الخوصصة أو الخصخصة، باتت من التعابير التي تتكرر في أدبياتنا الاقتصادية خلال العشرين السنة الماضية. وترافقت كثرة الحديث عن الخصخصة مع محاولات للوصول إلى تعريف محدد لها. والأمر كان دائما ينصب على مفهوم واحد، وهو نقل الملكية من القطاع العام إلى القطاع الخاص.
ولم تكن البحرين بعيدة عن هذا الإتجاه فخلال السنوات القليلة الماضية، ارتفع الكثير من الأصوات المنادية بضرورة الأخذ بمبدأ الخصخصة، والأخرى المناهضة لها، ثم شاهدنا بعض تلك الممارسات التي عبرت عن الرغبة في ولوج ميدان الخصخصة، وأبرز دليل على ذلك تأسيس شركة ممتلكات التي ستتولى، بالإضافة إلى مهام أخرى، إدارة الشركات التي تمتلك حكومة البحرين حصصا فيها. سواء كانت تلك الحصص صغيرة مثل شركة بتلكو أو كاملة مثل حلبة البحرين الدولية.
والبحرين ليست الدولة الوحيدة التي سارت في هذا الإتجاه، فهناك تجارب عربية أخري مثل سياسات الخصخصة التي عرفتها دول عربية أخذت بنظام الإقتصاد المركزي ثم تراجعت عنه مثل مصر وليبيا والجزائر، أو دول غير عربية من النمط نفسه مثل الإتحاد السوفيتي سابقا.
لكن الأمر لايقتصر على دول النظام الإقتصادي المركزي. فحتى الدول التي أخذت بالنظام الليبرالي مثل ألمانيا والسويد وفرنسا، لجأت هي الأخرى إلى خصخصة بعض القطاعات التي كانت تملكها الدول مثل البريد وسكك الحديد.
عموما، شملت ظاهرة الخصخصة مختلف دول العالم المتقدم والنامي على حد سواء، وحثت المنظمات الدولية وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي دول العالم على الإسراع في تطبيق الخصخصة، ويرى خبراء البنك الدولي أن سياسة الخصخصة تحتاج إلى وضع برنامج يبدأ بإجراء عملية مسح كامل لمشروعات القطاع العام ومشكلاته، وتصنيف هذه المشروعات حسب أوضاعها ثم تحديد المشروعات المراد خصخصتها، مع وضع أسس لتقييم أصول الشركات المباعة وتحديد جدول زمني يحدد دفعات البيع وإنشاء جهاز خاص يكون مسئولا عن برنامج الخصخصة.
وتعددت المفاهيم التي تحاول أن تحدد معنى الخصخصة على رغم أنها تدور حول ثلاثة اتجاهات تشمل توسيع الملكية الخاصة عن طريق قيام الدولة بتصفية القطاع العام كليا أو جزئيا، وتخفيض نصيب الدولة نسبيا وذلك بزيادة نسبة القطاع الخاص، والتخلص من الوحدات الخاسرة في القطاع العام، والرغبة في التخلص من الاقتصاد الاشتراكي.
ويمكن تعريف الخصخصة بأنها «عملية إدارية تتمثل في زيادة الدور الذي يقوم به القطاع الخاص عن طريق تحويل القطاعات العامة كليا أو جزئيا عن طريق تشغيلها أو إدارتها بغرض تحسين الكفاءة الإنتاجية خدمة لأهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية».
ويدعو اتجاه الخصخصة إلى تصفية ملكية الدولة للشركات العامة باعتبارها أحد الحلول للخروج من أزمة الكساد التضخمي. إذ رأى أصحاب هذا الاتجاه أن أزمة الاقتصاد لم تعد تقتصر على نقص الطلب الكلي الفعال كما يقول (منيارد كينز)، بل تتمثل في نقص العرض وبالتالي يلزم إعادة النظر في سياسة التدخل الحكومي، وتحجيم نطاق القطاع العام في الاقتصاد الوطني، وإفراد مساحة أوسع للحوافز وحرية الحركة للقطاع الخاص، وإطلاق آليات السوق للتعامل على أساسها.
لكن بشكل شمولي يمكن القول بأن الخصخصة هي رفع كفاءة الشركة، وبمعناها العام هي زيادة دور القطاع الخاص، وتناقص الدور المثيل للقطاع العام في المؤسسة نفسها، وهذه قد تتخذ شكل البيع أو التأجير طويل المدى أو إدارة خدمة عامة من خلال القطاع الخاص. وقد يكون لنقل الملكية في الدول المتقدمة مفهوم خاص إذا استطعنا أن نصل إليه فهو وسيلة لزيادة الإنتاج وخفض الكلفة العامة، كما يدعو إلى وقف الهدر في الإنفاق العام وبالتالي إلى وفرة في الموازنة العامة للدولة وتطوير المنتج والاتجاه إلى الجودة، كما تتجه الخصخصة إلى توزيع الملكيات على قطاعات كبيرة من صغار المستثمرين ، وذلك يدعو إلى الولاء الوظيفي والحرص على المصالح العامة، بل وربط القيادات في مؤسسات القطاع الخاص مع شركاتهم من خلال تملك جزء من أسهم الشركة خلال فترة الإدارة.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1643 - الثلثاء 06 مارس 2007م الموافق 16 صفر 1428هـ