العدد 1651 - الأربعاء 14 مارس 2007م الموافق 24 صفر 1428هـ

الاتصالات الدولية والقراءة السورية الإيرانية لها

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

في أي سياق يمكن قراءة شبكة الاتصالات الدولية - الإقليمية، والإقليمية - الإقليمية في منطقة «الشرق الأوسط»؟ هناك اتصالات أميركية - سورية، وأميركية - إيرانية، وأوروبية - سورية، وسورية - مصرية، وإيرانية - سعودية. وكل هذه الاتصالات تهدف إلى توضيح معالم «خريطة الطريق» التي تتناول ملفات ساخنة تبدأ بالملف النووي الإيراني وأمن الخليج، وتمر بأزمة العراق وموضوع الاحتلال الأميركي، وتنتهي بأزمة لبنان التي تتقاطع فيها مجموعة خطوط تمتد إلى سورية وفلسطين.

هناك قراءات مختلفة لشبكة الاتصالات منها أن الولايات المتحدة دخلت في نفق مظلم ولا تستطيع الخروج منه من دون مساعدة دول الجوار وتحديدا سورية وإيران. هذه القراءة تعتمد فكرة أن المشروع الأميركي انهزم استراتيجيا وتريد واشنطن الالتفاف حول الهزيمة من خلال المناورة إقليميا والبحث عن ملاذ آمن لقواتها يخفف عنها ثقل الخسائر السياسية.

يستند هذا التحليل على مجموعة وقائع ميدانية تبدأ بموافقة واشنطن على مشاركة سورية - إيرانية في «المؤتمر الدولي» الذي عقد في بغداد. ثم موافقة وزيرة الخارجية الأميركية على إرسال وفد إلى دمشق للبحث في موضوع اللاجئين العراقيين في سورية. ويرى التحليل أن الخطوتين الأميركيتين باتجاه دمشق من خلال البوابة العراقية تكشفان عن وجود أزمة تعاني منها واشنطن ولا تستطيع السيطرة عليها من دون مساعدة سورية.

إلى التحرك الأميركي الذي يعتمد على قاعدة أمنية في العراق وقاعدة إنسانية في سورية اتجهت أوروبا للانفتاح على دمشق والإقلاع عن سياسة الأبواب المقفلة. فالاتحاد الأوروبي توافق بدعم مباشر من الرئيس الفرنسي جاك شيراك على إرسال وفد برئاسة المنسق الأعلى للسياسة الخارجية خافيير سولانا لمقابلة المسئولين في سورية والمنطقة بحثا عن مخارج للازمات. ويرى أصحاب هذا التحليل أن طوق الحصار بدأ يتفكك عن دمشق من خلال فتح الأبواب وشق ممرات دولية (أميركية - أوروبية) تعطي بعض الدور لسورية في الأزمتين العراقية واللبنانية. ويضيف أصحاب هذا التحليل مجموعة وقائع أخرى حصلت في الماضي وتحصل الآن. سورية مثلا ساعدت من بعيد في إنجاح «تفاهم مكة» الذي جرى بين حماس وفتح وهي من شجع خالد مشعل على التوجه إلى السعودية والاتفاق مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وسورية أيضا أظهرت استعدادها للمشاركة في القمة العربية التي ستعقد نهاية الشهر الجاري في الرياض والمساعدة على حلحلة الكثير من العقد وتحديدا تلك المتصلة بالملف اللبناني. وهي، أي سورية، طرحت مجموعة نقاط للتفاهم مع مصر والمصالحة مع السعودية لتجاوز تلك المطبات التي ارتسمت ألوانها إبان فترة العدوان على لبنان في الصيف الماضي.

لا تكتفي هذه القراءة بهذا القدر من التوضيح، إذ تعطف عليها مجموعة اتصالات إقليمية أخرى حصلت بين السعودية وإيران في المدة الأخيرة. ويرى أصحاب هذا التحليل أن الاتصالات السعودية - الإيرانية التي تناولت ملفات إقليمية ودولية مختلفة تعني في معنى من المعاني بدء نوع من الانفتاح بين دمشق والرياض على خلفية تجميد الأزمة اللبنانية ومنع تفجيرها من الداخل. فاللقاءات السعودية - الإيرانية هي أيضا ومن مواقع متقاربة ومتداخلة تعني وجود لقاءات سعودية - سورية غير مباشرة. وهي في التالي قد تمهد أو تفتح الطريق أمام قمة سورية - سعودية تنهي موضوع الإشكالات السياسية والاهانات الشخصية التي شوشت تلك العلاقات التقليدية بين الطرفين.

على المنوال نفسه يستأنف أصحاب هذا التحليل قراءة شبكة الاتصالات الدولية والإقليمية. فالحوار السوري - الأميركي الذي جرى في بغداد لأسباب أمنية وفي دمشق لأسباب إنسانية جرت بموازاته حوارات أميركية - إيرانية في بغداد تناولت الكثير من الملفات التي تتجاوز مساحة العراق وحدوده.

مقاربات وخلافات

هناك إذا مقاربات كثيرة كما تقول القراءة بين سورية وإيران من جهة وأميركا وأوروبا من جهة أخرى. وهذه المقاربات يمكن رصدها في ملفات مختلفة تبدأ بالمشروع النووي واحتمال التوصل إلى صيغة «تسووية» بشأنه، وتمر بدعم دمشق وطهران لحكومة نوري المالكي المدعومة أميركيا، وتنتهي بالملف اللبناني الذي يضم ثلاثة وجوه ساخنة وهي: أمن «إسرائيل» والقرار 1701، أمن سورية والمحكمة ذات الطابع الدولي، وأخيرا سيادة لبنان واستقراره ضمن رعاية دولية وإقليمية.

المقاربات التي يقدمها أصحاب هذا التحليل تحاول الاستدلال على أن العلاقات الأميركية - الأوروبية مع سورية وإيران ليست سيئة تماما وليست سلبية في كل الملفات. هناك ملفات تتوافق عليها الأطراف الأربعة وهي أكثر من تلك الملفات التي تختلف عليها. فالملف العراقي يمكن أن يكون بداية تفاهم دولي وإقليمي على ضبط العنف الداخلي ومنع انتشاره مع تأكيد الضمانات المطلوبة للحفاظ على المصالح الأميركية وتأمين انسياب النفط ومروره. والملف اللبناني يمكن أن يشكل بداية تسوية تضمن أمن «إسرائيل» من خلال تأمين استقرار البلد الصغير وفق ضوابط سياسية تحرص على عدم النيل من سيادة سورية وخطة تشكيل المحكمة الدولية. والملف الفلسطيني يمكن أيضا وضعه في سياق تفاهمي يعطي فرصة للأطراف المحلية بتشكيل حكومة وحدة وطنية لا تزعج «إسرائيل» ولا تهدد استقرارها. وهكذا.

هذه المقاربات والخلافات، يستند عليها هذا التحليل ليؤكد على أن أوروبا وأميركا تحتاجان إلى سورية وإيران أكثر من حاجة دمشق وطهران للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وينطلق التحليل من مجموعة معطيات ميدانية تبدأ كلها من نقطة مركزية وهي مأزق الاحتلال الأميركي للعراق وصراع إدارة جورج بوش مع الوقت وعدم وجود خطط بديلة لديه أفضل من مساعدة سورية وإيران له في الخروج من الورطة مقابل تنازلات لابد من تقديمها وطلبات لابد من دفع ثمنها تتناسب مع حجم الخدمات وتوازي نسبيا قيمتها السياسية. إيران مثلا تتوقع بعض التسهيلات في مشروعها النووي مقابل تلك المساعدة في العراق. وسورية أيضا تتوقع بعض التسهيلات في موضوع «المحكمة الدولية» مقابل تلك المساعدة في دعم حكومة المالكي وعدم الاعتراض على «تفاهم مكة» وتجميد الوضع الأمني في لبنان.

هناك إذا مسألة مقايضة تعتمد أسلوب تبادل الخدمات والمنافع. وهذه المسألة تحتاج إلى وقت لبلورتها وإنضاجها قبل إعلانها رسميا لذلك جاءت هذه الشبكة من الاتصالات الدولية والإقليمية لتمهد الطريق أمام صفقة مهمة سيكون لها وقعها الكبير في منطقة «الشرق الأوسط». التحليل المذكور يذهب في خلاصاته العامة إلى اجتهاد خاص يرى في أن الخلافات أصبحت شبه منتهية وان قوالب الحل وضعت وتحتاج إلى عمليات تهذيب قبل إخراجها دبلوماسيا إلى الأضواء.

هذا التحليل يستند طبعا إلى وجهة نظر واحدة وتحديدا تلك القراءة السورية - الإيرانية لمجرى الحوادث ومسار العلاقات وشبكة الاتصالات. إلا أن هناك قراءة مقابلة لوجهة النظر هذه تفسر المعطيات الميدانية من جانب آخر، وبطريقة مخالفة أو على الأقل ليست متطابقة مع هذا التحليل.

القراءة المضادة تطرح مجموعة شروط لنجاح الحلول وهي تتعلق بوقف التخصيب، والحد من التدخل في الملفات العراقية واللبنانية والفلسطينية، وتعديل بعض الزوايا في مشروع السلام والتسوية وأمن الخليج وضمان منابع النفط واستمرار إنتاجه ونقله عبر مسالك مضمونة دوليا.

القراءة المضادة متوافقة جزئيا وليس كليا ولكنها في النهاية تصب في مجموع روافدها في نهر واحد وهو إعادة تشكيل «الشرق الأوسط الجديد».

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1651 - الأربعاء 14 مارس 2007م الموافق 24 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً