من يقنع الآخر بوجهة نظره الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أم دول مجلس الأمن الكبرى مع ألمانيا؟ المناقشة ستجري في أروقة الأمم المتحدة بناء عل طلب طهران. وجاءت الموافقة على الطلب الإيراني بعد توافق الدول الخمس مع ألمانيا على صيغة مشروع قرار دولي بشأن الملف النووي. ويقترح المشروع رفع درجة الضغوط على طهران تحت الفصل السابع بعد تمنع إيران عن وقف التخصيب.
يرجح أن يدلي الرئيس الإيراني بوجهة نظره أثناء مناقشة مسودة القرار وهذا حق مشروع يضمنه مجلس الأمن لكل دولة تواجه تهديدا بموقف حاسم تتوافق عليه الدول الكبرى. وجاءت الموافقة الأميركية على الطلب الإيراني في سياق سجالات علنية اتخذت أحيانا طابع التحدي وعرض العضلات العسكرية.
واشنطن وضعت مجموعة شروط لزيادة العقوبات مستفيدة من حملات الضغط التي نظمتها ضد طهران مستخدمة منهج التدويل وإثارة المخاوف من احتمال وجود أجندة سرية تعمل إيران على تمريرها تحت غطاء الحق في تنويع مصادر الطاقة. وأرفقت إدارة جورج بوش حملاتها السياسية والإعلامية بسلسلة حشود برية وبحرية في العراق ومنطقة الخليج.
طهران رفضت الشروط الأميركية ولكنها لم تتوفق في منع تدحرج الملف من الوكالة الدولية للطاقة إلى مجلس الأمن. وبسبب فشل طهران في إقناع الوكالة بوجهة نظرها ثم فشلها في التفاوض مع دول الاتحاد الأوروبي ثم رفضها لرزمة الحوافز (الإجراءات التشجيعية) استطاعت إدارة بوش حقن الأجواء الدولية ودفع الدول الكبرى على الاصطفاف في خط واحد أدى إلى صدور القرار 1737.
القرار الدولي صيغ بفقرات لينة ولهجة هادئة لكنه تضمن مجموعة نقاط خطرة تحت الفصل السابع تطلب من طهران بوضوح وقف التخصيب وتعطيل الأبحاث العلمية ومنع التصنيع وأخيرا تفكيك البرنامج الصاروخي وكل ما يتصل به من تجهيزات وتقنيات.
ببساطة نجحت واشنطن في تدويل الملف وتحويل المشكلة من دائرة إقليمية تتصل بالشرق الأوسط وأمن «إسرائيل» إلى دائرة دولية تعتبر أن مشروع إيران يشكل تهديدا للاستقرار في العالم. هذا الادعاء الفارغ استغلته واشنطن لتأسيس جبهة دولية تزعم بوجود خطة سرية ونوايا غير سليمة وسياسة عسكرية تهدد «إسرائيل» وتخطط لمسحها من «الخريطة».
الآن وبعد أن وصل الملف إلى المكان الذي أرادته الولايات المتحدة لم يعد بالإمكان إعادته إلى الوكالة من دون تنفيذ الشروط الدولية التي نص عليها القرار 1737. فالقرار يتضمن مجموعة نقاط وكلها تستهدف تعطيل مشروع التخصيب وتوقيف مختلف التقنيات العلمية والتصنيعية المتصلة به من قريب أو بعيد. حتى مسألة الحوافز (الإجراءات التشجيعية) باتت مشروطة بمجموعة تراجعات ميدانية لابد من إظهارها تحت الرقابة الدولية المباشرة حتى يمكن أن تقبل الدول بعودة الملف إلى المربع الأول.
المشكلة أصبحت أكثر تعقيدا فهي تحتاج أولا إلى اقناع دول مجلس الأمن بوجهة نظر إيران أثناء المناقشات التي يرجح أن تحصل في الأسبوع الجاري. وتحتاج ثانيا إلى امتناع الدول الكبرى عن التصويت واستخدام حق النقض (الفيتو) لمنع صدور القرار الدولي الثاني الذي سيشتمل على فقرات أقوى وأوضح من السابق. وتحتاج ثالثا إلى التجاوب مع القرار الأول ضمن مهلة زمنية وتحت رقابة دولية حتى توافق الولايات المتحدة على الحوافز الأوروبية وعودة الملف إلى الوكالة الدولية.
هل يستطيع الرئيس الإيراني إقناع الدول الكبرى بوجهة نظره أثناء المناقشات والمطارحات التي سيشهدها مجلس الأمن؟
هناك مجموعة احتمالات يمكن اختصارها بنقاط ثلاث وهي: أن يتمسك الرئيس الإيراني بوجهة نظره ويكرر تلك المواقف المعروفة والمعلنة في تصريحات سابقة. أن يعلن موافقته على الحوافز الأوروبية والتزامه بوقف التخصيب لمدة محددة لاختبار مدى جدية الاتحاد الأوروبي بتنفيذ الإجراءات التشجيعية. أن يؤكد الوقف النهائي لمشروع التخصيب والقبول بالعرض الروسي الذي اقترح نقل الإنتاج إلى أراضي روسيا وتزويد إيران بحاجاتها السنوية وفق معايير دولية وتحت رقابة مباشرة من الوكالة والأمم المتحدة.
فرضية الضعف
لا يعرف حتى الآن ماذا سيقول الرئيس الإيراني في خطابه أثناء مناقشة الملف وقبل أيام أو ساعات من احتمال صدور القرار الدولي الجديد… ولكن الأجواء الدولية تبدو أنها تسير في اتجاه المزيد من التضييق وتشديد العقوبات. وهذا يعني أن الاختيارات العامة لم تعد مفتوحة كما كان الأمر سابقا.
الاتحاد الأوروبي مثلا بات في موقع أقرب إلى وجهة النظر الأميركية. فأوروبا غادرت سياستها التفاوضية بعد فشلها في إقناع طهران بما أسمته الحوافز والإجراءات التشجيعية.
الاتحاد الروسي أيضا أخذ يعيد النظر بمواقفه السابقة وبدأ يتجه نحو التضامن مع الموقف الأوروبي بسبب رفض طهران التجاوب مع عرضه الذي قضى باستخدام الأراضي الروسية كمساحة للإنتاج النووي السلمي. الصين بدورها بدأت تنسحب من سياسة الاعتراض على النهج الأميركي وما يعنيه من سلوك يتجاوز الوسائل الدبلوماسية. الصين وروسيا تعترضان على استخدام القوة العسكرية ولكنهما تؤكدان على ضرورة تجاوب طهران مع بنود القرار 1737.
السؤال ماذا لو رفضت إيران التجاوب مع السقف الدولي؟
هنا أيضا توجد ثلاثة احتمالات. الأول صدور قرار دولي جديد أكثر تشددا يربط العقوبات بمهلة زمنية محددة. الثاني تعديل بعض الفقرات والسماح لروسيا والاتحاد الأوروبي بتقديم ضمانات تكفل حق إيران في تنويع مصادر الطاقة. والثالث ربط الفقرات الجديدة بإنذار يعطي الصلاحية للدول الكبرى بنقل القرار من بند اتباع الوسائل الدبلوماسية إلى بند يجيز استخدام القوة.
مسألة «استخدام القوة» هي الأخطر ولاتزال حتى الآن مدار تداول وخلافات بين الدول الكبرى. فالبعض يرى أن العقوبات كافية للضغط على طهران وإجبارها على التعامل مع الشروط الدولية. والبعض يرى أنها ليست كافية وتحتاج إلى وقت طويل حتى تظهر نتائجها الميدانية. والبعض يرفض استخدام القوة مهما كانت مفاعيل العقوبات وأعراضها السياسية والاقتصادية.
هذا التجاذب الدولي يعني أن خيار القوة غير مطروح أو مؤجل إلى فترة بانتظار اختبار مدى تأثير العقوبات على البرنامج النووي ككل. وبسبب التجاذب المذكور ضمنت إيران سلامة مشروعها من الأذى حين جازفت في الرهان على فرضية «الضعف» الأميركي وعدم قدرة الولايات المتحدة على المغامرة وخوض تجربة عسكرية جديدة سيكون مصيرها الفشل كما هو حاصل في العراق.
حتى الآن تبدو سياسة المجازفة ناجحة نظرا إلى وضع قوات الاحتلال الأميركية الصعب والمحرج في بلاد الرافدين. فإدارة بوش تعاني من حصار داخلي يتصاعد بسبب تراجع شعبية الحرب ومن انحسار الدعم الأوروبي والدولي لسياسة التقويض نتيجة البشاعات التي ظهرت في ساحات العراق. وهذا الضعف المزدوج يشكل نقطة قوة للموقف الإيراني في التعامل مع التهديدات الأميركية المبطنة وصولا إلى تحديها والاستخفاف بقدراتها العسكرية. وربما يكون هذا السلوك هو من أبرز الأسباب التي دفعت روسيا والصين إلى تعديل مواقفهما والانتقال من موقع الدفاع عن حق إيران في تنويع مصادر طاقتها السلمية إلى خط التوافق مع الدول الكبرى على تشديد ضغوطها وعقوباتها. فموسكو وبكين مع حقوق إيران إلى حدود معينة ولكنهما غير مستعدتين إلى السير مع طهران إلى النهاية.
خط النهاية كما يبدو لا يستبعد الخيار العسكري وهذا ما أشارت إليه صحيفة روسية عندما نقلت أمس الأول عن مصادر مجهولة خطة هجومية تقضي بقصف 20 مجمعا صناعيا لمدة 12 ساعة في 6 ابريل/ نيسان المقبل. 6 ابريل ليس بعيدا وربما طرح الموعد القريب للتخويف والتهويل ولكنه يتمتع بمعنى خاص لأنه تسرب من موسكو، وكأنه يشير إلى أن الكرملين على علم به ولا تستطيع منعه.
بعيدا عن هذا الترجيح تبقى أمام طهران مجموعة خيارات تتراوح بين الموافقة على المشروع الدولي لتعديل برنامج الطاقة النووي الإيراني وبين المجازفة والاستمرار في الرهان على فرضية الضعف الأميركي وعجز الولايات المتحدة عن خوض مغامرة عسكرية جديدة.
الجواب غير واضح ولكنه يرتبط إلى حد ما بمهمة الرئيس الإيراني في نيويورك ومدى قدرته على إقناع دول مجلس الأمن الكبرى بوجهة نظره. فهل ينجح في الأمر أم يُفتَح الطريق أمام فرضيات ومجازفات ومراهنات غير مضمونة؟
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1654 - السبت 17 مارس 2007م الموافق 27 صفر 1428هـ