انفردت صحيفة «الحياة» (السبت) بمانشيت عن «رسالة أميركية للعراق: إذا فشل الاتفاق فلا أمن ولا اقتصاد ولا مؤسسات».
الخبر أخذ يتفاعل عراقيا، فأعلن رئيس الوزراء (المالكي) أنه سيعرض الاتفاقية بعد التعديلات على دول الجوار، أما رئيس إقليم كردستان (البرزاني) فقد عرض على واشنطن قواعد عسكرية في حال فشل التوقيع على الاتفاق.
من يقرأ رسالة التهديد الأميركية يقف على حقيقة الأمور، فهي تعكس موازين القوى على الأرض، بين دولة احتلالٍ تهيمن على سياسة العالم، وبين دولةٍ ذات حجم أقل من متوسط واقعة تحت الاحتلال... عانت ثلاثين عاما من الحكم الديكتاتوري المدمّر، وعشرين عاما من الحروب العبثية، وخمسة عشر عاما من الحصار الظالم الذي شارك فيه القريب والبعيد.
أهون ما في الرسالة الأميركية سحب استثمارات قدرها 23 مليار دولار، وخسارة العراقيين 200 ألف وظيفة، وإلاّ فإنها خطة شاملة لتقويض مستقبل العراق، إذ تتحدّث بكل وقاحةٍ عن مخاطر «الممانعة»، على الأمن والاستقرار؛ والمال والاقتصاد؛ وتطور المؤسسات.
ومع قراءة التفاصيل، تكتشف حجم الابتزاز الأميركي للعراق. فإذا لم توقّعوا، سنوقف حمايتنا الأمنية لفرق إعادة الإعمار وننهي مشاريعها المقدّرة بـ 4.9 مليارات، ونلغي مشاريع البنية التحتية للملاحة الجوية. أما من ناحية المؤسسات، فسنوقف حماية المنظمات الدولية العاملة فتنسحب من بلدكم، وننهي مهمة بعثة حلف الناتو لتدريب قواتكم التي يتخرّج منها 6 آلاف شرطي. وستقبضون الثمن في الخدمات ومشاريع التنمية، وتلاشي حكم القانون.
أما من ناحية الأمن والاستقرار، فسنرفع الغطاء الجوي والحماية البحرية لمياهكم الإقليمية، وسوف نجمّد عمليات مراقبة الإرهابيين ورصد العبوات الناسفة ومخازن الأسلحة. والأهم من ذلك، سنطلق سراح المعتقلين لدينا، ليواصلوا جهادهم وعملياتهم «الاستشهادية» ضد أطفالكم ونسائكم ورجالكم وعمّالكم في الشوارع والمطاعم والمساجد والأسواق. حتى المحاكم والقضاة، سنرفع عنها الحماية الأمنية، فماذا ستفعلون؟
سياسيا، سنعرقل ما تحقّق من تقدّمٍ على مستوى إعادة العلاقات مع الدول الأخرى، وستستمر عزلتكم الدولية لأن خيوط اللعبة في أيدينا. فإذا لم توقّعوا لن يطأ السفراء الجدد أرض مطار بغداد، وسنعرقل مشاريع بناء السفارات الجديدة.
الرسالة تتحدّث عن وقائع على الأرض، وموازين قوى، وقوةٍ امبراطوريةٍ جاءت لتقيم قواعد عسكرية دائمة، على شاكلة قواعدها المنتشرة في أكثر الدول العربية والإسلامية المجاورة. وامتحان العراق في هذه اللحظة من التاريخ: كيف يشخّص مصلحته ويرسم ملامح مستقبله ويقرّر مصيره بالعودة إلى رأي الشعب، بعيدا عن العنتريات والمزايدات الواردة من وراء الحدود، وخصوصا ممّن حوّلوا بلدانهم إلى قواعد عسكرية للإيجار، وحوّلوا شعوبهم إلى قطعان من الماعز والضأن.
عربيا، كل ما فعلته سورية حتى الآن مفهومٌ للردّ على اعتداء البوكمال، إلاّ خطوة سحب بعض قواتها، الذي عادت لنفيه في اليوم التالي، ومع ذلك وصلت رسالة التهديد للأشقاء العراقيين قبل الأميركيين المحتلين. فجهاد الخازن الذي زار دمشق مؤخرا، صوّر الأجواء هناك، من ناحية زيادة العداء للأميركان. ونقل عن أعلى المصادر قولها: «عندما كانت هناك 50 عملية انتحارية في العراق يوميا، لم تشن القوات الأميركية مثل هذه الغارة علينا». وختمت الرسالة بالقول: «عندنا 1200 عنصر من القاعدة في السجون، يريدون الذهاب للعراق لقتل الشيعة وإثارة فتنة مذهبية لا مقاتلة الأميركيين».
حمى الله العراق من الفتن والمحن، وخلّص شعبه من مخالب الاحتلال والإرهاب
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2250 - الأحد 02 نوفمبر 2008م الموافق 03 ذي القعدة 1429هـ