العدد 1651 - الأربعاء 14 مارس 2007م الموافق 24 صفر 1428هـ

المكارثية تجدد ثوبها فهل تطل علينا برأسها؟

عبدالحسن بوحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

المكارثية هي فكر محافظ تبناه السناتور الجمهوري جوزف مكارثي في الفترة ما بين العام 1947 والعام 1957، وهي الفترة التي شهدت تصاعد الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأميركية والمعسكر الشيوعي بزعامة الاتحاد السوفياتي. فما هي المكارثية؟ وما هي طريقة عملها؟ وما هي الآثار التي تركتها في المجتمع الأميركي؟

يعتبر السناتور جوزف مكارثي الواجهة الأمامية للحزب الجمهوري وجماعة المحافظين الذين ارتبطت أفكارهم برفض التجديد ومبادئ العدالة، ووجدت فيه قوى الضغط والنفوذ ضالتها لمواجهة منافسيها في الداخل والخارج.

أهداف المكارثية:

- مكافحة الشيوعية في المجتمع الأميركي بتبني المعتقدات الآتية:

أ - كثير من المواطنين الأميركيين شيوعيون ومشكوك في ولائهم.

ب - تصنيف كثير من الموظفين في الأجهزة الحكومية بحسب معايير مغلوطة، فهم إما: جواسيس للاتحاد السوفياتي، أو شيوعيون، أو متعاطفون مع الشيوعية. لقد تلبس مكارثي بعقدة الشيوعية فعمل على محاربتها بعدة أساليب منها:

- تشكيل لجان تحقيق لطرد العناصر المشكوك في ولائها من الأجهزة الحكومية.

- استحداث ملفات وإعداد تقارير لتحديد نسبة ولاء الموظفين.

- وعلى المستوى الوطني ارتكزت المكارثية على عقدة الشك، فالمواطن مشكوك في ولائه، لذلك وجب تكثيف أجهزة الرصد وغرس عقدة الخوف من خطر داخلي وخارجي. وامتدت ملاحقاته إلى رجال الكنيسة البروتوستانت متهما إياهم بالشيوعية، وشكل لجان تحقيق لمساءلة كبار ضباط الجيش، متهما وزير الدفاع في عهد ترومان وهو جورج مارشال بالخيانة ومساندة الشيوعية. ومن المعروف أن مارشال قد حاز جائزة نوبل للسلام لكونه مهندس مشروع مارشال الشهير. كما اتهم الرئيس الأميركي هاري ترومان بالتحالف مع الشيوعيين، واتهم الحزب الديمقراطي بالخيانة. وحتى عندما فاز الرئيس الجمهوري آيزنهاور بالرئاسة العام 1952 لم يتورع مكارثي عن اتهام الحكومة بإيواء عناصر غير موالية في أجهزتها.

الأدوات المكارثية لتحقيق الأهداف:

- تضخيم الخطر وصناعة الخوف (SCAREMONGERING):

إن التعاطي مع هذا الأسلوب يؤسس لثقافة الخوف (Fear Culture). ويرجع المختصون أهداف هذه السياسة للتأثير على طريقة تعاطي الأفراد مع بعضهم بعضا، ويعتبرونها سياسة متعمدة ذات أبعاد تاريخية.

يقول نعوم شومسكي إن صناعة الرعب لا تخرج عن نطاق الرغبة في السيطرة على المجتمع باستغلال مصادر المعلومات لتبرير سياسات داخلية وخارجية لتشتيت تفكير الناس عن قضايا ملحة كالفقر والبطالة والتلوث وانتشار الجريمة والفساد. ولنشر ثقافة الخوف، كما يرى الخبراء، عدة أدوات ووسائل منها:

أ‌ - تزوير المعلومات ونشر الشائعات، كالشائعة التي انتشرت لدينا أخيرا عن معسكر للتدريب على أعمال الإرهاب في مزرعة بني جمرة ومخازن الأسلحة في المآتم.

ب‌ - تحويل حادث فردي وتصويره وكأنه وباء اجتماعي (Social Epidemic).

ج‌ - وصم الأقليات أو فئات معينة في المجتمع بصفات غير محببة كنعت فئة من المواطنين بالصفوية أو وصم المسلمين في الولايات المتحدة الأميركية بالإرهاب.

د‌ - تلفيق كامل للحقائق والوقائع كاتهام مكارثي لرجال الكنيسة البروتوستانتية بالشيوعية أو الحديث عن هلال شيعي، أو إطلاق كلمة شهيد على دكتاتور غزا جيرانه وحرق آبار النفط وأطلق الصواريخ على من عاضدوه في وقت الشدة، ونقل بلده إلى العصر الحجري، واعتبار ذلك من إنجازات عهده التي يستحق الثناء عليها.

