قدم رئيس الوزراء المكلف إسماعيل هنية قائمة بأسماء حكومة الوحدة الفلسطينية للرئيس محمود عباس. ويرجح أن تنال ثقة مجلس النواب اليوم. وفي حال نجحت القوى الفلسطينية في التوافق على مشروع الحكومة الجديدة التي تضم معظم أطياف الأحزاب والفصائل السياسية تكون أجنحة السلطة، وتحديدا فتح وحماس، قد بدأت بتجاوز مخاطر الانقسام الأهلي الذي هدد سابقا القضية وما تعنيه للشعوب العربية من رمزية قومية ودينية وإنسانية.
النجاح الفلسطيني يعطي إشارة قوية لنجاح أكبر. فالقضية الفلسطينية هي الأصل السياسي لكل أزمات المنطقة وتفرعاتها، ومنها خرجت الكثير من الاتجاهات العقائدية وتأسست في ضوء تداعياتها تيارات فكرية عربية رفعت شعارات الوحدة والاستقلال والتحرير والسيادة والعدالة وغيرها من طموحات. ولذلك يشكل أي خلل في الموضوع الفلسطيني نقطة سلبية في المجموع العام. وفي المقابل يشكل أي تقدم في هذا السياق بداية جيدة على طريق إعادة هيكلة الإستراتيجية العربية لتصبح متجانسة مع المتغيرات الدولية والإقليمية وما تتطلبه من سياسات قادرة على البقاء ومواصلة التحدي.
النجاح الفلسطيني إذا هو نجاح عربي. فهو يؤشر على وجود قوة ذاتية ممانعة تتناسب مع مواقف عربية لاتزال صامدة على رغم الضغوط السياسية والضربات العسكرية والحروب العدوانية. وبهذا المعنى سيكون التوافق الفلسطيني على الحكومة خطوة في الاتجاه الصحيح لانه يؤكد على نجاح «تفاهم مكة» وما يعنيه من رمزية سياسية وعقائدية.
حتى الآن لاتزال الخطوة في بدايتها وتحتاج إلى وقت لتتبلور في منهجية تنظيمية تبتكر آليات تعيد ترتيب الأولويات سواء على مستوى البرنامج الداخلي اوعلى مستوى التعامل مع الاحتلال والضغوط الدولية الأميركية والأوروبية.
أوروبيا يبدو الاتحاد في حال من الانقسام في وجهات النظر بين دول أوروبية تريد الاستمرار في ممارسة الضغوط لتعديل موازين القوى الفلسطينية لمصلحة فريق ترى فيه قوة مناسبة للتفاهم معه، وبين دول تريد رفع تلك الضغوط عن الشعب وعدم معاقبته جماعيا بسبب خياراته السياسية التي تمت وفق الشرعية الدولية ومعاييرها القانونية.
الموقف الأوروبي مهم في الإطار المذكور إذ تتوقف عليه مجموعة تداعيات سلبية أو ايجابية. فإذا اتجه الاتحاد نحو الاعتراف بشرعية الحكومة تكون السلطة سجلت ذاك الاختراق المطلوب دوليا لإعادة تشكيل منظومة دفاعية تمنع نسبيا حكومة تل أبيب من الاستمرار في سياسة الحصار التي تذرعت ببعض الشروط لتطوير عدوانها على الأقصى والأراضي المحتلة. وإذا أصر الاتحاد على مواصلة نهج المقاطعة رافضا التعاون مع الحكومة الجديدة ستقع السلطة من جديد في سياق التجاذب الدولي وما يعنيه من انعكاسات سلبية في التعامل مع الأطراف العربية وتحديدا مصر والسعودية. فالسلبية الأوروبية إذا حصلت لن تكون ضد الشعب الفلسطيني وحده وانما ستكون رسالة واضحة ضد السياسة المصرية - السعودية ودورها في صوغ إستراتيجية عربية يرجح ان ترتسم معالمها في القمة التي ستعقد في الرياض في نهاية الشهر الجاري.
الموقف الأوروبي مفصلي في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة، ويعتبر في اللحظة الزمنية الراهنة اهم من التوجه الأميركي. الولايات المتحدة تذرعت، منذ إعلان نتائج الانتخابات الفلسطينية التي أسفرت عن غالبية نيابية لمصلحة حركة حماس، بالموقف الأوروبي لتبرير سياسة دعمها المطلق للعدوان الإسرائيلي. وشكل الاتحاد الأوروبي منذ أكثر من سنة ذاك الغطاء الدولي للمشروع الأميركي الذي انتهج سياسة التقويض المنهجي والمبرمج ضد السلطة الفلسطينية في الضفة والقطاع وضد الدولة والمقاومة والمشروع العربي في لبنان. فالعدوان التحطيمي الذي نفذته حكومة ايهود اولمرت على فلسطين ولبنان في اقل من سنة تم بناء على توجيهات أميركية وبغطاء أوروبي وبذرائع كان بالإمكان التعاطي معها بأسلوب مغاير.
الغطاء الأوروبي
شكل الغطاء الأوروبي نقطة سلبية وجاء لمصلحة تجديد العدوان الإسرائيلي على أراضي السلطة الفلسطينية وضد المشروع العربي لإعادة بناء الدولة (الضعيفة والمشلولة) في لبنان. ولذلك يشكل سحب هذا الغطاء من سوق التداول نقطة مركزية لفهم المجرى العام الذي ستسير به روافد وملحقات القضية المركزية في المنطقة العربية.
بعد الموقف الأوروبي يأتي السلوك الأميركي الذي يبدو أنه يمر الآن في حال مراجعة. والمراجعة التي بدأت باتخاذها إدارة جورج بوش لا تزال تمارس حتى اللحظة أسلوب الخداع الاستراتيجي. فالإدارة لا تزال غير واضحة في خياراتها الكبرى وهي تناور على أكثر من صعيد وملف، وربما تراهن على تحولات ما تعطيها فرصة للانقضاض مجددا على القوى الممانعة لسياستها في مسرح «الشرق الأوسط». وبهذا المعنى يشكل الموضوع الفلسطيني نقطة تحول في حال قررت واشنطن اعتماد سياسة مغايرة لذاك النهج الذي اتبعته إدارة بوش الجمهورية في فترة السنوات الست الماضية.
وأوروبا في هذا الإطار تمثل تلك الساحة الدولية لعبور السياسة الأميركية إلى دائرة «الشرق الأوسط». فالولايات المتحدة الآن في وضع صعب ومحرج وهي تبحث عن غطاء دولي آخر يبرر نهجها، فإذا وجدت أن الاتحاد الأوروبي يساندها في موقفها السلبي من الحكومة الفلسطينية الجديدة فإنها ستتشجع على مواصلة إستراتيجية المقاطعة والحصار وربما تجديد مشروع التقويض. أما إذا رأت أن دول الاتحاد قررت المضي في خط مخالف ستضطر إدارة بوش إلى إعادة النظر في بعض زوايا سلوكها العام في المنطقة.
السلوك الأميركي يمكن قراءة بعض تفصيلاته من ردود الفعل المتعارضة والمتسرعة التي اطلقتها حكومة اولمرت. فهذه الحكومة ضائعة منذ فشل العدوانيين الأخيرين على أراضي السلطة الفلسطينية ولبنان فهي تطلق تصريحات غير متطابقة بشأن كل الملفات الساخنة في «الشرق الأوسط». وحتى الآن لا يعرف ماذا تريد تل أبيب من دول المنطقة، وكيف ستتعامل مع المتغيرات الدولية والإقليمية سواء على مستوى مشروع التخصيب النووي الإيراني أو على مستوى مبادرة السلام العربية التي توافقت الدول عليها في قمة بيروت؟ وفي هذا المعنى لايمكن فصل حلقات السلسلة عن بعضها. و»إسرائيل» ليست الآن في موقع يسمح لها بفرض شروطها على دول المنطقة كذلك لم تعد قادرة على استخدام القوة الأميركية إلى اجل غير مسمى وسيلة لتحطيم الموانع والحواجز العربية والإقليمية.
المسألة لم تحسم وتحتاج الى وقت لتتبلور خطوطها السياسية. «إسرائيل» رفضت مشروع الحكومة الفلسطينية وقررت المضي في سياسة المقاطعة والحصار والعدوان. وإدارة بوش قررت إرسال وزيرة خارجيتها إلى المنطقة للبحث وجس النبض. ويتصادف وصول كوندوليزا رايس مع البدء في التحضير النهائي للقمة العربية في الرياض، وهي قمة ستكون حاسمة في الكثير من النقاط الحساسة والملفات الساخنة.
المنطقة إذا على أبواب تحولات دراماتيكية، وهناك الكثير من الخطوات التي ينبغي اتخاذها تحسبا لكل الاحتمالات. ويشكل الموضوع الفلسطيني إشارة قوية في رسم الاتجاهات فإذا وافقت أوروبا على حكومة الوحدة الوطنية وضغطت على الولايات المتحدة للقبول بها يمكن القول إن حكومة اولمرت ستكون مضطرة إلى التراجع عن مواقفها السلبية. وفي حال توافقت القوى الثلاث (أميركا، أوروبا، تل أبيب) على حل مؤقت للمسألة الفلسطينية يمكن التكهن بوجود سلسلة تفاهمات إقليمية كبيرة يتوقع ان تظهر ملامحها في قمة الرياض، وخصوصا في موضوع إعادة هيكلة الإستراتيجية العربية وتعاملها مع السلام.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1653 - الجمعة 16 مارس 2007م الموافق 26 صفر 1428هـ