ضمن برنامج مهرجان «ربيع الثقافة»، استضاف معرِض البارح للفنون التشكيلية، الفنانة السعودية شادية عالم. وُلِدَت الفنانة بمدينة مكة المكرمة، وأمضت فترة من حياتها ومن طفولتها في مدينة الطائف، لتستقر بعد ذلك في ذرة البحر الأحمر، مدينة جدة.
عملت في مجال الفن بشغف، لم تصدر موهبتها عن دراسة أكاديمية، إلا أن حبها الفن التشكيلي ظهر سريعا، أقامت معرِضها المنفرد الأول بالسعودية، إذ افتتحته الأميرة السعودية جواهر بنت ماجد بن عبدالعزيز، غير أنها شاركت في الكثير من المعارِض المشتركة، سواءٌ أكانت داخل المملكة العربية السعودية أم خارجها، حصدت خلالها الكثير من الجوائز، أشهرها المركز الأول في مسابقة الخطوط الجوية البريطانية، فأصبحت أعمالها زخارفَ على جسد طائرات الخطوط البريطانية المتجهة إلى السعودية.
تميزت أعمال شادية بتقنية عالية، سواء أكانت من التصور الفلسفي وراء المواد المستخدمة، أم من حيث معالجاتها المواضع، فالكثير من أعمالها عبارة عن فن مركب، هو حال بين حداثة ناضجة، يمكنها أن تمس الحاضر بكل تقاطعاته، وتراث شكّل ذاكرة الفنانة، وتذهب عالم في معارِضها بعيدا، كموقف وجودي وموقف اجتماعي، فحين قدمت في المعرِض المشترك - الذي أقيم بمعهد العالم العربي بباريس - كان حضورها وأعمالها محل تقدير كثير من النقاد، وفي الوقت نفسه، كان عبارة عن موقف ضد وضع المرأة السعودية، وما يدور حولها من كلمات تنتقص من قدرتها. ولعل عملها مع شقيقتها الكاتبة رجاء عالم، وجنيات لار، شكل نقطة مهمة في تجربة الفنانة، فقد أظهرت جنيات جنوب السعودية يرتدين الحلي الجنوبية، مع الحناء ونقوش الزينة الشعبية، بأرجل وأيدٍ ممتلئة بزخارف تنتمي إلى التراث الجنوبي، وفي جانب آخر تميزت هذه الجنيات بألوان تشعل فيك قوة وإثارة هذه الحساسية، كما تبز هذه الأجساد الخاصة بالجنيات جمالية الحركة والانحناءات الأنثوية.
قال عنها الناقد الكبير أسعد عرابي: «تعتبر شادية عالم رمزا حداثيا متقدما مشبعا بعبق الثقافة السعودية. تتجاوز قوة التعبير لديها الحدود التي وقفت عندها تعبيرية فرانسيس بيكون؛ لذلك فإن تجربتها تنتمي نقديا إلى (التعبيرية المحدثة) وهي التي خرقت شتى القواعد النقدية الجاهزة في التشخيصية؛ لأنها أعادت استثمار شتى مواطن الهذيان و(الفن البكر) وسواها». وقد أظهر إعجابه بتجربة عالم، سواء رجاء أو شادية، معتبرا أن هذا التوأم يرشح إبداعا مذهلا، وخصوصا في تجربة «جنيات لار».
وفي معرِضها الأخير قدمت عالم قرابة ثلاثين عملا، بينها أعمال أنجزت بالزيتي والإكرليك والحبر، وفي مدخل الصالة من الجهة اليمنى، تقع أعمال الوجوه، والنساء الحزينات، إذ حملت في معظمها ألوانا داكنة، وشحنة فاقعة من الحزن، وكلها ماعدا واحدة منها مغلقة العيون، تظهر منها الحلي والأقراط التراثية. تميزت هذه الوجوه بملامح غير واضحة، وأقراط كبيرة الحجم، وهي قرابة تسعة أعمال.
أما الجهة اليسرى فقد سكنتها أعمال كبيرة، هي عبارة عن ثلاثة أعمال، كانت ألوانها فاقعة، تميز فيها الأخضر والأصفر بدرجاتهما. توحي الأشكال بوديان وجبال، تظهر منها بيوت وأخاديد جبلية، ومنحدرات خضراء، بعضها كان ممسوحا بلمسة تجريد، في حين ذهب واحد من هذه الأعمال إلى شيء من الواقعية إذا صح التعبير، فتظهر أشكال البيوت والمنحدرات بصورة واضحة، تكاد تكون أشبه بالواقع.
أما الصالة الداخلية فقد احتلتها أعمال «الانستيليشن»، وهي أعمال دخل في معالجتها الحاسوب، وهي عبارة عن قاعدة أسلاك، تم تصويرها والعمل عليها بأنساق ومعالجات الحاسوب، وفي الجانب الآخر صور أناس، تمت معالجتهم بالكيفية نفسها. تظهر الصور عموما قوية وصلبة، في حين كانت مغايرة للمادة الأصلية، وهي القاعدة التي تنهض عليها الأسلاك، والموضوعة في طرف الصالة. هذه الأعمال شكلت الجزء الأكبر من معرِض عالم.
أما في منحنى الصالة، فقد قدمت فيه عالم نماذجَ من تجربتها مع الحبر، إذ برزت ست عشرة لوحة، كلها تمت بالحبر، يمكن للمتلقي لها لأول مرة أن يحسبها طباعة، ولكنك حين تقترب منها يمكنك أن تحس بالحبر وهو يقيم في اللوحة. كانت أعمالا تحمل قيمتها الفنية، سواءٌ أكانت في توزيع المساحات الفراغية أم اللونية، وقد استخدمت عنصر الحرف العربي في تكوين أعمالها. عالم في هذا المعرِض قدمت نماذجَ مختلفة من تجربتها، وبمساوقة هذه الجوانب الأخرى من التجربة يظهر التجريب بارزا لدى عالم؛ ما يشعرنا بأن التجربة في مراحل متقدمة، أو مراحل انعطافة، سواء أكانت على مستوى الموضوع، أم المعالجات.
العدد 1651 - الأربعاء 14 مارس 2007م الموافق 24 صفر 1428هـ