في مساء 24 فبراير/ شباط 2007 حضرت عرض فلم حكاية بحرينية بدعوة من الممثل القدير محمود الملا وهو أحد المشاركين بفعالية في هذا الفيلم البحريني الذي يدعو إلى الحفاظ على الذاكرة القومية الجمعية التاريخية.
إنها مهمة صعبة في واقعنا العربي المعاصر ويبدو أن الحفاظ عليها يستلزم عملية شاقة لتبقى نابضة بالحياة وكذلك وجدان الإنسان العربي علينا أن نحافظ عليه من الإلغاء والإفناء والتعطيل.
في صالة صغيرة في نادي البحرين للسينما في الجفير التقيت منتج ومخرج هذا الفيلم بسام الذوادي مع نخبة طيبة من المهتمين بهذا الفن الرفيع وكان منهم نبيلة زباري وكنت أول مرة ألتقي بسام الذوادي وجدته عفويا وبسيطا عالي الهمة والعزيمة متوقد الذكاء.
وأنا أتأمل وأتابع حوار وسيناريو الفيلم الذي أخذني إلى سنوات الخمسينات والستينات من القرن العشرين وما حفلت به من خطوب سياسية وحوادث مهمة ولعل أهمها تأمين شركة قناة السويس على يد الزعيم المصري جمال عبدالناصر لتصبح شركة مصرية وذلك العام 1956 وعلى اثرها شنت كل من بريطانيا وفرنسا و «إسرائيل» ما أطلق عليه آنذاك العدوان الثلاثي على مصر ثم جاء الحدث الأهم والذي قصم ظهر البعير كما يقول العرب إنها حرب يونيو/ حزيران 1967 المدمرة للذات وللوجود والتي تعرض لها العرب في تاريخهم الحديث وذلك منذ أكثر من ثلاثة عقود مضت.
إن هذه الهزيمة محفورة في الوجدان العربي وفي تلافيف نفسه وذلك على رغم أننا حاليا أمة بلا ذاكرة هذا ما بدا لي ولاحظته بنفسي ان الناس في بلادنا لا يحبون أن يتذكروا أي شيء يسبب لهم إزعاجا ونكدا وقلقا وخصوصا عندما تسألهم عن تجارب الماضي وعبره ودروسه إنها مسببة للحساسية والعداوات والبغضاء إنها تثير حفيظة الكثيرين.
عندما حدثت تلك الهزيمة وهزمت مصر وسورية شر هزيمة العام 1967 أدركت كما أدرك كل واع ومتابع لمجريات الأمور السياسية أنها كانت متوقعة بسبب عدم الاستعداد الحقيقي للمعركة بينما كانت «إسرائيل» تعد وتخطط لها قبل حدوثها بوقت كبير وجندت ضباطا وجنودا محترفين قابلهم على الجانب المصري والسوري قادة عسكريون غير محترفين ولكنهم يملكون فقط الولاء والطاعة العمياء أمثال وزير الحربية المصري الموثوق به سياسيا لدى القيادة في مصر عبدالحكيم عامر. وفي تلك الفترة وقبلها أيضا بسنوات من خلال ملاحظتي وأنا في مصر تنامى نفوذ الضباط الموالين إذ حلوا محل المحترفين عسكريا بل حتى في المؤسسات المدنية صغيرها وكبيرها والتي كانوا يديرونها إذ فرضت عليها الحراسة والتأميم بصورة غير مدروسة أو منطقية وكلنا يذكر الانسحاب المشين وغير المنضبط للجيش المصري من صحراء سيناء واستشهاد آلاف الجنود والضباط وتدمير معداتهم الحربية والتي دفع الشعب المصري ثمنها من قوته اليومي وقل مثل ذلك عن انهيار جبهة الجولان السورية ذات الموقع الجغرافي المرتفع والمخابئ المحصنة تحت الأرض وعلى رغم ذلك حدث ذلك الانهيار التام وهام الجنود السوريون على وجوههم في شوارع دمشق يبحثون عن الطعام والمأوى يا له من مشهد مأسوي رهيب.
