الصدفة وحدها رشّحتني أمس ممثلا عن الصحافة أمام الملتقى الخليجي بشأن الإعاقة! ففي أقل من نصف ساعة وجدتني مدعوا للمنصة أمام مئات المشاركين في الملتقى الخليجي السابع عن «الإعلام والإعاقة».
بداية لا أبرئ أنفسنا كإعلاميين من التقصير في تغطية أنشطة المعوقين وفعالياتهم وتسليط الأضواء على مشاكلهم ومعاناتهم. الكثير من المنتدين عاتبونا على ذلك، والعتاب عنوان المحبة.
ومن لطف المنظمين أنهم دعوني إلى عرض تجربتي الشخصية في مجال ما أسماه البعض بـ «إعلام الإعاقة». فقبل أربع سنوات، ومن خلال إشرافي على صفحةٍ خاصةٍ تغطي أخبار موسم عاشوراء وفعالياته، انفتح لي بابٌ واسعٌ على عالم الصم. كانت هزة كبيرة في حياتي، إذ ذُهلت لوجود أعدادٍ كبيرةٍ من الصم لم أكن أشعر بوجودها من قبل. ومن يومها انضممت إلى اللجنة الأهلية للصم وأخذت أشارك في فعالياتها... ربما بسبب الشعور بالذنب والتقصير تجاه بشرٍ مهمّشين.
في البداية، كان الصم يصرّون على الانعزال في مكان آخر لتلقي الترجمة بلغة الإشارة لأسبابٍ نفسيةٍ غالبا، لكنهم في العام الثاني تقبّلوا فكرة الجلوس إلى جنب الآخرين، وهكذا كانت رحلة الاندماج.
العام الماضي بادرالصمّ أنفسهم إلى اقتراح تمثيل مسرحيةٍ دينيةٍ تاريخية، وتبنّى أحد المخرجين الشباب الفكرة، ولم تمض غير أربعة أسابيع حتى كان الجمهور يشاهد مذهولا أكثر من عشرين منهم يؤدونها على مسرح إحدى مدارس البنات جنوب العاصمة المنامة.
التجربة كانت ناجحة إلى حدٍ بعيد، وهي تلتقي مع الاتجاه العلمي الحديث في دمج المعوّقين. في لقاء أمس، تبيّن أن هناك فكرة لإنشاء «فضائية» خاصة للمعوّقين، تتبناها إحدى الأميرات الخليجيات. ولاشك أن موقفا أخلاقيا نبيلا يقف وراء الفكرة، لكن السؤال: هل ستسهم هذه الفضائية في المزيد من الدمج أم أنها ستزيد العزلة؟
لدينا في الصحافة البحرينية تجربة، فنصف صحفنا الست خصّصتْ في فترةٍ ما صفحة خاصة بالمعوقين، بالدوافع النبيلة نفسها، ولكنها انتهت إلى صفحةٍ لا يتابعها غير المختصين أو ذويهم. بل إن ناشطا شابا من المعوقين مثل حسين الأمير، اعترف أمس بأنه لا يقرأ هذه الصفحات. والخشية أن تتكرّر تجربة «الصفحة» مع «الفضائية». ففكرة فضائية خاصة بالمعوّقين لها محاذيرها، إذ قد تأتي بنتائج عكسية لما هو مطلوب، من حيث زيادة عزلة وتقوقع المعوقين بدل دمجهم، وهو ما عبّرت عنه أيضا الباحثة السعودية سحر الخشرمي.
التحدي الأكبر، وأتكلم هنا كإعلاميٍّ ومتعاطفٍ ومتفهمٍ جدا لأحاسيس وطموحات المعوقين، هو الخروج عن فكرة الصحافة المتخصصة، والإعلام المتخصص، والفضائية المتخصصة، فالمجلة المتخصّصة لا تصل عادة إلاّ على الجمعيات المعنية، ولا تصل غالبا إلى المحرّرين الصحافيين.
تجربتي الخاصة التي بدأت بالصدفة قبل أربع سنوات، سبقتها تجربة الزميلة سوسن الشاعر قبل سبع سنوات بالصدفة أيضا، فمن خلال مقالٍ كتبته عن المعوّقين، وما لقيه من ردود فعل وتجاوب، ساهمت مع آخرين في تكوين جمعيةٍ خاصةٍ للمعوّقين. والتجربتان يجمعهما عامل الصدفة، فكان هناك تعاطفٌ وتفهمٌ ومبادرةٌ للمشاركة الإيجابية والتخطيط. وعليه إذا سمح لي الأخوة بتقديم توصية، فهي العمل على مد الجسور مع المحرّرين بالتغطيات المحلية. وإذا استطعتم أن تقيموا علاقاتٍ شخصية مع محرّر من كل صحيفة، فذلك سيختصر نصف الطريق إلى الإعلام. إزرعوا لكم صديقا، أو «عميلا»، في كل صحيفة، وستتغيّر بعض الصورة السلبية التي تحملونها عن الإعلام.
كل الأفكار التي طرحت كانت موضع قبول أو رد إلاّ رأي الكويتي عبدالكريم العنزي الذي صفّق له الجميع حين خاطب زملاءه بصراحة: «اكتشفت اننا متحاملون على الإعلام. أنا معوّق، ولكني لم أنتظر أن يصلني الإعلام وإنما ذهبت إليه. فأنا اليوم شاعرٌ ومذيعٌ تلفزيوني وصحافي من أوائل من أصدر صفحة للمعوّقين. إن لم تجد من ينصرك فأنصر نفسك». بورِكت... وكل المحبة والمودة لضيوف البحرين.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1644 - الأربعاء 07 مارس 2007م الموافق 17 صفر 1428هـ