا ما أردنا أن نجني ما بوسعنا من المكاسب الطويلة الأمد من تلك اللقاءات والتبادل الثقافي والتعليمي مع العالم العربي، يتوجب بذل جهود مضاعفة. وإن التسوية بين ألمانيا وفرنسا عقب الحرب العالمية الثانية ماهي إلا إثبات أنه يمكن للحوار الثقافي كسر الحواجز بين الأعداء.

وبالنظر إلى الفوارق والتناقضات العميقة في وجهات النظر القائمة بين أوروبا والعالم العربي، من غير الواقعي أن نتوقع مستوى التقارب ذاته الذي حققته دولتان متجاورتان في الغرب.

وفي عصر العولمة إذ تتقارب الشواطئ الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط والضفاف الغربية لنهر راين، علينا أن نعتمد على الشجاعة والتفاؤل وبعد النظر في وجه اتساع الهوة الخطيرة بين تلك الثقافتين. وبعبارة أخرى، لا بديل لتبادل مكثف مع العالم العربي الإسلامي. ويتوجب توجيه موارد مهمة في التبادل الثقافي والتعليمي.لاخيارلدينا.

* مدير مؤسسة «Goethe» في القاهرة، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 1655 - الأحد 18 مارس 2007م الموافق 28 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً