شهدت البحرين ما بين عامي 1923 و 1956 طفرة في الإدارة الحديثة للحكومة، ويمكن للباحثين الحصول على تقارير مالية سنوية، وموازنات سنوية استمرت طوال الفترة المذكورة ويتمكن الباحث من الرجوع إلى تقارير الحكومة في هذه الفترة للتعرف على ملابسات ما حدث في كل عام، وكيف تعاملت معها الحكومة.
التقارير المالية السنوية حتى العام 1956 توضح المدخول والمصروف، بما فيها مخصصات ومصروفات تفصيلية يتمكن من خلالها المهتم بالشأن العام اتخاذ قرار علمي ومدرك لمجريات الحوادث.
في نهاية العام 1956 أعلنت حال الطوارئ وتوقفت كل هذه التقارير... ولم تعد إلا خلال السنوات الأربع الماضية، ولكن بصورة أقل مما كانت عليه قبل 1956.
المشكلة بدأت بعد فشل الحركة الإصلاحية في الخمسينات من القرن الماضي في تحقيق مطلبها الأساسي وهو تحقيق «الإصلاح السياسي» لمواكبة «الإصلاح الإداري». ولأن الإصلاح السياسي لم يتحقق، فقد بدأنا نخسر الإصلاح الإداري الذي كان قد تحقق في تلك الفترة.
ان المشروعات المهمة التي تم تأسيسها قبل ثلاثة أو أربعة عقود إنما قامت على قوة الإدارة المتوافرة منذ مطلع القرن الماضي، والبحرين كانت السباقة في تنويع الاقتصاد والانتباه إلى قضايا محورية بالنسبة إلى التنمية المستدامة، واستمر هذا الدور الطليعي حتى العام 1975.
ما بين منتصف السبعينات ومنتصف الثمانينات من القرن الماضي شهدت البحرين تغيرات كبيرة على مستوى الاقتصاد والمجتمع ولكن الإدارة لم يتم تطويرها لمواكبة تلك التغيرات، بل إن إدارة الدولة ترهلت كثيرا، وفي غياب الشفافية والصحافة المستقلة آنذاك لم يكن بالإمكان التنبيه إلى ما تحتاجه البحرين... وعليه بدأت المصاعب تتفاقم، وأدى ذلك إلى انفجار الوضع شعبيا في منتصف التسعينات واستمرت الحالة المضطربة سياسيا حتى الإعلان عن مشروع الإصلاح السياسي الذي قاده جلالة الملك في مطلع العام 2001.
وهكذا بدأنا القرن الحادي والعشرين بمشروع للإصلاح السياسي، ولكن من دون مواكبته بإصلاح إداري، وهذا عكس ماحصل لنا في مطلع القرن العشرين، عندما كان لدينا إصلاح إداري ولكن من دون إصلاح سياسي. إن الترهل البيروقراطي في إدارة الدولة يتسبب بفساد وانعدام للشفافية وضياع لفرص سانحة أمامنا... فلو قارنا التقارير المالية والموازنات الحكومية التي كانت تنشر مابين 1923 و1956 فهي أفضل بكثير من التقارير والموازنات التي عادت إلى العلن قبل أربع سنوات (بعد انقطاع دام قرابة نصف قرن).
إن هذا يؤشر إلى ضرورة أن يتصاحب الإصلاح السياسي مع إصلاح إداري قادر على تحقيق تطلعات الرؤية المستقبلية للبحرين التي ستعيد البحرين إلى موقعها الريادي .
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1648 - الأحد 11 مارس 2007م الموافق 21 صفر 1428هـ