عندما نتناول موضوع المرأة في أية زاوية من الزوايا نشعر بالغصة لا لكوننا نساء ونتعاطف كثيرا مع قضايانا على رغم مشروعية هذا الحق ومبرراته المنطقية، ولكن لكون موضوع المرأة وملفاتها متشعبة ومتداخلة إلى حد التعقيد علاوة على أنه لا يوجد هناك من يحاول تذليل الصعوبات والعقبات بإرادة حقيقية والجميع يشترك في ظلمها وتجاهلها ولكن بنسب متفاوتة تزيد عند البعض وتقل عند الآخر ولكن الجميع في الهواء سواء بسواء أقولها بأمانة وبلا مجاملة أو مواربة بما في ذلك المرأة نفسها.
وعندما نحاول أن نتلمس الأسباب ونضع أيدينا على المعوقات وعلى الجروح نشعر بالألم والوجع والأنين الذي لا يقف عند حد، ونستشعر بأن الحل الوحيد للحال الشعورية هو إما تجاهل الملف برمته تماما كما يتجاهله الكثير من الأفراد أو التقليل من أهميته أو حتى نسيانه إن أمكن حتى يتم نسيان آلامه الموجعة.
فيما يلي أهم المعوقات التي أظن أنها سبب من الأسباب لتعقد وضع المرأة من دون المشاركة في الحياة السياسية بشكل ينسجم مع طموحاتها ورغباتها الشخصية باعتبارها نصف المجتمع ومع ذلك يبقى معطلا ومشلولا.
المرأة البحرينية حصلت على حقها السياسي كمرشحة وناخبة من دون المرور برحلة طويلة من المطالبات ومحنة الانتظار الطويل بمعنى أنها أوفر حظا من أختها في الكويت، ومع ذلك أغبط أختي المرأة الكويتية، ولعل سائل يسأل وهل الكويتية تستحق مني ذلك؟ على رغم أنها حصلت على حقها السياسي متأخرا وبعد رحلة طويلة من المطالبات والمطبات والمنعطفات السياسية التي لم تخلُ منها تجربتهن المريرة؟ أقولها وبكل قناعة: نعم تستحق منا ذلك، لأننا حرمنا نحن أصلا من حلاوة النصر ومن لذة النضال في هذا الشأن وضاعت علينا مرحلة كانت ستحسب إلى المرأة وسترفع من إسهاماتها بل ستقنع قواعدها بعلة إصرارها على مطالباتها وستكون مشاركتها في الحياة السياسية ممهدة إلى درجة كبيرة، لكونها أحد مكونات الانجاز، الآن وبحسب المشهد الحالي فإن المرأة لا دور حقيقيا فيه، بخلاف ما هو الحال بالنسبة إلى الكويتية إذ جاء الانجاز موصوفا بحركة المرأة النضالية فاستحقت كل الاحترام والتقدير لأنهن جزء لا يتجزأ من الانجاز.
ما حدث في البحرين أن المرأة البحرينية حصلت على حقها السياسي على طبق من ذهب، وفي فترة من الفترات وقبل حصول الكويتية على حقها كانت النساء يحسدن البحرينيات، ويا سبحان الله تنقلب الصورة لنجد أنهن فعلا من يستحقن ذلك فالمرأة أولا لم تقدر ما حصلت عليه، فلم يساهم أصلا الحق في رفع مستوى الوعي السياسي لدى المرأة، كما أن المجتمع بأسره لم ير في مشهد مشاركة المرأة في الحياة السياسية إلا من زاوية المصلحة الخاصة بدليل أنه تمت الاستفادة من جميع أصواتها لصالح أخيها الرجل والدليل القاطع على صحة ما أقوله النتائج التي آلت إليها الانتخابات في الدورتين الأولى والثانية وخروج المرأة من الانتخابات بخفي حنين.
هذا إلى جانب تخلي الجمعيات السياسية عن المرأة كمرشحة والاعتراف بها فقط كناخبة والتعامل معها كأداة لإيصال المرشحين، بدليل أنها لم توضع على قوائمهم الانتخابية سوى جمعية وعد ومع ذلك لم تدعم سوى امرأة واحدة فقط ولم يحالفها الحظ في الفوز في حين القائمة تتكون من ستة مرشحين، وبقية الجمعيات السياسية لم تضعنهن على قوائمها لأسباب لا تبدو مقنعة من وجهة نظر المراقب السياسي، وفوتت عليها فرصا كانت فعلا مواتية وممكنة وكان من المتوقع أن تحسب في رصيدها من دون أدنى شك، ويبدو أن موقف الجمعيات السياسية من المرأة أبان العمليات الانتخابية أنه موقف استغلالي إذ استغلت وجود المرأة وقوتها الصوتية بغرض إيصال مرشحيها إلى المقاعد مستغلين في ذلك قلة الوعي السياسي لدى القطاع النسائي وتدني رغبات وطموحات المرأة في المشاركة السياسية خصوصا والحياة العامة عموما.
في حين بدت بعض الجمعيات السياسية أكثر ذكاء في التعاطي مع المرأة المرشحة، فقد أعلنت دعم بعض المرشحات المستقلات لذر الرماد في العيون من جهة وحتى تتم الاستفادة من وهج دعم المرأة إعلاميا، لا يمكن أن نلوم الجمعيات السياسية التي تشارك فيها النساء وحتى بأعداد قليلة كما يقال على الدوام، ونترك الجمعيات النسائية المعنية بالدرجة الأساس بقضايا المرأة فقد وقفت موقف المتفرج وكأن الأمر لا يعنيها بأي شيء كما توصف الحركة النسائية عموما بأنها ناعمة نائمة فاترة لا تنسجم مع وضع المرأة المربك وطموحاتها السياسية وحجم العطاء التي تمتلكه المرأة حتى ضمن نشاطاتها الاجتماعية ودورها الرائد من الخمسينات.
عموما لم تنجح الآليات ولا حتى أدوات الضغط المجتمعية في إيصال إحدى المرشحات لمواقع صنع القرار السياسي وكأن موضوع مشاركة المرأة في الحياة السياسية لا يمثل أحد أولويات عملهن المؤسساتي فقد تنصلن من إبداء مواقفهن وردود فعلهن وفضلن مراقبة المشهد السياسي وبعد انجلاء غبرة الانتخابات بدأت رحى التحليل والتشخيص تبدو طافية على السطح، لكن ما يميز التحليلات هذه المرة تكرارها وعدم صدقيتها فضلا عن تقديم رؤى على استحياء، وتفوقت عليهم الحكومة كثيرا في هذا الشأن.
أبرز معوق هو عدم وجود الوعي الحقيقي لدى المرأة كشريك في الحياة السياسية على رغم وجودها الفاعل في ساحة العملية الانتخابية إذ إن البعض يرى سر وصول غالبية المرشحين هو نزول المرأة إلى الواقع الميداني والعمل على إيصالهم، لا ننسى أن المرأة تتميز عن أخيها الرجل بقدرتها على الوصول لجميع الناخبين في كل مكان بما في ذلك المناطق السكنية، وبحسب المشهد الحالي ونتيجة خيبات أمل كثيرة صار لابد من ضريبة تجبى وخصوصا أن هناك قلة قليلة من النساء الناشطات البارزات في الساحة يتحملن وزر ضعف مشاركة القطاع النسائي وتدني مستويات طموحاتهن في المشاركة السياسية.
وللأسف الشديد هناك من المعوقات الاجتماعية ما يندي له الجبين إذ إنه لاتزال هناك شريحة بيننا تقبل بأن تكون المرأة أم وزوجة وأخت وزميلة لهم في العمل ولكنهم لا يقبلون أن تكون ممثلة لهم في موقع سياسي، والبعض لا يتوقع لها أن تكون ممثلة للشعب طالما أن هناك أحياء من الرجال، وأنه في حال موت الرجل فإنه سيكون من الضرورة بمكان أن يكون هناك مكان رحب للمرأة.
هناك الكثير من الجمعيات السياسية لاتزال تمارس تمييزا سلبيا ضد المرأة كما أنهم لايزالون يتعاطون معها بنظرة منقوصة داخل أروقة الجمعيات فما بالهم بالتفكير بتمكينها سياسيا واجتماعيا ويضمنون لها المشاركة الفعلية في الحياة العامة؟ إلى الحد الذي اضطر البعض أن يفرض كوتا داخلية للمرأة حتى لا يتم نسيانها.
الجانب الرسمي أيضا مقصر على رغم إقراره لمبدأ مشاركة المرأة في الحياة السياسية لكونه أصلا يعطي ظهره للتدابير المساعدة لمشاركتها السياسية كإقرار الكوتا الرسمية أو إلزام الجمعيات بوضع المرأة على قوائم المرشحين، ويحاول أن يضع العقدة في المنشار بدلا من العمل على حلحلتها.
كان ذلك غيضا من فيض حيال بعض المعوقات لمشاركة المرأة في الحياة السياسية، الجميع يشترك في تشكيل الهم والجميع يتنصل من الوقوف بجدية تجاهها، في وقت أن الجميع يرفع شعار تمكين المرأة والكل يغني على ليلاه، وبعد أن انتهت موضة التمكين السياسي للمرأة اتجه الحديث إلى التمكين الاقتصادي ولنا وقفات معه.
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1651 - الأربعاء 14 مارس 2007م الموافق 24 صفر 1428هـ