العدد 1648 - الأحد 11 مارس 2007م الموافق 21 صفر 1428هـ

السعودية وإيران المبادرة والتحديات

الشيخ محمد الصفار mohd.alsaffar [at] alwasatnews.com

وتنفس العالم الإسلامي الصعداء والسعداء وهو يتابع المبادرة الريادية التي يقودها قطبان مهمان في عالمنا الإسلامي، القطب الأول هو بلادنا (المملكة) وهو البلد المضيف والمنتهي لتوّه من لقاء مكة الذي لمّ الشمل الفلسطيني، والقطب الثاني هو (إيران) المتجاوبة دائما مع كل عزة ومنعة للإسلام والمسلمين.

محور اللقاء الرئيس كان واضحا كما عكسته وسائل الإعلام فقد نشرت صحيفة اليوم السعودية 15 فبراير/ شباط 1428 هـ ما نصه:(وأكد الزعيمان على أن الخطر الأكبر الذي يتهدد الأمة الإسلامية في الوقت الحاضر هو محاولة إذكاء نار الفتنة بين المسلمين سنة وشيعة وأن الجهد يجب أن يتوجه لصد هذه المحاولات وتوحيد الصف).

لن يكون الجهد سهلا لكلا البلدين، لأنهما سيعزمان السير في عكس اتجاه التيار الذي يبدو جارفا حتى هذا الوقت العصيب، فأمامهما طوفان من المحرضين والمذكين لنار الفتن بين المسلمين، الذين امتهنوا الإثارة والتحريض وأتقنوا فنون التجييش، وتخصصوا في اللعب على العواطف، وتسلحوا بفهم مغلوط للدين، فرخصت عندهم الدماء والأعراض والأنفس، واستهتروا بمصالح الناس، بعد أن تكررت الآراء التكفيرية، والمقولات الاستفزازية.

المملكة وإيران أمام تحد عظيم وثمنه باهظ الكلفة فيما أظن، لكن ثماره تستحق أن يبذل لها كل غال ونفيس، ونتائجه على الأجيال هي أفضل هدية يمكن أن نقدمها أو أن نكنزها لهم.

إذا قررت المملكة وإيران مواجهة من يذكون نار الفتنة بين السنة والشيعة، ومن يحرضون عليها، فثمة فئات عديدة ستكون على سلم المواجهة مع هذا الطرح العاقل والحكيم والمسئول:

1/ الفئة الأولى هم الحمقى الذين تأخذهم العصبية والحمية، فلا يتركون مجالا لتفكير عقولهم في عواقب التعبئة والتحريض، لذلك يستمرون في صراخهم وكذبهم وظلمهم، بغية أن يفقدوا المجتمع قدرته على التركيز، والتأمل في الكم الهائل من الكره، والكره المتبادل بين أبناء المجتمع، جراء خطابهم التعبوي الأرعن.

العقلاء حين يشخصون مشكلا، يجهدون ويتروون مليا في كيفية التعامل معه، فيعددون الخيارات التي تعالجه، ثم يتوكلون على الله في اختيار أنسبها للحل والمعالجة، بحيث لا تستفحل عليهم المصيبة، ولا تتعدد المشكلة أو تتفرع، لأن همهم وهدفهم الإصلاح والعلاج وإعادة الأمور إلى صحتها وسلامتها، أما الحمقى فهم ألذ أعداء هذا النهج، وأبعد الناس عن وعيه وإدراك محاسنه، لأنهم صرعى توتراتهم وضحايا عصبياتهم، ولا غرابة أن تدفعهم حميتهم إلى التصدي لكل رأى وموقف عاقل.

الفئة الثانية هم المتمصلحون من أجواء التوتر والاحتقان، الذين لا بضاعة لهم سوى ما يعرضونه في مثل هذه الظروف، ولا تثبت مكانتهم (كما يظنون) إلا بإيغار النفوس، ولطالما أثبتت الأيام أن هذه الأفواه مكممة خرسة مكتئبة إلى أن تأتي مضلات الفتن، فإذا بها تتوثب وتستيقظ، ويبدأ ربيع نشاطها وحيويتها، وكأنها حربة كل فتنة وتقاتل، وصيحة كل فرقة وشتات، تتلوى حسب مصالحها الفئوية والطائفية، وتتشكل بحسب الظروف لتخلع لباسا وتلبس آخر، وتتقمص عنوانا ثم سرعان ما تتخلى عنه وتتشبث بآخر لتلبي به حدا أكبر من رغباتها وأهدافها.

الفئة الثالثة هم الجهلة، الذين لا يعرفون الدين على حقيقته، ولا يعون روحه، ولا يفهمون جوهره، وإنما يجمعون أوهاما وخرافات بنصوص مقتطعة، وجمل محرفة عن سياقاتها، وقراءات لا تنسجم ودين الرحمة والمحبة للإنسان والإعلاء من مكانته وكرامته «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا»(الاسراء:70).

ومقتل هذه الفئة هو الجهل المركب «الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعا»(الكهف :104)الذي يشعرها بالاكتفاء، ويعزز فيها شعورا كاذبا بالشبع الثقافي والديني، فلا تنبعث لعلم ولا تستنهض هممها لمعرفة أو اطلاع، فما هي فيه من رأي وتصور هو الحق وكفى.

الفئة الرابعة هم الذين لا تربطهم بأوطانهم برامج واستهدافات تعزز مكانته وترفع مستوى قوته وصلابته وتحديه، فليبق ضعيفا وليبق مقسما وليبق متصارعا ومتنازعا، فالأجندة لهؤلاء ليست داخلية وليست وطنية، إنها في الضد تماما لكل عنصر من عناصر القوة، ولكل يد تمتد للكلمة السواء بين مكوناته.

إنهم مورد التساؤل في كل المجتمعات والدول، من أين تأتي أجندتهم؟ وما هي حقيقة استهدافاتهم؟ وما الذي يريدون زعزعته من خلال نشاطهم المريب في زرع الفتنة والتفرقة بين المسلمين؟

إن كل انشقاق في الداخل هو ضعف لا محالة، وكل تصدع وهن دون جدل، وكل فرقة وتباعد يصب في مصلحة الحاقدين على أمتنا، فلصالح من يريد هؤلاء بنا الضعف والشتات الأمر والفشل؟

أعتقد أن من حقنا كمجتمع أن ننصب هذه الأسئلة على كل صرح شامخ في بلادنا وعلى كل منبر من منابر العلم والمعرفة فيها، لنزداد وعيا وبصيرة بمصالحنا ومنافعنا.

أمام هذه الطوائف وغيرها تقف الدولتان المهمتان في العالم الإسلام وترفعان الصوت عاليا (ان الخطر الأكبر الذي يتهدد الأمة الإسلامية في الوقت الحاضر هو محاولة إذكاء نار الفتنة بين المسلمين سنة وشيعة وأن الجهد يجب أن يتوجه لصد هذه المحاولات وتوحيد الصف).

بوركت هذه الوقفة وبورك هذا الصوت، وتأخره إلى هذا الوقت لا يعني أن الفرصة للإصلاح مضت وانتهت، فالطريق ما زال طويلا.

إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"

العدد 1648 - الأحد 11 مارس 2007م الموافق 21 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً