قمت بزيارة إلى كلية الصحافة في جامعة كولومبيا بمدينة نيويورك، وأكثر ما دعاني للاستغراب هو ما أفصح به أستاذ البرامج الصحافية الدولية في الجامعة جوشو فرايدمان عندما ذكر أن جامعة كولومبيا لا تشترط في أساتذة كلية الصحافة لديها أن يكونوا من حملة الشهادات الجامعية العليا في الإعلام ! وأن الشرط الأساسي الذي يجب أن يتوافر في أستاذ الإعلام وخصوصا في مجال الصحافة هو أن يكون هذا الأستاذ صحافيا ناجحا قضى شطرا من مشوار حياته في مهنة الصحافة.
وتحديدا ما دعاني للتوقف هو مكانة جامعة كولومبيا والتي تعد من أهم الجامعات ليس على مستوى الولايات المتحدة فحسب بل على مستوى العالم، وسنة دراسية واحدة في هذه الجامعة تكلف الطالب 50 ألف دولار، أي ما يعادل 19 ألف دينار بحريني تقريبا، كل هذه الكلفة لتدرس في جامعة أساتذتها غير حاصلين على الدكتوراه أو ربما حتى الماجستير!
وفي جولة على قاعات المحاضرات ومراكز مصادر التعلم في الكلية التقيت بعدد من طلبة الصحافة والإعلام الذين كان جميعهم يحضرون لرسالة الماجستير والدكتوراه على أيدي أساتذة غالبيتهم ليس لديهم تلك الشهادات التي سيمنحونها لأولئك الطلبة، وأثناء ذلك دار نقاش بيني وبين الأستاذ فرايدمان ذكر فيه أن السبب الرئيسي في اعتماد هذا المعيار لأساتذة كلية الصحافة هو أن الخبرة في هذه المهنة تحديدا تتفوق على الشهادة الأكاديمية، وهذا لا يعني أن الشهادة الأكاديمية غير مهمة، ولكن هنا يأتي دور المهم والأهم في هذا المعيار، لذلك نحن نحتاج إلى أساتذة خاضوا المعترك الصحافي، وغامروا ونجحوا في إنتاج مواد صحافية طرقت كل الآذان في العالم وذاع صيتها في الشرق والغرب، وغالبية من صدر عنهم هذا النتاج كانوا ليسوا من حملة الشهادات العليا.
على رغم أن ألمع الصحافيين في العالم لا يمتلكون شهادات عليا، فإنه لا يمكن لأحد أن يقلل من شأن الشهادات العليا في مجال الصحافة أو غيرها، وهو الأمر الذي تقوم به جامعة كولومبيا نفسها فهي على رغم أنها لا تشترط الشهادة العليا على أساتذتها في الصحافة إلا أنها في الوقت نفسه هي تمنح تلك الشهادات العليا لطلبتها ما يؤكد أهمية المستوى الأكاديمي، ولكن إذا كانت من رسالة يستفاد منها من هذه الجامعة العريقة هي تقديرها للخبرة الصحافية، وترجيحها على المستوى الأكاديمي في بعض الأحيان، ما يعني أن الميدان أو الملعب الذي يلعب عليه الصحافي في مشواره المهني، أيضا هو جامعة يمكن أن تخلق منه أستاذا يخرج أكاديميين ليس من الضروري أن يصبحوا أساتذة، وهي رسالة أخرى لمن اكتفوا بحمل الشهادة الأكاديمية في الصحافة والإعلام واعتقدوا أنهم بلغوا ذروة العمل الصحافي، غير مدركين بأن الشهادة وحدها لا يمكن أن تصنع صحافيا ناجحا، والعكس قد يحدث بل حدث.
إقرأ أيضا لـ "عقيل ميرزا"العدد 1653 - الجمعة 16 مارس 2007م الموافق 26 صفر 1428هـ