خلطَ بعض الأحبّة بين أمرين، بين قوّة المرأة وبين طاعتها، واعتقدوا أنّ دعوتي لقبول الحياة مع زوجة قوية تجاوز للروايات والأحاديث التي تتحدّث عن سعادة المرء في حياته مع امرأة مطيعة.
ولعلّ هذا هو أوّل الكلام فنحن لا نستطيع أنّْ نفهم قوة المرأة إلاّ بمعنى عنادها ومشاكستها، ولا نفهم طاعتها إلاّ بضعف شخصيتها.
المرأة المطيعة عندنا هي العمياء الذليلة المسحوقة، والمرأة القوية هي الجبّارة العنيدة النكدة، وكلا الأمرين خطأ في خطأ.
إنّ خلط المفاهيم، وتداخل المعاني أوردنا الهلكة في حياتنا الأسرية، وجعلنا نطمع في وهم الطاعة وذل الطاعة وحقارة الطاعة؛ لأنّ الطاعة التي نريدها هي طاعة العبيد والخدم والمساكين.
الطاعة الكريمة والمحترمة والمشاركة وصاحبة الرأي تكلفنا كثيرا من النقاش والحوار والبحث عن قناعات مشتركة، ونحن - معشر الرجال - في غنى عن دفع هذه الكلفة.
هل مناقشة المرأة وعرض رأيها وطلب حقها في المشاركة الأسرية عناد وخروج عن بيت الطاعة وانغماس في المعصية لله سبحانه؛ لأنها تكون عاصية لزوجها؟ وهل تشكيلها لرأي مستقل تحاور وتستميت في الدفاع عنه يعتبر عنادا ومكابرة في وجه الزوج؟
نحن نعتبرها عاصية لذلك نرفع أصواتنا قائلين لزوجاتنا: إذا تكلمت فلا أحب أنْ أسمع كلاما، وإذا أمرت فلا أريد أنْ أسمع رأيا؟! وأحيانا نهدد بالضرب رفيقة حياتنا إنْ لم تنته عن المجادلة باحثين عن طاعة الضعيفة المنكسرة الذليلة، وليس عن طاعة المحبّة الواعية لما تفعل والمشاركة فيما ستفعل؟
سجود الزوجة لزوجها
في هذا المضمار هناك روايات كثيرة، لسانها واضح ودلالتها بيّنة، وسندها مقبول، تتحدث جميعها وإنْ اختلفت كلماتها في سياق واحد، وبين يديك عزيزي القارئ بعضها مما هو محل استشهاد للكثير من الخطباء والكتّاب والموجهين الاجتماعيين (ثلاثه تعين على هذه الحياة الدار الوسيعة، والدابة السريعة، والمرأة المطيعة) والحديث النبوي يقول (لو أمرت أحدا أنْ يسجد لأحد لأمرتُ المرأة أنْ تسجد لزوجها) وآخر يقول (لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرتُ المرأة أنْ تسجد لزوجها).
تلك الروايات لا تعني تحقيرا للمرأة ولا نيلا من كرامتها, ولا توهينا في مقامها كما أنّها لا تدفع الرجل نحو التعالي عليها والتسلّط القاهر على رقبتها، الروايات أعلاه وغيرها من الروايات لا تدل على أكثر من الإرشاد إلى ضرورة طاعة المرأة لزوجها وهو أمر لا يُجادل فيه عاقل. ولا ترسم تلك الروايات علاقة أكثر من ذلك بين الزوجين.
ليست الحياة الزوجية أوامر ونواهي مصدرها الزوج ومحل تنفيذها الزوجة, بل هي تفاعل وتكامل بينهما في تحمل الأدوار والمسئوليات, فتربية الأولاد هي شأن مشترك بين الزوجين لا يمكن إخضاعها إلى الأمر والنهي, وهذا المثال يمكن أنْ تقاس عليه أغلب المشتركات بين الزوجين.
لنعد للكلام بصيغة أخرى متسائلين هل يجب على الزوجة طاعة زوجها إذا فرّط في مسئولياته تجاهها؟ وهل ينبغي منها تلبية أوامره وهو يهملها عامدا قاصدا؟
لاشك أنّها لا تؤمر بطاعته وهو موغل في تفويت واجباته, ولا يحملها الدين وحدها وزر عدم الانبعاث لأوامره؛ لأنّ الدين لو فعل ذلك لحفظ حقوق الزوج تامة غير منقوصة، مع ضياع كلّ حقوق الزوجة, وهو يحتاج إلى نظر وتأمل في عدل هكذا قانون وصوابيته.
لقد رأى بعض الفقهاء أنّ حق التمكين على المرأة للرجل يمكن أنْ يعطل إذا ما حاد الرجل عن الالتزام, بمسئولياته الرئيسية كتوفير السكن واللباس والأكل والشرب، فكيف بباقي الواجبات عليها إذا تخلّف زوجها عن القيام بواجباته.
لا يمكن أنْ يكون احد الزوجين سكنا ولباسا للآخر، ويكون الآخر صحراء قافرة لا تقي من حر ولا برد, بل كل طرف مسئول عن توفير الأجواء الحاضنة والمريحة للآخر.
لقد أساء البعض من الرجال الاستفادة من هذه الروايات الجميلة, وقد ساعده على ذلك الكثير من خطب المساجد، ووعظ المنابر, فهي تتناول هذه الروايات وتؤكّد عليها (وهو أمر حسن) لكنها لا تتأملها في أفق العائلة الواسع القائم على العلاقة المتفاعلة بين أطراف الأسرة.
كما أنّها في كثير من الأحيان تزيد الحمل والمسئوليات على المرأة، وتوجّه الرجل إلى معرفة واجبات زوجته، دون أنْ تبين له أنها مسئوليات تقابلها مسئوليات من طرفه تجاه زوجته.
إنّ القهر المشاهد في أغلب الزوجات هو الوليد الطبيعي للسلوك الذي يمارسه الأزواج، والنتاج الملازم للثقافة العمومية والواسعة التي تغيب عنها التفاصيل والحدود، فتلقى على عواهنها؛ ليستغلها الرجال لمصالحهم
إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"العدد 2250 - الأحد 02 نوفمبر 2008م الموافق 03 ذي القعدة 1429هـ