وأنا أشاهد ذلك الفيلم الجميل والممتع معا أخذتني الذاكرة ثانية إلى سنوات الستينات والسبعينات من القرن العشرين فتذكرت الفنان والمصور والمخرج السينمائي خليفة شاهين بطل فيلم حمد والقراصنة وهو من الأفلام الوثائقية التي تسرد تاريخ حضارة دلمون وقد شارك فريق من والت ديزني الأميركية في إخراجه وتصويره العام 1969 وكانت تلك الحقبة غنية وثرية فكريا وأدبيا وفنيا.
إنه الزمن الجميل كما يطلق عليه البعض وهو أيضا صاحب فكرته وهو الممثل والمخرج وهو أول مصور سينمائي بحريني.
ومازلت أتطلع أن تستفيد وزارة الإعلام والمؤسسات المختصة في المجال السينمائي من إنجازات هذا الرائد والمبدع وأرجو ألا يكون نسيا منسيا، وأكثر شيء يشدني إلى تلفزيون البحرين ما يعرضه من أفلام تسجيلية ووثائقية التي سجلها خليفة بكاميرته وهو مصاحب لصاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة أمير البحرين الراحل طيب الله ثراه في جولاته سواء في البحرين أو خارجها، وكذلك صاحب السمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة وجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عندما كان وليا للعهد وحز في نفسي وأنا أشاهد ما يبثه تلفزيون البحرين في برنامجه ذاكرة الوطن وهي حلقات من إنتاج المصور البارع خليفة أتمنى ألا يكون إغفال اسمه ووضعه على البرنامج لم يكن قد حدث عمدا وإنما قد حدث سهوا في حين تذكر أسماء أخرى لا علاقة لها بإنتاج تلك الأفلام الوثائقية القديمة الجميلة، وأتمنى أن يضع المسئولون في تلفزيون البحرين هذا الأمر في اعتبارهم وهم يعرضون هذه المادة الوثائقية المهمة وان هناك حق الملكية.
أود هنا أن أذكر بالخير والتقدير لفيلمين للمبدع بسام الذوادي وهو فيلم «زائر»، وإنني هنا أدعو فنانينا الشباب الصاعدين إلى المثابرة والعمل والصبر وهم يشقون طريقهم ويواجهون الصعاب والعقبات. وتذكرت أخيرا في هذا المقام قصة المخرج الأميركي الكبير مارتن ساكوسيسيزي فقد عانى من إخفاقات وخيبات لا حصر لها ولا عد وعلى مدى أكثر من 25 عاما إلى أن حصل في الأيام الماضية على جائزة الأوسكار كأفضل مخرج عن فيلمه الراحلون ولم يخامره أي شك أو يأس أو قنوط طوال تلك المدة الماضية وقد سعدت أن كاتب فيلم حكاية بحرينية فريد رمضان قد أبصر سيناريو حكايته وهي ترى النور على يد المخرج اللامع والجسور بسام الذوادي ليصبح فيلما يشد المشاهدين من أبناء البحرين وأنا منهم.
إنها المصادفة الجميلة التي جعلتني أشاهد هذا الفيلم الذي أدته نخبة طيبة ومبدعة من الفنانات والفنانين من أبناء البحرين تمثيلا وإخراجا كما أحيي الاخ خميس المقلة والأخ أكرم مكناس ومن ساهم معهم في دعم هذا العمل ماديا وأدبيا وهنا أحيي كل المشاركين في إنجاز هذا العمل المبدع.
إنني هنا مشاهد ومتذوق لا ناقد فقد هجرت هذا النقد منذ أربعين عاما كما أحيي رئيس تحرير صحيفة «الوسط» منصور الجمري إذ احتفت داره بهؤلاء النخبة من المشاركين في هذا الفيلم الجميل وقامت بتكريمهم كما لم تنس تكريم من ساهم ودعم هذا العمل ماديا وأدبيا وعلى رأسهم رجل الأعمال البحريني خميس المقلة.
إقرأ أيضا لـ "حسين راشد الصباغ"العدد 1647 - السبت 10 مارس 2007م الموافق 20 صفر 1428هـ