قبل عشرة أيام، تم توزيع جوائز «الأوسكار»، وحصل فيلم «آخر ملوك اسكتلندا» على جائزة أفضل ممثل، للأميركي الزنجي فوريست وايتكر، الذي أبدع في أداء دور الجنرال الأوغندي عيدي أمين، الذي استولى على السلطة في مطلع السبعينات في انقلاب، وخرج في نهايتها من السلطة بانقلاب، بعد أن اجتاح بلاده جيش تنزانيا المجاورة!
ابن عيدي أمين، واسمه جعفر دادا أمين وعمره 40 عاما، انتقد الفيلم لمبالغته في تصوير سلبيات حكم أبيه، ولكنه اعترف بأن وايتكر أجاد تقليد والده في طريقة حديثه وفى طول خطواته وتمايل ذراعيه عند المشي، لكنه فشل في تقليد طريقة مشيه!
من ناحية الكيمياء الدماغية، عرف عن أمين استخدامه الدعابة والأسلوب الساخر، في انتقاد خصومه السياسيين أو الدول الغربية التي قلبت له، أو قلب لها، ظهر المجن. فالرجل الذي خدم في جيش الإمبراطورية البريطانية التي كانت تحتل أوغندا، تسنّم قيادة الجيش بمباركة البريطانيين، ومنها قفز إلى الحكم. وقد تعرّض لعدة محاولات اغتيال على يد معارضيه المدعومين من النظام التنزاني بقيادة غريمه الرئيس يوليوس نيريري، ما دعاه إلى تشديد القبضة الحديد، وإطلاق يد المخابرات ضد معارضيه، حتى سقط 400 ألف ضحية خلال ثماني سنوات من حكمه بحسب التقديرات الغربية. أمين اتخذ خطوات وانتهج سياسات، أثارت عليه بريطانيا والدول الغربية حتى وصفته بعض الصحف الانجليزية بآكل لحوم البشر.
فيزيائيا... كان عيدي أمين عريض المنكبين، له بنية ضخمة، ويعتبر من أضخم القادة الأفارقة. وسبق أن كان بطلا للملاكمة في الوزن الثقيل على مستوى أوغندا. وبعد احتدام الصراع مع ألدّ أعدائه (نيريري)، عرض عليه تسوية خلافاتهما في حلبة الملاكمة! وتنقل بعض المصادر انه فكّر فى إجراء مباراةٍ تجمعه مع بطل العالم الأسطوري في الملاكمة محمد علي كلاي، على أن تجرى في ليبيا، ويقوم العقيد معمر القذافي بدور الحكم، فيما يقوم الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بدور المدرّب. ولو حصلت مثل هذه المباراة لأدخلت أبطالها التاريخ من أوسع الأبواب الرياضية!
الفيلم يطرح إشكالية تتكرّر في العالم الثالث، وهي الحكم الديكتاتوري الذي ترك هذه الدول تدور في حلقةٍ مفرغة، وما ينتج عنها من إعادة إنتاج الفقر والاقتتال الداخلي وملاحقة المستقلين والبطش بالمعارضين، لتستمر حلقة التبعية للخارج في صورٍ يجري تحديثها مع الأيام، في ظل قصورٍ فاضحٍ عن خلق نموذجِ حكمٍ استقلالي، يحافظ على سيادة البلاد ويرعى مصالح العباد. حكمٌ يعامل الناس على أنهم مواطنون لهم حقوق وعليهم واجبات متساوية، وليسوا على أساس انهم كتلٌ بشريةٌ من هذا الدين أو الجنس أو العرق أو القبيلة أو تلك.
ولكونه من المسلمين في بلدٍ مكوّنٍ من 20 قبيلة، وموزّعٍ أثلاثا بين الإسلام والمسيحية (الكاثوليكية) والديانة الإفريقية، فإنه اتُّهم بسياساتٍ ممالئةٍ لبني قومه (المسلمين)، الذين ظلّوا يدفعون ثمنها من بعد سقوطه حتى الآن كما دفعها هو أيضا. فبعد اصطفاف الدول الغربية ضده، والتحريض الإسرائيلي عليه، أرسل نيريري جيشه إلى كمبالا العاصمة، فهرب منها عيدي أمين إلى ليبيا... ومنها إلى السعودية حتى وفاته في العام 2003.
اليوم... أوغندا تعاني من إصابة أكثر من مليون ونصف مليون من مواطنيها بالايدز، ومثل ذلك الرقم من المهجّرين. وآخر الأخبار التي وردت أمس... وصول أول دفعةٍ من الجنود الأوغنديين إلى الصومال ضمن قوات حفظ السلام الإفريقية. ضريبة الدكتاتورية التي تدير السياسة بعقلية الملاكمين.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1643 - الثلثاء 06 مارس 2007م الموافق 16 صفر 1428هـ