العدد 1648 - الأحد 11 مارس 2007م الموافق 21 صفر 1428هـ

صحافة أضاعت البوصلة!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

عندما أصدر تاجر اللؤلؤ البحريني عبدالله الزايد صحيفة «البحرين» الأسبوعية في مارس 1939، كتب في افتتاحية العدد الأول: «لقد صمّمت على جعل هذه الجريدة حرّة لا تُستَعبَد لأحدٍ كائنا من كان، صريحة لا تعرف الرياء ولا النفاق، ستقول عن الأبيض انه أبيض، وعن الأسود انه أسود، وإذا اضطرتها الظروف إلى السكوت، فإنها على كل حال لن تسمي الأبيض بالأسود».

هذا النص نقله الكاتب البسّام خالد البسام، في كتابه «عبدالله الزايد... شموع تضيء»، والذي وُزّع في حفل تكريم رواد الصحافة البحرينية بمتحف البحرين الوطني، في يناير/ كانون الثاني الماضي، بحضور وزير الإعلام. والنص نستحضره لنتساءل: إلى أين تتجه صحافتنا المحلية؟

ففي ندوةٍ نظّمها «معهد التنمية السياسية»، جرى تحريف الندوة عن محاورها الأصلية إلى مسارٍ آخر معادٍ لحريّة التعبير، مع إدانةٍٍ مسبقةٍ للصحافيين والمطالبة بتقييد الصحافة. وكان المفترض أن تكون محاور اللقاء نشر الثقافة الديمقراطية ودعم حقوق الإنسان، ودور الإعلام في ترشيد الأداء البرلماني وتعزيز مكانة المرأة، وتعزيز ثقافة الحوار والقبول بالآخر، إلاّ أن عددا من الحاضرين خرجوا عن آداب النقاش إلى التحريض ضد الصحافة الوطنية، والمطالبة بحبس الصحافيين... كنوعٍ من النكاية بالآخر!

مدير المعهد عبدالله الأشعل في تقديمه للندوة حاول إظهار حرصه على الخروج بشيء مفيد، لكنه لم يُوفّق في ترك أحد الفرقاء خصما وحكما في الوقت نفسه، وهو ما أخرج النقاش عن سكته الصحيحة. فمن الأفكار المغلوطة التي جرى طرحها، هو المطالبة بـ «عدم تسييس الصحافة»، وهي فكرةٌ خاطئةٌ من أيّة زاويةٍ نظرنا إليها: مهنيا أو فكرياَ أو تاريخيا. فكيف يمكن أن تكون صحيفةٌ ما يومية سياسية ولا تكون سياسية؟

الفكرة الخاطئة الأخرى هي المطالبة بأن لا يكون الصحافي «مؤدلجا»، وهي كلمةٌ سمعناها كثيرا حتى مللناها، مع انها غير واقعية، وغير منطقية، وغير تاريخية أيضا. ولو طبّقناها على كل الصحف العربية لتوجب طرد 90 بالمئة من الكتّاب والصحافيين الوطنيين والقوميين والليبراليين والإسلاميين!

واقعيا... الفكرة أقرب ما تكون إلى الخرافة منها إلى المنطق، ولا وجود لها إلاّ في خيال البعض! ولو طبقت لتحوّل المجتمع الصحافي إلى قطيعٍ متشابهٍ من المدّاحين والمطبّلين والمنافقين، ولما احتجنا إلى صحيفةٍ واحدةٍ في البحرين، فتكفي نشرةٌ حكوميةٌ من ثمان صفحات لتغطية أخبار الحكومة وتوزيعها مجانا على البيوت مع فاتورة الكهرباء والهاتف نهاية كل شهر.

فكرة «اللامنتمي» هذه لا وجود لها في الواقع، فحتى كولن ولسون المتسكّع في أحياء سوهو عندما كتب «اللامنتمي» كان منتميا! اللامنتمي، الذي يخجل أو يخاف أو يهرب من اتخاذ موقف، هو نفسه صاحب موقف. وفي بلدٍ معروفٍ بالحراك السياسي، وبالحركات الوطنية الساعية لتحقيق العدل الاجتماعي وتضييق الفجوة الاقتصادية بين الطبقات، تصبح الدعوة لنفي الايدلوجيات والمبادئ، نوعا من خيانة مسئولية القلم. وقس عليها المطالبات الأخرى، بعدم تسييس الاقتصاد أو الجمعيات أو الدين أو الرياضة أو... من أجل خلق شعبٍ لا يسمع ولا يرى ولا يتكلم، ليُقاد إلى المقصب مغمض العينين.

تاريخيا... الصحافة في البحرين وُلِدَت واعية، وتحمّلت أحيانا أعباء تفوق طاقتها الثقافية والتنويرية والسياسية، في ظلّ عدم اكتمال المؤسسات المدنية أو عجزها. والمأساة اليوم أن نكتشف أن بعض الصحافيين «أصبحوا ضد الصحافيين» كما يقول الزميل محمد فاضل، ففي عهد الانفتاح السياسي وحريّة التعبير، وبعد نصف قرنٍ من التجربة الصحافية الرائدة والخبرات المتراكمة، فقد بعض الصحافة المحلية بوصلتها الوطنية... وهذه هي قمة الملهاة.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1648 - الأحد 11 مارس 2007م الموافق 21 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً