في جو من الإحباطات البيئية وخيبة الأمل ولاسيما فيما أملناه من جهات كثيرة كان بيدها بل ومن واجبها حماية البيئة ولم تفعل، ومن الألم لما لاقيناه من حروب ممن كان عليه دعمنا ومساعدتنا وتشجيعنا، في ظل ضغط العمل الكبير وإرهاق المسئوليات البيئية التي تزداد كل يوم، ومع ازدياد علمنا بما يحدث وازدياد التدمير البيئي الواقع، وفي جو تأتي فيه كل مكالمة جديدة أو رسالة هاتفية أو رسالة على «البريدون» بمسئولية جديدة أو إحباط جديد، في ظل كل ذلك جاءت رسالتها عبر هاتفي النقال لتقول: (أستاذة خولة لقد ازرعت اشيرة مريم).
هذه الرسالة التي أنوي الاحتفاظ بها ما حييت وأرجو ألا تخذلني التقنية في ذلك، هي موضوع مقال هذا الأسبوع.
مريم «عزيزتي» تلميذة بالصف الإعدادي الأول بمدرسة قرطبة ببلاد القديم حيث نمت وازدهرت النحيل عبر مئات السنين، زرت مدرستها مع نهاية الأسبوع الماضي بعد زيارتي لمعهد الشيخ خليفة بالمحرق، وفي صف ريم تحدثت كثيرا عن تلميذ مميز من معهد الشيخ خليفة وإجاباته الرائعة لأسئلتي (التي سأفرد لها مقالا آخر)، وفي صف مريم تحدثت مريم وزميلاتها معبرات عن آرائهن واجبن أسئلتي وطرحن عليّ الأسئلة في نقاش ضمن النقاشات التي أثيرها لدى تلامذة مدارس البحرين عندما أزورهم وأقدم معهم محاضرة تتحول في الغالب إلى حلقة نقاشية عن الوضع البيئي في البحرين وما يجب أن يكون عليه ودورنا في تحويل الواقع إلى المأمول.
يبدو أن «مريم» الصغيرة أصغت إلى ما قلته بانتباه ويبدو أنها تأثرت بما ناقشناه عن تلوث الهواء وأهمية الأشجار والواقع المؤسف للنخلة البحرينية وواجبنا جميعا تجاه الوطن وبيئته وتجاه الأجيال المقبلة، اقترحت على مريم وزميلاتها أن تزرع كل منهن نخلة وان تسمي تلك النحلة باسمها واتفقنا أن تزرع في المنزل أو المدرسة أو مكان قريب تستطيع التلميذة الوصول إليه ورعاية النخلة بنفسها وشددت على أهمية أن تزرع النخلة في مزرعة قائمة ما أمكن ذلك كأكبر انجاز لاختيار مكان مناسب للنخلة، واتفقت مع تلميذاتي على أن ترسل لي كل منهن رسالة على هاتفي متى تم ذلك. عندما غادرت المدرسة كنت أتساءل عن مدى اقتناع التلميذات وأتساءل إن كان يوما واحدا أو ساعة واحدة (وهي المدة التي أحظى بها عادة مع أي صف معين من الصفوف طوال الحياة) كاف لإيصال تلك الرسالة وتعزيزها وحفظها من النسيان والتلاشي وبالتالي إن كانت تلك الساعة قادرة على بث وعي بيئي حقيقي لدى أي من تلاميذي الصغار؟ وكنت آمل أن يكون لتلك الساعة (بصدقها وما عشناه معا - أنا وتلاميذي الصغار والكبار - من هموم بيئية ونقاش لبعض الحلول) أثرها في توجهات وسلوكات تلك التلميذات وغيرها من تلامذة مدارس البحرين.
الجهد والوقت الذي يبذل مع كل صف أو مدرسة هو استثمار، ودائما ما نرجو أن يؤتي ذلك الاستثمار نتائجه الطيبة لنشعر أنه في مكانه.
وقليلا ما تصلنا أية علامات أو مؤشرات ولكننا نأمل في أن النتيجة ستكون في نفوس ومشاعر وتوجهات وسلوكات التلاميذ في كل مرحلة من مراحل حياتهم وفي كل موقع خصوصا عندما يكبرون ويتبوءون أماكنهم المستقبلية؛ فمن الصعوبة بمكان قياس أثر التوعية البيئة أو قياس الوعي البيئي.
عندما وصلتني رسالة مريم انها مؤشر يطمئنني به السميع البصير العليم الخبير عالم الجهر وما يخفى أن استثمارنا في مكانه!
سعادتي بتلك الرسالة لا توصف! سأتصل بمريم لاحقا لأذهب معها لرؤية نخلتها فهي النخلة الأولى التي يصل إلى علمي أنها غرست استجابة لاتفاق: «سأغرس شجرتي» بين جمعية أصدقاء البيئة وطفل من خارج لجنة ريم للقادة البيئيين الصغار.
مريم العزيزة
سنأتي لزيارة نخلتك والتي ستكبر بعون الله ويستظل بها الإنسان والحيوان والنباتات الصغيرة وتأوي أعشاشا للبلابل البحرينية الجميلة، ويأكل من ثمرها الطير والإنسان وتساهم تلك النخلة في تنقية الهواء - ولاسيما البيئة في البحرين تتعرض للهواء الملوث وبشكل مخيف من المصانع ووسائل النقل والحرائق - ويستفيد من سعفها و «خوصها» وأجزائها الأخرى البحرينيون المهرة، فيكون ذلك كله في ميزان أعمالك الصالحة بإذن الله أنت ومن ساعدك ولتكن هذه دعوة مفتوحة للجميع أطفالا وكبارا: «اغرس/ اغرسي نخلة قبل نهاية هذا العام» مع التعهد برعايتها والاهتمام بها إسهاما منك في حماية البيئة وتحسين الوضع البيئي.
والأهم من ذلك إذا كانت لديكم مزرعة فاحرصوا على أن تحافظوا عليها وأن تظل المزرعة مزرعة كمزرعة السيدة وفاء ابل ووالدتها المحبة للخضرة أطال الله عمرها، بمنطقة الحزام الأخضر بعراد وجاراتها من المزارع الجميلة المنتعشة نخلا وزرعا ومنتجات زراعية وتغريد بلابل وجوا منعشا جميلا ينقل من يصل المزرعة على مفهوم عملي لمفهوم «الأشجار تنقي الجو».
إقرأ أيضا لـ "خولة المهندي"العدد 1650 - الثلثاء 13 مارس 2007م الموافق 23 صفر 1428هـ