هـ - احتضان العناصر المحافظة التي ترفض مبادئ التسامح والعدالة وترفض التغيير، وتسهيل أحكام سيطرتها على السلطة التشريعية والمصالح الرئيسية والمؤسسات الحكومية كما فعل مكارثي بتشكيل لجان تحقيق لكبار المسئولين في الإدارة الحكومية المعارضين لسياسته لإزاحتهم وإحلال المحافظين محلهم، وكما عمد المحافظون الجدد في إدارة الرئيس ريجان والرئيس الحالي جورج بوش للسيطرة على الكونغرس والإدارة الحكومية، وتعاون الإدارة الأميركية مع طالبان في أفغانستان إبان الاحتلال السوفياتي. وهناك مؤشرات قوية على تعاونها مع قوى الإرهاب والقتل في العراق.

و ‌- اعتماد أسلوب التشهير بالمعارضين، ووصف الكونغرس حملات التشهير التي اعتمدها مكارثي بالكارثية لأنها دمرت الحياة الوظيفية لكثير من المواطنين حتى تردت الأوضاع في أجهزة الدولة التي تدهور أداؤها وانحدرت معنويات العاملين فيها، وقد وصف مسلسل تلفزيوني وثائقي العام 1954 المكارثية بما يأتي:

صناعة عقدة الشك:

- المعنى اللغوي للعقدة (Complex) هو التداخل العشوائي للأجزاء لدرجة الإرباك وصعوبة متابعتها وفهمها. والشك نقيض للثـقة، والثـقة كما يقول جيري مون في محاضرته بعنوان «الثـقة والشك في الحياة السياسية»، هي رديف للتسامح والمساواة السياسية التي تعتبر ضرورية للحياة لأنها تعطي الفرد الأمل وتجنبه القلق من تهمة عدم الولاء أو الخيانة. فالانغماس في الشك يعني التدقيق المكثف والمستمر في خلفية الغير وخصوصياته قبل الدخول معه في عقد اجتماعية. ويضيف مون أن عقدة الشك مرتبطة بالشعور بالحرمان حين تتمتع مجموعة معينة في المجتمع بمزايا كثيرة تفوق استحقاقاتها، فتشعر الفئة المنقوصة حقوقها بالتهميش لوجود معايير معينة يشجعها رجال السياسة لغرض الحصول على اتباع ومناصرين. من هنا تكون الثـقة سهلة الكسر (Fragile) تحت سطوة السياسين، ويحفز فقدان الثقة الدعوة لنيل المساواة والمطالبة بالحقوق ضمن عقد اجتماعي. ويربط البرفسور مون بين الثـقة والشفافية، فالثـقة تتعزز عندما تتضح الحقائق للرأي العام في حين يتعزز الشك بالغموض وغياب الحقائق. ولولا الشفافية والمكاشفة وحرية التعبير لما انحسر زيف المكارثية. وبالمثل فإن الانفتاح الذي تمخض عنه مشروع الإصلاح في مملكة البحرين أناط اللثام عن كثير من التجاوزات والانتهاكات والملفات الرامية إلى تشطير المجتمع وتخريب نسيجه.

المكارثية الجديدة

على رغم انحسار المكارثية وانحصارها في بلد منشئها لحين من الزمن فإن المحافظين الجدد عملوا على تصديرها إلى دول أخرى مستغلين الفراغ السياسي وفجوات الاختلاف ونزعة التطرف وغياب التسامح لدى البعض، ليجعلوا الجار يغزو جاره لتنفيذ مخططات التقسيم. ويجند المحافظون الجدد مراكز البحوث التي يحلو للبعض منا تقليدها بابتذال وسذاجة. ومن هذه المراكز معهد أميركان انتربرايس والتي ننصح اليائسين والمخدوعين من مواطنينا بالنأي بأنفسهم عنها مهما بلغ بهم اليأس. فدور هذه المعاهد لا يخرج عن أهداف المحافظين في نشر ثقافة الشك والخوف تمهيدا للاحتراب والتقسيم والهيمنة.

إن المكارثية تطل علينا برأسها بين فئة وأخرى وفي كثير من بقاع العالم. ونتائجها واحدة وهي نشر البلبلة والفوضى وثقافة الخوف وتمزيق نسيج المجتمع.

وفي منطقتنا تطل علينا أفكارا وممارسات تلبسها مس من المكارثية ولكن بشكل جديد، فنراها تستحضر الجانب السلبي من تاريخنا وتضخم أخطارا من هنا وهناك وتخرج لنا بتوصيفات جديدة، وتنشر أفكار ومقولات أعداء الأمة على رغم ادعائها محاربتها، وتدعو الله أن تنشب حربا في منطقتنا متقمصة بذلك روح شمشون الجبار، وتتاجر بتقارير تسميها استراتجية وذلك في هلوسة فاقت أفكار وممارسات غلاة المكارثية الأوائل.

لقد هلك مكارثي بعد أن أدمن الخمر وتخلى عنه حلفاؤه ومعاونوه، وبعد أن استنفذ أغراضه. إلا أن عناصر المحافظين الجدد في كل بقعة من بقاع الأرض مازالت تتقمص روحه الشريرة التي تحوم كالأطياف حولنا، وتساعد بجهل على تمزيق أواصرنا وتمكنه من مستقبلنا وحاضرنا.

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"

العدد 1651 - الأربعاء 14 مارس 2007م الموافق 24 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً