يستعرض المتخصص في الشأن الأميركي عزت إبراهيم كتاب «أمريكا وحدها: المحافظون الجدد والنظام الدولي» بحِرفية رفيعة. مسلطا الضوء على الكثير من النقاط والعناصر المؤثرة في المرحلة الراهنة.
الكتاب يناقش صعود تيار المحافظين الجدد في الإدارة الأميركية ويحمل في طياته قراءة متأنية ومعمقة لهذا الصعود على أكثر من صعيد. هذا العمق الذي احتواه الكتاب - بحسب تعبير إبراهيم - «إضافة مهمة لأنه يقدم ربما للمرة الأولى تحليلا علميا راقيا لصعود المحافظين الجدد في الأعوام العشرين الأخيرة وسياسة الخطوة خطوة التي مكنتهم من السيطرة على جميع أوجه السياسة في الولايات المتحدة بعد وصول جورج بوش الابن إلى البيت الأبيض».
إبراهيم حاور جوثانان كلارك (أحد مؤلفي الكتاب) شخصيا على هامش ندوة عقدت بالمؤسسة الأميركية الجديدة بواشنطن. وقال كلارك: «إن الحركة ركزت منذ وصول بوش إلى البيت الأبيض على جزئية صناعة السياسات والتحكم في المناصب الحيوية وتحديدا منصب نائب الرئيس».
ويشير كلارك إلى أن «حرب العراق قد أظهرت حدود القوة الأميركية وليس قدرات هذه القوة، مثلما يتخيل اليمين الأميركي المحافظ وأن المصالح الخاصة باتت تمثل خطرا على السياسة الخارجية الأميركية في هذه المرحلة». ويؤكد أن أمن «إسرائيل» يقع في قلب حركة المحافظين الجدد، وإن كان هذا الأمر يتجاوز في جوهره الخلافات الحزبية في الولايات المتحدة، وأن الايدولوجيا لها دور مركزي في مسار الحركة، إلا أن صعود هذه الحركة ساعد على استمرار حال عدم فهم قضايا الشرق الأوسط في الولايات المتحدة، إذ لا يوجد بين أنصارها عدد كافٍ من المتخصصين في اللغة العربية أو انثروبولوجيا المنطقة أو من يمتلكون رؤية متماسكة عن هذه المنطقة.
كلارك نفسه تنبأ في المقابلة التي أجراها مع إبراهيم بأن المحافظين الجدد قد يخسرون الكثير في انتخابات الكونغرس، ولكن - المحافظين الجدد - «أرسوا قواعدَ لهم يمكن أن تستمر لسنوات».
وينوه كلارك إلى أن حركة المحافظة الجديدة تدور أفكارها حول ثلاثة محاور أساسية، وهي كما أوردها إبراهيم في استعراضه المطول للكتاب:
1 - الإيمان - من منطلق ديني- بأن الأوضاع الإنسانية تُحدد وفقا للصراع بين الخير والشر وأن القياس الحقيقي للشخصية (السياسية) هو إذا ما كانت عازمة على مواجهة قوى الشر من خلال تفعيل قوى الخير في السياق المشار إليه.
2 - العلاقة بين الدول تحدد بناء على القوة العسكرية وحدها والاستعداد لاستخدام هذه القوة، وأن العلاقة تتوقف على طريقة استخدام القوة العسكرية.
3 - التركيز الأساسي على الشرق الأوسط والإسلام العالمي باعتبارهما المسرحَ الرئيسيَّ لمصالح الولايات المتحدة الأميركية الخارجية أو عبر البحار.
وإذا كان المحافظون الجدد قد وضعوا هذه الثوابت في طور التنفيذ، فإن هناك حقائقَ أساسية وهي: تحليل القضايا العالمية في صورتي الأبيض والأسود أو ما يمكن وصفه بالفصل التام بين الخير والشر في تصنيف أخلاقي قاطع. في هذا الشأن يرى المحافظون الجدد أنهم وحدهم الذين يملكون القدرة على تحديد مدى الالتزام بالأخلاق وأن الخلاف معه لابد أن يسفر عن هزيمة الطرف المضاد.
المحافظون الجدد والنظرية اللينينية
يقول مؤلفا كتاب «أمريكا وحدها» إن «حركة المحافظين الجدد تبنت منذ صعودها على سطح الحوادث في عهد ريغان مبدأ نابعا من النظرية اللينينية نسبة إلى مؤسس الحركة الشيوعية الروسية فلاديمير لينين... وفي ظل وجود عدد من المحافظين الجدد في الإعلام والتدريس الجامعي اليوم فهم يعملون على تحقيق هذه النبوءة عن دراية تامة. ويشير المؤلفان إلى عملية الترويج لأسطورتين عن هذه الحركة عبر آليتين اثنتين:
الأولى: أنها متفردة في الإعلاء من شأن القيم الأميركية.
الثانية: أن أبناء الحركة هم الورثة الحقيقيون والطبيعيون لريغان وهم وحدهم الذين يمكنهم التصدي لليبرالية كلينتون والجوانب السلبية للتعاون الدولي متعدد الأطراف. وقد جرى تصميم الجانب الأول الخاص بالقيم الأميركية للتوجه إلى الشعب الأميركي على نحو واسع النطاق، بينما الجانب الثاني استهدف الزملاء في الحركة لإظهار قدر من التميز من المجموعة الواقعية التقليدية في السياسة الخارجية الأميركية، ويأتي في مقدمتهم محور نيكسون /كيسنجر وفريق بوش الأب/ سكوكروفت فضلا عن تيار العزلة التقليدي.
هذا الاتجاه يصفه إبراهيم بأنه معاكس تماما لما دعا إليه عالم السياسة الشهير جوزيف ناي عن «استخدام القوة الناعمة، التي تعني إقناع الآخرين بما تريده من دون ممارسة وسائل عنيفة أو التلويح بها، إذ إن حركة المحافظين الجدد تفرغت في سنوات التسعينات للدعوة إلى تفعيل القوى الخشنة في الخارج في الوقت الذي كانوا يستخدمون فيه وسائل الترغيب في الداخل من خلال بناء شبكة علاقات مع قوى سياسية أخرى، ومن أبرز ما قامت به هذه الحركة هو بناء مؤسسة دفاعية (عسكرية) في الظل من خلال مجموعات من الخبراء والباحثين في مراكز البحث الأميركية لتوفر البدائل الممكنة في السياسة الخارجية. علما أن هذه المراكز تحظى بدعم هائل من الكثير من المتبرعين والأثرياء في الولايات المتحدة وتقوم بإصدار أوراق عمل وخطابات مفتوحة إلى الرؤساء الأميركيين بالإضافة إلى استضافة مؤتمرات وندوات تحضرها أسماء بارزة في واشنطن، وطبعا ينتقل الكثير من هؤلاء الخبراء إلى مواقع السلطة بعد أي تغيير في البيت الأبيض».
ويشير الكتاب بوضوح إلى أن حركة المحافظين الجدد نجحت - منذ بداياتها الأولى - في الارتباط بعلاقة قوية «مع المجموعات المتوافقة معها في الآراء من أبناء الطائفة البروتستانتية. وإذا كانت حال المحافظين الجدد تستلزم استراتيجيات محددة لتحقيق أهدافها فإن السعي وراء الحصول على دعم من الإعلام وخصوصا وسائل الإعلام الخبرية كان هو الهدف المنشود لبناء ملف تذهب به الولايات المتحدة إلى العراق وإقناع الرأي العام الأميركي بأن هناك ضرورة تستوجب دخول الحرب وقد أثبتت الاستطلاعات التي أجريت في المدة ما بين يناير/ كانون الثاني وسبتمبر/ أيلول العام 2003، وجود تحول ونجاح ملحوظ للمحافظين الجدد في تقديم القضية للرأي العام الأميركي بغض النظر عن عدالتها أو أخطائها».
انعزال الأميركيين عن بقية العالم
من المؤشرات المدهشة كما يورد إبراهيم في تقريره أن «نسبة 7في المئة فقط من الأميركيين كانوا يحملون جوازات سفر قبل العام 1996 ولم تكن فكرة السفر إلى بلد أجنبي تغري سوى الأشخاصِ الذي يبحثون عن شواطئ مغايرة لتلك الموجودة في الولايات المتحدة. بالنسبة إلى كثير من الأميركيين، أسفرت نهاية الحرب الباردة عن المزيد من الانقسام والتفتت السياسي والعرقي في مناطق مختلفة من العالم. وهذه المناطق في التصور الأميركي العادي بعيدة جدا عن التأثير في الحياة اليومية للأميركيين». هذه الأجواء لم تخلق البيئة المناسبة لمناقشة «وضع الولايات المتحدة الفريد على الساحة الدولية إلا أن حركة المحافظين الجدد شرعت في القفز لملء الفراغ الناشئ عن انتهاء الحرب الباردة في الإعلام الأميركي والرأي العام». وهذا ما نجحت فيه إلى حد الآن. وتبقى المراهنات الأخرى بعد انتهاء الانتخابات الأميركية على نتائج خسارة مدوية لهذا التيار في مد وجزر. اسم الكتاب: أميركا وحدها: المحافظون الجدد والنظام الدولي
The Neo-Conservatives and the Global Order: America Alone
المؤلفان:STEFAN HALPER & JONATHAN CLARKE.
دار النشر: كمبردج.
عدد الصفحات: 384
العدد 1642 - الإثنين 05 مارس 2007م الموافق 15 صفر 1428هـ