قيام «معهد التنمية السياسية» بدعوة الكتاب والصحافيين، من أجل طرح موضوعات مهمة وحيوية تتعلق بالشأن العام في البحرين، هي خطوة في الاتجاه الصحيح. وفي اعتقادي بأن مسألة «تعزيز الوحدة الوطنية»، التي طرحها «المعهد» في باكورة لقاءاته، هي من الأهمية بمكان بحيث تأتي على سلم الأولويات لأي مواطن بحريني. وبعدها تأتي القضايا تباعا.
أهمية المحافظة على السلم الأهلي العام، والهدوء الطوائفي في المجتمع، هو الركيزة الأساسية للتنمية في أي بلد. من غير أن نغفل هنا، عن التأكيد على أهمية التنوع الديني والمذهبي والعرقي في البحرين. والمساهمة الإيجابية لهذا الثراء الثقافي والتنوع الاجتماعي والتعدد السياسي في المجتمع البحريني على مر العصور.
في اعتقادي أن تعزيز الوحدة الوطنية يقوم على عدة مرتكزات أساسية، أهمها على الإطلاق ترسيخ فكرة المواطنة، وفكرة الولاء للدولة، بما هي نظام سياسي قائم، وليس للقبيلة أو العرق أو الطائفة والمذهب.
المواطنة ترتبط أساسا بعدة عوامل أساسية في المجتمع. لعل أهمها أن لا تمايز أو تمييز بين الناس على أساس القبيلة أو العرق أو الدين أو الطائفة أو المذهب أو اللون أو الجنس.
المواطنة تعني الانتماء إلى الوطن كدولة قائمة والتعامل مع النظام السياسي القائم بأنه يمثل الجميع... فكرة الدولة هي التي يجب أن تسود، ليس فقط تطبيقات الدولة في الأجهزة التابعة لها، بل أيضا في المجتمع بمختلف مؤسساته الدينية (المآتم والمساجد)، والسياسية (التنظيمات السياسية)، والاجتماعية (الصناديق والمؤسسات الخيرية).
ثنائية الطرح والتلقي يجب أن تصب في اتجاه تكريس المواطنة. ولا شك بأن المسلمين الأوائل اختلفوا كثيرا في التفسيرات الدينية، بل وداخل الطائفة الواحدة. هذا التمايز أو أدب الاختلاف، كما يطلق عليه في المدونات التراثية الدينية، كان عامل ثراء للإسلام. ولم يكن أحد من فقهاء المدارس الإسلامية المختلفة أراد أو كان باستطاعته أن يحمل الناس على مذهب واحد. ولذلك كان التنوع مصدر ثراء في المجتمع الإسلامي.
اليوم تعاني المجتمعات العربية والإسلامية، والبحرين منها، من مسألة الإقصاءات المتبادلة، والتمييز الذي يصل حد الجرم والجناية في حق المختلف معنا في المذهب. بل أكاد أجزم بأن هذه الحالة المرضية، كما أشار النادر نادر كاظم إليها في كتابه «طبائع الاستملاك»، هي الحال المسيطرة علينا في المجتمع، ومن قبل جميع الأطراف.
بإمكان معهد التنمية السياسية أن يلعب دورا أكبر مما قام به في الفترة التأسيسية السابقة، ومن الممكن أن يعزز فكرة «المواطنة» أو «المواطنية» لدى البحرينيين من خلال الاعتماد على كثرة من المواقف الصلبة كانت في الماضي نقاط التقاء وتقاطع بين الطائفتين الكبيرتين في البلاد، لعل أهمها على الإطلاق تجربة هيئة الإتحاد الوطني. وبإمكان «المعهد» إثارة أسئلة عن مسألة الوحدة الوطنية وصوغ الحلول المناسبة لها؛ التي قد تكون في كثير من الأحيان مفاتيحها بيد السلطة، أكثر منها بيد الكتاب والصحافيين!
«عطني إذنك»...
لماذا هذا العزوف عن حضور ندوة مهمة تتعلق بشأن حساس طالما طالبنا السلطة بفتح حوارات بشأنه؟ وطالبنا السلطة بإيجاد حلول مناسبة ومخارج ملائمة لكبح الشعور الطائفي المتنامي لدى الناس. لماذا هذه القطيعة مع «المعهد» وهو يمد يده من أجل خلق حوارات وإعادة صوغ رؤى تعتمد المواطنة بدلا من الطائفة؟! وهي مسألة أهم ما يتداوله الكتاب بأقلامهم يوميا، مع كامل الاحترام والتقدير لأقلامهم!
غياب الصحافيين ليس مبررا، وخصوصا غياب جمعية الصحافيين والنقابة التي هي قيد التأسيس!
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 1648 - الأحد 11 مارس 2007م الموافق 21 صفر 1428هـ