العدد 1650 - الثلثاء 13 مارس 2007م الموافق 23 صفر 1428هـ

معركة «إخصاء» الصحافة!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يروي لنا التاريخ عن عادةٍ قديمةٍ كانت تُمارسها كثير من الحضارات، وهي خصي «العبيد»، ليطمئن الحكام على نسائهم وبناتهم من الرجال (العبيد) الذين يخدمونهم. وكلمة «العبيد» هنا ليست دقيقة، فالأصح أنهم «مستَعْبَدون»، كما انها كلمةٌ مرفوضةٌ لا تليق بالبشرية على الإطلاق، وهو ما عبّر عنه أبو العلاء المعري في إحدى لزومياته:

ويقول داري من يقول وأعبُدي...

مَهْ! فالعبيدُ لربِّنا والدارُ.

ولو سادت هذه الفكرة الإنسانية لقضى الناس حياتهم على هذه الأرض في عدلٍ وطمأنينةٍ واستقرار، بعيدا عن التطاحن السياسي والاقتصادي والطبقي والطائفي.

عادة «الإخصاء» إذا كانت موجودة في قصور العالم المختلفة، بدءا من البيزنطيين والإغريق وانتهاء بالعرب والأتراك، لاعتمادهم على الخصيان في حراسة قصور الحريم. وكانت العملية تتم بقطع خصيتي الطفل المسكين قبل بلوغه لتنقطع شهوته عندما يكبر، فيشبّ غير ميّال للنساء. رغم ان الإسلام حرّم الإخصاء حتى لو كان عقابا، ووضع رادعا لهذه الجريمة كما يُستلهَم من معنى الحديث النبوي الشريف: «من خصى عبده خصيناه».

في التاريخ الإسلامي، ينقل المؤرخ المسعودي أن أول خليفة اشتهر بتعلّقه بالخصيان هو الأمين بن هارون الرشيد، فهو الذي «قدم الخدم والخصيان وآثرهم ورفع منازلهم حتى إن والدته زبيدة أشاعت عادة الغلاميات لاجتذابه نحو النساء»، (والغلاميات فتيات صغيرات يلبسن لباس الغلمان).

وفي فترة تمدّد الاستعمار الغربي الجشع، تم استنزاف القارة الإفريقية من القوى العاملة فيها، وتحويلهم للعمل سخرة في المزارع الشاسعة في العالم الجديد، بحيث يتم استنفاد قواهم الجسدية في العمل العضلي الشاق بعد إخصائهم.

أما في العصر الحديث، فقد استخدمت بعض الدول الغربية تجربة «الإخصاء الكيماوي»، على المدانين في جرائم اغتصاب واعتداءات جنسية متكرّرة، بإعطاء دواء يؤثر في نسبة الهرمونات في الجسم ويكبح الشهوة. بل ان وزير «العدل» الفرنسي عام 2004 أيّد هذه السياسة بسبب تزايد الجرائم الجنسية في بلاده. وفي 1996 عُدّل قانون الإخصاء في أميركا نفسها بتجويز إخصاء المجرم أو اتخاذ إجراء طبي لتخفيض مستوى التستيرون في جسده. وفي كل الحالات المذكورة، كانت هذه الجريمة البشعة تتم بطبيعة الحال دون رضا أو موافقة «العبيد» أو «المجرمين».

هذه الأيام... تشهد البحرين حركة رجعية رسالتها الوحيدة «إخصاء الصحافة البحرينية»! فهناك تحريضٌ شرسٌ على المجتمع الصحافي، واتهامٌ معلنٌ على رؤوس الأشهاد للصحافيين البحرينيين بأنهم يهددون «الأمن الوطني»! وبطبيعة الحال من يهدّد الأمن الوطني فجزاؤه جهنم وبئس المصير!

هذه العقلية الإقصائية التحريضية، «المتفرعنة»، المريضة، تعيش في دواخلها عقدة «العبيد» و»الأسياد». ولأنها مستعدةٌ للمساومة على كل شئ، وبيع كل شئ، فإنها لا تتخيل أن يكون هناك أناس يستعصون على البيع والشراء والارتشاء. ويصل الغباء أحيانا ببعض هؤلاء المخصيين إلى الظن بأن الكتابة «المسئولة» و«المباشرة»، هو مجرد «استفزاز» لكي ينتهي الأمر إلى رفع قضايا في المحاكم، لرفع رصيد الكتاب الشخصي!

أخيرا... مؤلمٌ جدا أن تجد زملاء لك في الصحافة يتآمرون على الصحافة وينصبون لزملائهم الفخاخ. ومن يفترض أن يكونوا أعوانا لك في الدفع بمسألة الحريات العامة وصيانة حرية التعبير، تكتشف أنهم يتآمرون على حرية الصحافة وملاحقة الصحافيين.

بالأمس كان الإخصاء يتمّ كرها، إلاّ إذا استثنينا ما كان يقوم به بعض الصوفيين بدعوى الزهد في الدنيا! أما اليوم فيتمّ طوعا على أيدي كتيبةٍ من دراويش الكلمة، لا يعرفون الزهد في الدنيا، يقودون معركة «إخصاء الصحافة»... وهي معركةٌ خاسرةٌ بكل تأكيد في هذا الزمان.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1650 - الثلثاء 13 مارس 2007م الموافق 23 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً