العدد 1645 - الخميس 08 مارس 2007م الموافق 18 صفر 1428هـ

الفتنة الطائفية جعلت الدول الإسلامية مشروعات لـ «الفوضى البناءة»

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

في المشهد الفلسطيني، الجيش الصهيوني يهلل لاجتياح مدينة نابلس بحجّة القيام باعتقال بعض المطلوبين، ولكنه يقوم باعتقالات عشوائية لعشرات الشباب والهجوم على منازل المدنيين ونهب منازل البلدة ومحاصرتها، ومنع المستشفيات من القيام بوظائفها الصحية في معالجة المرضى، انطلاقا من الحقد الوحشي الذي يختزنه الصهاينة ضد كل عربي وفلسطيني ومسلم، لأن الوجود الإنساني لهذا الشعب في هذا البلد يمثّل التحدي للوجود الإسرائيلي باعتباره الشاهد الحيّ على اللاشرعية القانونية المتمثّلة في احتلال فلسطين كلها، ولذلك يتحرك المسئولون في هذا الكيان اللاشرعي للتمدّد في الأرض الفلسطينية، بمصادرتها لحساب المستوطنات والجدار العنصري الفاصل والسيطرة على مصادر المياه والضغط على مواقع الطاقة والحصار الاقتصادي، وتسليط جنوده الذين يشبهون الوحوش المفترسة على الأهالي الذين يطلقون احتجاجاتهم الوطنية والإنسانية ضد اجتياح أراضيهم ومزارعهم لمصلحة مشروعات «إسرائيل» الاستيطانية.

لم نسمع أي صوت احتجاجي من المجتمع الدولي، بما في ذلك المجتمع العربي الرسمي أو الإسلامي، لأن الولايات المتحدة الأميركية تشرّع للدولة العبرية كل مشروعاتها الاحتلالية وكل اجتياحاتها العسكرية، في تحالف وثيق بين الدولتين امتدت ضغوطه إلى اللجنة الرباعية الدولية التي تحدثت عن خريطة الطريق التي تفرض الشروط على الشعب الفلسطيني وعلى حكومته الوطنية، لا على «إسرائيل»، الأمر الذي حوّل هذه اللجنة الدولية إلى هامش ضاغط من هوامش السياسة الأميركية.

وفي هذا السياق، لابد من أن نتوقّف عند اللقاء الذي جمع سبع دول مسلمة اعترف بعضها بـ «إسرائيل» دبلوماسيا وخضع لها في عملية مصالحة لم تحقق لهم ولا للعرب أي مكسب سياسي أو اقتصادي، والتزم بعضها بالاعتراف الواقعي في نطاق مكاتب تجارية، وانفتح بعضها عليها في عناق استراتيجي سياسي من خلال خط الاعتدال الأميركي الذي فرضته أميركا على أكثر من دولة في المنطقة العربية الإسلامية.

لقد أصدرت هذه الدول المجتمعة في باكستان بيانات باهتة مائعة عن أزمة الشرق الأوسط، وأشارت بأسلوب تمويهي إلى الخطر النووي الإيراني، وإلى بعض العناوين الاستهلاكية... وانطلقت التحليلات الإعلامية السياسية لتتحدث عمّا يجمع هذه الدول، لتكون جبهة سنية في مواجهة إيران وحلفائها ما يشار إليه بأنّه يمثّل «الخطر الشيعي»، أو لتخطّط هذه الجبهة للسير مع خطوط السياسة الأميركية في المنطقة للضغط على إيران، إذ لاتزال الإدارة الأميركية توحي بأنها هي الخطر وليست «إسرائيل»؛ على رغم أن «إسرائيل» هي الدولة التي تصادر الشعب الفلسطيني كله سياسة وأمنا واقتصادا وتمثل الخطر النووي الذي يهدّد المنطقة، الأمر الذي شهدناه في العُدوان الوحشي على لبنان في يوليو/ تمّوز الماضي، ونسمعه من تهديد مسئوليها السياسيّين والعسكرين لسورية، أو التلويح بقصف المواقع النووية السلميّة في إيران، أو في التعاون بين الصهاينة والجيش الإميركي في العراق.

إن المشكلة هي أن أميركا استطاعت أن توظف حركة الكثير من دول العالم العربي والإسلامي لدعم «إسرائيل» واعتبارها في موقع الصداقة التي تلتقي مع خط الاعتدال الأميركي في مقابل ما تسميه «التطرف الإسلامي»، ما جعل بعض الدول التي قد تأخذ الإسلام عنوانا لها ولنظام حكمها تتحرك من خلال بعض ممثليها الأمنيين لتقوم بالتنسيق مع الإدارة الأميركية في إرباك الواقع السياسي والأمني في المنطقة...

إن صفة الدول «الإسلامية» لهذا التجمع لا تحمل أية قيمة إسلامية في الأهداف والوسائل والتطلعات والكرامة الإسلامية؛ فهي لا تحمل من الإسلام إلا اسمَه، ولا تنفتح من القرآن إلا على رسمِه. وهم جميعا لا يلتفتون إلى أن الخطة الأميركية في إدارة المنطقة العربية والإسلامية تعمل على أن تقود الأنظمة التي تحمل رسميا عنوان الإسلام إلى تدمير حركة الحرية لدى الشعوب الإسلامية وإلى العبث باقتصاد المسلمين ونشر الفوضى في بلدانهم وإيجاد حال من الاهتزاز الأمني في أوضاعهم بالمستوى الذي يتحول معه الرئيس الأميركي وإدارته إلى فريق داخلي يثير الفتن والمشكلات الداخليّة، ولاسيّما في لبنان، وذلك باستدعاء أكثر من سياسي من الفريق الأميركي الداخلي إلى واشنطن لتلقّي التعليمات التي تجمّد الأوضاع وتمنع من حلّ الأزمة، وتدفع بالضغوط السياسية نحو إرباك علاقات لبنان بسورية تحت شعارات وعناوين استهلاكية ترتبط بالمصلحة الإسرائيلية التي بات البعض لا يعتبرونها مشكلة للبنان، على رغم عدوان «إسرائيل» في الماضي والحاضر وتخطيطها المستمرّ لاعتداءات في المستقبل ضد الشعب اللبناني.

إن الشيطان السياسي الدولي قد أعدّ خطته لإشعال المنطقة بحروب جديدة تدمّر سياستها وأمنها واقتصادها وتسقط عنفوانها، وهذا ما يقوم به نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، الذي يطوف البلاد العربية والإسلامية للتبشير بالحرب ضد إيران، مما يعرف الجميع أنها تمثل الكارثة الكبرى على المنطقة، ولاسيما منطقة الخليج. ومع ذلك لم يصدر هناك أي ردّ فعل من دول المنطقة ضد هذا الاتجاه، بل إننا رأينا أن هذا الرجل قد تولّى تأنيب الرئيس الباكستاني مشرّف لأنه لا يقوم بما يجب عليه من الحرب ضد ما يسميه الإرهاب، في الوقت الذي يتصاغر هذا الرئيس ليقدم اعتذاره له ويبرر سلوكه للسيد الأميركي المهيمن على البلد كله.

إن الواقع الذي يعيشه العالم الإسلامي هو واقع القتال المتحرّك من بلدٍ إلى بلد؛ فمن فلسطين إلى العراق إلى أفغانستان إلى اليمن إلى الصومال. وهناك أكثر من بلد إسلامي تنتظره الفوضى البنّاءة التي قد تتمثّل في فوضى سياسية، وقد تتمظهر في فوضى أمنية، أو في انهيار اقتصادي، من خلال دائرة الفتنة السنية الشيعية أو التطرف والاعتدال أو العروبة والفارسية؛ لتكون هذه العناوين عنصرا من عناصر الإثارة الغرائزية التي تمنع العقل من أن يواجهها بتفكير منطقي موضوعي، وتمنع العقلاء من التحرّك لإبعاد عناصر الفتنة عن واقع الأمة الإسلامية التي تتخبّط في مشكلاتها الاقتصادية والسياسية والأمنية، ما يجعل أي عنصر جديد من عناصر التفجير المتنوع يزيد الأمور سوءا ويمنع المستقبل من التحوّل إلى فجر جديد في تطلعاته التحريرية الإبداعية.

ويبقى العراق الجرح النازف الذي يتفجر بأهله وجامعاته ومدارسه وأسواقه ومساجده ومقدساته، إذ تتكامل قوات الاحتلال مع القوات التكفيرية المستحلة لدماء الشعب العراقي بمختلف أطيافه المدنية، ما يؤدي إلى إبقاء المأساة العراقية التي يمثل الاحتلال المدخل لكل أوضاعها وامتداداتها، الأمر الذي دفع بالشعب العراقي إلى الهجرة الجماعية إلى دول الجوار ودول الغرب، طلبا للأمن على أنفسهم وعيالهم وأموالهم. وهذا مما يفرض على كل فرقاء السياسة أن يرتفعوا إلى مستوى المرحلة إذا كانوا معنيين بوطنهم وسلامته، وأن يجمّدوا الكثير من خلافاتهم التي لا يستفيد منها إلا المحتلّ الذي يلعب لعبة التحرّك من الانفتاح على طائفة هنا ليستبدل بها طائفة أخرى في عملية الفتنة المذهبية التي يخطط لها في المنطقة.

من جهة أخرى، فإن الدول الست التي صوّتت في مجلس الأمن على العقوبات ضد إيران، تلتقي الآن لدراسة تشديد العقوبات في قرار جديد انطلاقا من الرغبة الأميركية في الضغط على إيران في ملفها النووي السلمي، في حين تصرّ تلك الدول - بما فيها أميركا - على أنها تخطط لصنع السلاح النووي، في الوقت الذي تدعوها إيران للمفاوضات للدفاع عن مشروعها وتقديم الضمانات في البقاء على الجانب السلمي فيه. ولكن القضية عند دول الغرب هي أن لا تملك إيران الخبرة العلمية النووية التي تدعم حاجاتها في الاعتماد على هذه الطاقة؛ لأنهم يريدون للمنطقة الإسلامية أن تبقى في حاجة إلى مساعدتهم في كل متطلباتها.

أما في لبنان، فقد برزت إشاعة على أن بعض الجهات التي خاضت الحرب الأهلية في الماضي، إضافة إلى الجهات التي تخطط لإيجاد قوة عسكرية على الأساس المذهبي، تقوم بتحضيرات معينة في المناطق لتصفية حسابات داخلية من جهة، ولتنفيذ الخطة الأميركية في إرباك الوضع اللبناني الأمني من جهة ثانية. ولسنا ندري إن كان في هذا الاتّجاه طلب بعض الزعماء السياسيين من الولايات المتحدة الأميركية المساعدة العسكرية - إلى جانب الدعم السياسي - من أجل الحرب ضد سورية، ما قد يوحي بأن هناك تخطيطا لحرب سورية - لبنانية في المستقبل. هذا، إضافة إلى تبادل الاتهامات في المسئولية عن قضايا الاغتيالات وتراشق الكلمات الحادة التي تثير المشاعر وتوتّر الساحات السياسية وتربك كل الحلول اللبنانية السلمية لمصلحة الأوضاع الحادّة التي قد يتحدّث فيها البعض في الداخل والخارج عن التخطيط للحل العسكري الذي يحاول من خلاله فريق في هذه الطائفة السيطرة بالقوة على فريق آخر في طائفته.

إن الواقع اللبناني يتحرك على كفّ العفريت الأميركي والجنيّ الإسرائيلي ليلتقي ذلك بتشجيع من المواقع الرسمية العربية... فإلى أين يسار بلبنان، بل أين هو لبنان الآن أيها المستضعفون اللبنانيون من الأكثرية الصامتة الجائعة المحرومة المستلبة التي يتاجر بها السياسيون لتأكيد زعاماتهم ولاستعادة مواقعهم... ولتجديد دور المحرقة التي يشعلها مَن في الخارج ليكون الحطب هو مَن في الداخل.

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 1645 - الخميس 08 مارس 2007م الموافق 18 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً