العدد 1654 - السبت 17 مارس 2007م الموافق 27 صفر 1428هـ

وقفة مع مقال: «الصفوية الإيرانية»

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

حين تصل المسألة لقلب الحقائق من أجل استهداف طائفة من الشعب ولو بالافتراء على التاريخ، هنا يستوجب الموقف تبيين الحقائق لتنوير الآخرين ولتصحيح ما يطرحه هذا الكاتب أو ذاك، سواء بقصد سيء ونية مبيتة كما نعلم جيدا بخصوص بعض الأفاكين ممن سنحت لهم الفرص نشر تهريجهم في وسائل الإعلام، أم بغير قصد سيء كما نظن في الأخ الكريم صاحب مقال «الصفوية الإيرانية» موضوع مقالنا هذا. المقال على صغره، لكنه عجّ بالكثير من التجني على التاريخ كما سيتضح بعد قليل، ونأمل من صاحبه تقبل ذلك بروح علمية وفقا للقول المأثور: رحم الله امرء أهدى إليّ عيوبي.

بصراحة لا أدري كيف انساق هذا الأخ في طرح موضوعه بطريقة تحاول اسقاط الماضي الذي لم يحدث مطلقا على الحاضر، ليخرج بنتيجة واحدة، وهو عداء إيران الصفوية لكل ما هو عربي، واستغلال الشيعة في المناطق الأخرى لخدمة أهدافها. وبما ان مقدماته خاطئة، جاءت نتائج المقال من سنخ المقدمات، فان النتيجة تتبع أخس المقدمات كما يقول المناطقة. ومن أهم ما بنى عليه الكاتب دعاواه قوله ان « إسماعيل الصفوي الذي حكم إيران قد استغل المشاعر الدينية لدى الشيعة في سبيل تحقيق أهدافه الاستعمارية والتوسعية في المنطقة العربية دعما للتوجهات الاستعمارية البريطانية ضد الدولة العثمانية التي? ?كانت تحكم الوطن العربي».

وهذه الفقرة - لعمرك - وحدها تكفي لهدم كل ما بناه في فقرات مقاله، فإسماعيل الصفوي أقام دولته سنة 1502م، وحتى العراق الدولة العربية التي تدخل فيها اسماعيل الصفوي واحتلها، لم تكن تحت سيطرة العثمانيين، بل كانت تحت حكم غير العرب ومن المعادين للعثمانيين من أحفاد أوزون حسن (حسن الطويل)، وأوزون حسن هو أحد خلفاء تيمورلنك على شرقي الأناضول، وله معارك طاحنة مع العثمانيين. وحين يقول الكاتب الفاضل ان « إسماعيل الصفوي الذي? ?حكم إيران قد استغل المشاعر الدينية لدى الشيعة في سبيل تحقيق أهدافه الاستعمارية والتوسعية في المنطقة العربية» نسأل: أي منطقة عربية هذه وأي شيعة هم أولئك الذين استغلهم الشاه؟ وضد من؟ والعرب أغلبهم كانوا تحت حكم المماليك، وفيما بعد أصبحوا تحت حكم العثمانيين.

في تلك الأثناء - أي في زمن الشاه إسماعيل - كانت أوروبا ساحة لمعارك العثمانيين الذين دخلوا في أوساطها وخرجوا من أعراضها، وقد سيطروا قبل فترة قليلة من ذلك التاريخ على القسطنطينية وذلك سنة 1453م وأسموها اسطنبول. ثم أين الاستعمار البريطاني الذي دعمه الشاه آنذاك، بينما حقبة الاستعمار تزامنت مع الرأسمالية التجارية في أعقاب اكتشاف رأس الرجاء الصالح، ابتداء من العام 1500 تقريبا، ولم يكن لبريطانيا آنذاك دورا في المنطقة وبالمطلق، وقد وطأت قوى الاستعمار البرتغالي سواحل الخليج المنطقة عام 1507م.

وعندما بدأ الاستعمار البريطاني تنافسه مع القوى الاوروبية الأخرى مثل البرتغال وهولندا للسيطرة على المنطقة منذ القرن الثامن عشر، كان المتهم الأول إسماعيل الصفوي يرقد بهدوء وحيدا للأبد بعمق أكثر من 3 أقدام تحت الأرض وذلك سنة 1524م، أي بعد وفاة سليم الأول بأربع سنوات (توفي سنة 1520م). والمعارك بين الصفويين والعثمانيين ابتدأت بين هذين الحاكمين سنة 1515م، ومهد لها سليم الأول عندما دبّر لشيعة بلاده مذبحة مروّعة سنة 1514، وكأنما مروجو «المد الصفوي» - وأستثني الكاتب المحترم منهم - يودون من حكومات بلدانهم القيام باضطهاد الشيعة حاليا مدفوعين بكراهيتهم للنظام الإسلامي في إيران، على نمط ما قام به سليم الأول مدفوعا بكراهيته الشديدة للشاه إسماعيل، وهذا ليس كلامي، بل بالضبط ما يقوله المتعاطفون من المؤرخين مع الخلافة العثمانية.

ما ذكره الأخ الكاتب من أن إسماعيل الصفوي دعم التوجهات الاستعمارية البريطانية ضد الدولة العثمانية التي كانت تحكم الوطن العربي، فهذه معلومة غير دقيقة، لأن العثمانيين لم يدخلوا البلاد العربية سوى في عصر سليم الأول حينها لم يكن يوجد شيء اسمه استعمار بريطاني لهذه البلدان آنذاك أصلا، وقد ضم العثمانيون «البلاد العربية خلال النصف الأول من القرن السادس عشر الميلادي» بعد حرب ضروس مع المماليك الذين كانوا يحكمون البلاد العربية. وبدأ العثمانيون أولى معاركهم مع المماليك في معركة دابق سنة 1516م وسيطروا على إثرها على أجزاء من بلاد الشام مثل حلب وحمص ودمشق، ولما صلى سليم الأول الجمعة أضاف الخطيب عندما دعا له عبارة « خادم الحرمين الشريفين» تعبير عن الرضا به خليفة للمسلمين بدلا من المماليك. المماليك بدورهم وبقيادة قانصوه الغوري سعوا للتحالف مع الشاه إسماعيل الصفوي ضد العثمانيين كعدو مشترك للفريقين، إلا أن إسماعيل رفض التحالف معهم، فكانت بداية هزيمتهم وسقوط البلاد العربية من أيديهم وانتقالها لأيدي العثمانيين.

وبعد أن يؤكد الكاتب بأن «المؤشرات جميعها تقول إن إيران تحاول أن تستغل الوضع في سبيل الهيمنة على المنطقة والوقائع كلها تقول ذلك»، يتساءل قائلا: «فمن سهل للولايات المتحدة إسقاط النظام في أفغانستان واستبداله بنظام عميل للولايات المتحدة بغض النظر عن موقفنا من نظام طالبان السابق؟ ويتبع سؤاله هذا بسؤال آخر بقوله: «من سهل للولايات المتحدة احتلال العراق واستبدال نظامه الشرعي(بغض النظر عن موقفنا منه) بنظام عميل يمارس كافة أشكال القتل الطائفي؟» ولكن لغة الأنصاف تدعو الكاتب لطرح سؤال أهم ويوصل لنتيجة أكثر كارثية مما أوصلته هذه الأسئلة بخصوص الموقف الإيراني، فمن أين انطلقت الطائرات الحربية وقاذفات القنابل التي دكت بغداد، ومن أين زحفت جيوش الغزاة التي دخلتها وأسقطت نظام الطاغية صدّام حسين؟

وليت الكاتب وهو يقرر بان نظام صدام حسين نظام شرعي تم استبداله بنظام عميل، يسأل نفسه كيف وصل نظام صدام للحكم، ومن انتخبه حتى نقرر بأنه شرعي، وهو الذي قاد انقلابا أبيضا على الرئيس أحمد حسن البكر.

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 1654 - السبت 17 مارس 2007م الموافق 27 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً