القرار الوزاري رقم 110 للعام 2006 نفذ في الأيام القليلة الفائتة بشأن حظر استخدام سائق السيارة الهاتف الجوال وحمله باليد أثناء قيادته السيارة، وفي اليوم الأول للتنفيذ تم معاقبة (64) حالة مخالفة للقرار وبحسبة بسيطة (64 × 50 = 32000 دينار) أو في اضعف الإيمان (3200 دينار) إذا ضربناها في 50 دينارا ستكون في جيب الحكومة، وان القرار يجيز سحب رخصة القيادة في حال ثبوت استخدامه لليد في حمل الهاتف ومعاقبته بالحبس مدة لا تزيد عن ستة أشهر وغرامة لا تقل عن خمسين دينارا ولا تتجاوز خمسمئة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين، كذلك إذا ثبت انشغال السائق في الطريق بإرسال أو تلقي رسائل هاتفية فإنه يعتبر مخالفا لنص القرار، في حين أنه لا يمنع القرار استخدام سماعة الأذن أثناء ذلك سواء السلكية أو اللاسلكية.
عندما نتأمل في القرار السابق فإن القراءة الأولى تعطي القارئ انطباعا بأن ذلك سيكون عاملا من عوامل تقليل الحوادث المميتة على الطريق، خصوصا أن الساحة المحلية شهدت في الآونة الأخيرة حوادث مفجعة ومميتة، وأصبحت هناك حاجة ماسة إلى صوغ قرارات وتشريعات تحد من الحوادث المؤسفة، والتقليل من أضرارها على السائق وعابر السبيل، ولكن أظن بأن الموضوع له أبعاد مختلفة ويجب الغوص فيها وتحليلها، خصوصا في ظل عدم وجود قانون يطبق على الجميع، وأظن بأن السبب الحقيقي للحوادث ليس حمل الهاتف الجوال أثناء قيادة المركبة على رغم هناك شريحة كبيرة من الناس تؤجل مكالماتها ومتابعاتها الهاتفية إلى ما بعد قيادتها للسيارة، فهي تستغل القيادة في إنهاء المكالمات، إلا أنه لا يمكن اتهام استخدام اليد في حمل الهاتف الجوال كمتهم أول للحوادث فهناك أسباب كثيرة كالتهور والسرعة والاستعجال وعدم الصبر إلى جانب ازدحام الشوارع وتكدسها بالسيارات، كما أنه لا يمكن القول إن حمل الهاتف الجوال باليد هو المتسبب في الحوادث وأظن بأن التفاعل مع الحديث في الهاتف نفسه السبب الجوهري في الحوادث التي يكون فيها استخدام الهاتف هو السبب، بمعنى آخر أنه في حال منع السائق من حمل الهاتف في قيادة السيارة لن يقلل من الحوادث وبشاعتها، خصوصا مع وجود سماعات إذن و»بلوتوثات» تسارع الساقون في اقتنائها وتفنن البعض في التلاعب بأسعارها، خصوصا أن هناك طلبا عليها، مستغلين في ذلك الغلاء المعيشي وملاحقة القرار للسائقين، ولا يشملها القرار بل يسمح له باستخدامها، وإذا كان الأمر يتعلق باستخدام اليد وجب التنويه إلى ضرورة منع استخدامها في كل الأنشطة الأخرى وليس فقط حمل الهاتف فهناك بعض سواق المركبات يستخدم اليدين في قراءة الجريدة خصوصا في الفترات الصباحية في الذروة، في الوقت الذي يخرج فيه الجميع من بيوتهم إلى العمل، والبعض الآخر يستخدمها في شرب الشاي أو المرطبات، أو تناول الوجبات الخفيفة.
أظن بأن علة منع استخدام الهاتف يجب أن لا تنحصر فقط لكونه يستخدم اليد بل لأنه يشغل بال السائق وبالتالي يكون شارد الذهن أو منفعل إلى الحد الذي يقل فيه تركيزه، مما يؤدي إلى التسبب في حوادث مميتة، كما أن منع السائق من استخدام الهاتف الجوال نهائيا أثناء قيادته للسيارة، أحيانا هناك مكالمات مهمة بل طارئة، أحيانا دولية واضطراره إلى التوقف جانبا لأخذ المكالمة قد تكلفه من حياته وحياة الآخرين الشيء الكثير، خصوصا مع حالة الازدحام الحاصلة في كل الشوارع وفي كل الأوقات، فضلا عن ضيق الشوارع وكثرة اللافتات ممنوع الوقوف وممنوع المرور وغيرها، حديث الشارع هذه الأيام يتجه بأن قرار المنع كان قرارا سليما، ولكن لماذا ترك الناس هكذا يعتادون على استخدامه وكانت النتيجة حوادث مميتة وتحول الأمر إلى عادة مستخدمة بعدها يأتي قرار المنع؟ كما أن الغرامة المطروحة تعد كبيرة جدا للبعض إذ تمثل للبعض نصف راتبهم أو ربعه، ولآخرين لا تعد كذلك بل ان بعضهم يعول بأنه في حال تسلمه مخالفة من هذا النوع سيقوم بإلغائها فورا من خلال معارفه في إدارة المرور فالعلاقات ستعلب دور كبير في منع تطبيق القرار، فماذا جنت إدارة المرور بعد حملات إعلامية كبيرة في فترة من الفترات في سبيل فرض حزام السلامة على سائقي المركبات وماذا كانت النتيجة؟
النتيجة أنه لا يوجد إلى الآن التزام بالقرار، حتى مع حملات المرور المفاجئة على رغم أنه لا أحد يراهن على أهمية الحزام أثناء القيادة.
بل إن المستفيد الأكبر من القرار وتطبيقه ليس السائق والماشي بل إدارة المرور نفسها إذ ستجني ما تجنيه من مخالفات من أجل عملية الجباية نفسها أو أمور أخرى تدخل في مجال العلاقات، فكم كان مستهجن أن تباشر إدارة المرور دورها من خلال توزيع المخالفات على سائقي المركبات طوال عشرة محرم في العاصمة المنامة، بدلا من محاولة إصلاح الوضع والعمل على توفير مواقف لسيارات المعزين من خلال التنسيق والتعاون مع وزارة شئون البلديات نجدها تغتنم الفرص وتستغل الوضع لصالحها وكأنما وضعت السيارات هكذا على الشارع العام استهتارا على رغم توفر مواقف السيارات.
الأولى أن نضع قوانين وتشريعات قاسية أيضا تنظم حركة المرور وتعمل على تقليل الحوادث المؤسفة التي نتابعها بكل قلق، ولكن بشرط أن تطال الجميع بلا استثناء ناس دون ناس، ونفكر في وضع تشريعات تحد من غطرسة بعض زوار البحرين الخليجيين الذين يتسببون في حوادث مميتة دون رادع يردعهم ولابد لنا أن نستفيد من مواقف بعض الدول الأخرى المجاورة التي تبدو أكثر تشددا حرصا منها على مصلحة المواطن وحقوقه، وأظن بأننا كم كنا نتعاطف مع قضية سائق الشاحنة (إبراهيم) الذي تسبب في حادث عابر عند دخوله الأردن أثناء أدائه عمله، ولم تؤد الحادثة إلى قتل بل إلى كسور بسيطة، لكن قضيته تعقدت كثيرا ولم تحل إلا بتدخل مباشر من رئيس الوزراء في الموضوع على رغم مرور سبعة شهور عليه وهو في الخارج، الوضع هنا يختلف ويحتاج إلى معالجات موضوعية غير منفعلة ودراسات متأنية، فهل لنا من وقفات جادة لدراسة أبعادها؟
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1648 - الأحد 11 مارس 2007م الموافق 21 صفر 1428هـ