العدد 1653 - الجمعة 16 مارس 2007م الموافق 26 صفر 1428هـ

المرأة بين الحق والقيد

فوزية مطر comments [at] alwasatnews.com

القيود ليست دوما حديدية وليس شرطا أن تكون ظاهرة ملموسة للعيان.

القيود المعنوية كثيرة من حولنا تأتي من غير جهة، فالدولة تفرض قيودا قد تكون عادلة متسقة مع نصوص القوانين وقد تكون مجحفة ظالمة مجافية للقوانين.

والقيود قد تأتي من الآخر الذي نعرف أو لا نعرف، يضربها من حولنا فيصادر بها حقنا الإنساني ويخطف معاني إنسانيتنا.

بعض مفردات ثقافتنا قيود كبيرة تترسخ في دخيلتنا وتسوق معانيها في شكل موروث متبلد يُخضع الضعيف والجاهل والمستكين، أما قيودنا الذاتية التي نُحكمها بأنفسنا حول أنفسنا فحدّث ولا حرج. أَنْ تَعقِد القيد وتُحكم إغلاق الأصفاد على عقلك وفكرك وسلوكك وطموحاتك وآمالك وأحلامك وشتى ممارساتك للحياة، أن تمنح إرادتك للآخر فأنت تلعب دور الجلاد والضحية في آن، وتلك أمضى القيود وأقساها.

أحسب أن كل خطوة يُقدم عليها المرء نحو الانعتاق من القيود المناقضة لجوهره الإنساني الحر، مرتبطة بدرجة وعيه لحقوقه الإنسانية كأوضح بديهيات الحياة. كما أنها مرتبطة بمستوى فهمه لمحتوى الموروث الثقافي وقدرته - في جانب من ذلك - على التفريق بين قدسية النص الديني وما أضفته عليه دوافع الاجتهاد الإنساني. فالتاريخ يُظهر أن دوافع الاجتهاد قد تأتي استجابة لمتغيرات الحياة واحتياج الإنسان، وقد تأتي لتبرير ظلم أو مصادرة حق لصالح نفر ما أو ذات ما.

دارت بخلدي هذه التأملات في مناسبة الثامن من مارس/ آذار يوم المرأة العالمي. فالمرأة بأوسع فئاتها تشكّل المثل الصارخ مجتمعيا في جهة تحملها تبعات القيود على أنواعها.

خضوع المرأة للقيود قد تراه مسارا طبيعيا في سياق ثقافة وتربية تشربتها منذ فتحت عينها على الدنيا حتى غدت تفهم خضوعها على أنه المُعطى الأكثر منطقية في ممارستها للحياة وتعاطيها مع الآخر. أمّا إن وعت لنفسها كذات إنسانية حرة جديرة بكل حق إنساني واستمرت على خضوعها للقيود، فإما لخوف من ظلم أو دفع لضرر أو طلب للقبول في بيئة الموروث السائد. وفي معظم الأحوال فالمرأة هي من يُحكم القيد على ذاتها وعلى بنات جنسها، وذلك هو القيد الدامي الذي يبرر للآخر المضي في غي الإخضاع والإقصاء والمصادرة والتهميش.

أمينة ربة البيت التي تحمل الثانوية العامة، وبدرية السيدة التي تدير مؤسستها التجارية الخاصة، وتهاني الموظفة في بنك بمؤهل تخصصي، وسكينة السبعينية الجدة لثمانية أحفاد، وجميلة الشابة العاملة في مصنع، وحنان المعلمة بمؤهل تخصصي تربوي. وخديجة الصحفية، ودلال التي تدير من بيتها مشروعا استثماريا صغيرا، وهدى الطالبة الجامعية، ورقية الأرملة أم الأولاد التي تستلم معونة اجتماعية من وزارة التنمية الاجتماعية، وزهرة الموظفة بإحدى الدوائر الحكومية، وسمية الشابة التي تعمل بائعة في مجمع تجاري، وشيخة المنخرطة في العمل النسائي التطوعي، وصديقة الشابة الباحثة عن عمل منذ ثلاث سنوات، وطاهرة مديرة المدرسة، وظبية العاملة بالمدرسة ذاتها المعيلة لزوج مقعد ونصف دستة من الأبناء، وعائشة سيدة القصر بمن فيه من خدم وحشم، وغادة المذيعة وفهيمة الداعية وكريمة المثقفة وليلى السكرتيرة..و...و...و...

هؤلاء هن نساء بلادي يفرق بينهن مستوى العلم والوعي والعمل ودرجات التمتع بخيرات الحياة في تأرجحها بين العوز والستر والغنى والتخمة. وتجمع بينهن القيود في مجتمع وثقافة يصنفان الحقوق الإنسانية ويوزعانها وفقا لهيمنة السمة الذكورية على المجتمع.

ليس هذا بحديث جديد بل هو مكرر لاكته الألسن والأقلام وناقشته الندوات واللقاءات لعقود، ومع ذلك بقيت المرأة رهن القيود. لقد قطع المجتمع مسافات فسيحة في تقدمه الاقتصادي وفرضت تغيراته تعليم المرأة وخروجها لمختلف مجالات العمل. أصبح غالب الأسر البحرينية لا يستغني عن عمل المرأة وغدا راتبها ركنا أساسا في القيام بأَوَد الأسرة وتدبير شئونها الحياتية وتحقيق عيش كريم لأفرادها. أصبح للمرأة كلمة في توجيه دفة أسرتها. برغم ذلك تظل المرأة في جوانب الحياة ونظمها وقوانينها رهنا لقيود النوع الاجتماعي، مهمشة الحقوق ناقصة الوعي، فهل للمرأة مخرجٌ من هذا الديجور؟

يتردد قولٌ بهذا الصدد أحسبه أيضا مكررا بل ومملا مفاده أن المرأة لن تنال حقوقها ما لم تتحرك بنفسها لانتزاع تلك الحقوق. حسنا هذا كلامٌ جميل ومنطقي لو أن عموم النساء على وعي بتلك الحقوق. آلافٌ من المتعلمات والعاملات والمثقفات (نكاد لا نستثني أحدا) إما لا تعي كثيرا من حقوقها الإنسانية أو غافلة عما تتوفر عليه النظم والأعراف والقوانين المعمول بها من إجحاف بتلك الحقوق ومصادرة للكثير منها.

ليست النساء فحسب، بل الآلاف المؤلفة من الرجال لا يعون الكثير من الحقوق الإنسانية ويفتقرون للثقافة الحقوقية. أضف لذلك تأثير الموجات المتواترة الساعية لإفراغ المجتمع من منجزاته الحضارية وإعادة نسائه إلى ما قبل المربع الأول الذي انطلقت منه مسيرة تقدم المرأة البحرينية منذ ما يربو على النصف قرن.

نعاود السؤال: هل من مخرج من الديجور؟

نعم، فلا عَصي إن توفرت النية والعزم لدى القوى المجتمعية الفاعلة على التحرك الفعلي باتجاه التغيير. سلطة الدولة بمؤسساتها (التشريعية والتنفيذية) على رأس هذه القوى، فمؤسسات الدولة هي من يملك قرار إرساء فلسفة التربية ومناهج التعليم الكفيلة بالتنحية التدريجية لموروثات وأعراف بالية تكرست عبر السنين. وبيدها إصدار القوانين والأنظمة المنصفة للمرأة والمقرة بحقوقها. كما أن التدخلات الرسمية لتمكين المرأة - على أنواعها - مطلوبةٌ للنهوض بالمرأة واثبات قدراتها والإعلاء من شأنها في المجتمع.

بالإضافة للدولة يبرز دور قوى المجتمع ومؤسساته المدنية على اختلاف مشاربها. ولكي لا يدخل حديثنا نطاق العموميات، نخص بالإشارة دور المؤسسات والجمعيات الحقوقية التي أفرزها عهد الإصلاح الجديد. هذه المؤسسات هي المنوط الأول - على الصعيد الأهلي - بنشر الثقافة الحقوقية في المجتمع. ولقد مر ما يكفي من وقت لديها لإعداد كوادر مؤهلة في مجال التوعية الحقوقية. لو قلّصت هذه المؤسسات مساحة اهتماماتها بالشأن السياسي، ولو تحررت من نخبوية أنشطتها، ولو قللت من ارتباط فعالياتها بالأولويات المطروحة عالميا وعربيا في مجال حقوق الإنسان، والتفتت جميعها للاحتياج الداخلي الماس في مجال التوعية الحقوقية لأفراد المجتمع لتحققت بداية موفقة على الطريق المنشود.

إقرأ أيضا لـ "فوزية مطر"

العدد 1653 - الجمعة 16 مارس 2007م الموافق 26 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً