في 19 سبتمبر/أيلول من العام 2005، تمت تسمية الإعلامي بالكنيسة جيسن كرستي مديرا تنفيذيا للتحالف المسيحي للكنائس من قِبل رئيس المنظمة الحالي روبيرتا كومز. كرستي نفسه، أعلن اعتذاره لاحقا عن قبول المنصب الجديد؛ لصعوبة العمل بتحالف الكنائس المسيحي من جهة، والاستمرار في إدارة أعماله التجارية المختلفة من جهة أخرى. عاد بعدها بديله القسّ الأكبر جويل هنتر في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، لطلب الاعتذار عن المنصب نفسه لأسباب أخرى، منها اهتمامه بقضايا الإجهاض وزواج المثليين من دون القضايا الأخرى.

وما بين انسحاب كرستي الذكي نسبيا ومشكلات هنتر العالقة يبدو التحالف المسيحي في وضع حرج للغاية. أما الكثير من البرامج الحوارية في أجهزة التلفزة الأميركية، فقد وصفت ما يجري بأنه نبوءة «وفاة التحالف المسيحي».

الكثير من القراءات تشكك في قدرة التحالف المسيحي اليوم على توجيه الرأي العام الأميركي. في العام 2000، وزعت الهيئات المسيحية أكثر من 70 مليون دليل للناخبين الأميركيين في الكنائس والمقرات التبشيرية المسيحية كل عبر الولايات كافة. أما في العام 2004، فقد وزعت الهيئات ما يقارب الـ 30 مليون دليل انتخابي فقط. الخفض في القدرة الانتشارية كان تبريره بحسب مؤسسات التحالف المسيحي أنه كان يصب نحو تركيز الجهود على المناطق التي تشهد تنافسا سياسيا أكثرَ!

هذا التحالف الأسطوري، الذي أُسِّسَ قبل 17 عاما من قِبل القس بات روبرتسن عبر جمع التبرعات السياسية وتفعيل أساطير الحق المسيحي. ويتكون التحالف من الكثير من الفلول التي تنشط في كل الولايات الأميركية. هو اليوم أمام مفترق طرق. أدى هذا الوضع إلى ضعف ملحوظ في مستويات فرض السيطرة التي كان يمتلكها على مستوى الداخل الأميركي بوضوح.

التحالف المسيحي لآيوا، الذي يعتبر الأكثر أهمية وفاعلية من بين الولايات الأميركية الأخرى لم يسلم من بوادر الضعف التي بدأت تعصف بالمد والنفوذ المسيحيين في الولايات المتحدة، ويشير رئيس مؤسسة التحالف المسيحي في آيوا ستيفن شفلر إلى أن المنظمة «منذ العام 2000 لم تمر بحال انعدام ثقة كما هي اليوم، فلقد انكمشت الموازنة القائمة على التبرعات والهبات مِن 26 مليون دولار إلى مليون دولار فقط على مدى السنوات الست الأخيرة». خلاف إقراره بأن «مشكلات الديون والضرائب تبدو متفاقمة».

ويشير بعض المحللين الأميركيين إلى أن اعتماد هذا التحالف على كايزمات دينية مُؤسِسَة هو ما أدى إلى إضعافها لاحقا، وتأتي شخصية القس ريد، الذي استقال مديرا تنفيذيا للتحالف المسيحي في العام 1997 ليترأس مؤسسته الاستشارية السياسية الخاصة «استراتيجيات القرن» أهم الشخصيات المُؤسسة، التي يصور البعض الاعتماد عليها فترة تأسيس التحالف المسيحي بـ «الكارثة».

لا يخلو تاريخ التحالف المسيحي من بعض الفضائح التي عصفت ببعض شخصياته وبه. كما يمر هذا التحالف بضائقة مالية كبيرة وسلسلة طويلة من الضرائب المتأخرة، التي غالبا ما تعتبر حجر الزاوية في تعليل ضعف هذه المنظمة من جهة، وتقليص دائرة فاعليتيها الاجتماعية والسياسية من جهة أخرى.

استقالة هنتر الأخيرة بدعوى أن أعضاء التحالف مخلون بتعليمات السيد المسيح - بحسب تصريح هنتر لـ «واشنطن بوست» - حين قال: «نحن لا نُنفِّذُ الرسالةَ الكاملةَ للسيد المسيح» تثير الكثير من الأسئلة الكبيرة.

هنتر في مقابلة هاتفية مع الصحيفة الأخيرة، أكد عدم استحالة إعادة بناء التحالف المسيحي من جديد. وطبقا للصحيفة، إن هنتر أشار إلى إمكان النهوض بالمؤسسة في ضوء دعم مادي أكبر.

مجلة «تايمز» الأميركية نشرت أخيرا أحد التحقيقات. وأثار هذا التحقيق زوبعة كبيرة في الداخل الأميركي حين استثنت المجلة التحالف المسيحي من قائمة أكثر المؤسسات تأثيرا في الرأي العام الأميركي. ويصف بعض المعلقين الحال اليوم بالنسبة إلى هذه المنظمة بالغامضة، التي يصعب التنبؤ بما ستكون عليه حاله مستقبلا.

وعلى النقيض من ذلك، الكثير من الدراسات والتقارير - منها التقرير الذي نشرته أخيرا مجلة «نيوزويك» الأميركية - تشير فيه إلى تنامي المد الديني في العالم أجمع. وأشارت المجلة في تقريرها الذي دعمته بالكثير من الإحصاءات التي تتحدث عن مستويات نمو حالات التدين في القارات الست إلى أن العالم بكامله بعد العام 2000 شهد حالا من التضخم الديني. وأكدت المجلة أن معدلات المؤمنين بوجود الله مجملا قد زادت على نصف تعداد سكان العالم بعد أن كانت قبل العام 2000 في مستويات أقل. كما تؤكد دراسات أخرى مقارنة أن الانتخابات التي حدثت ما بعد العام 2000 في أكثر القارات كثافة سكانية كانت قد أفضت إلى صعود ممثلي التيارات الدينية في مختلف الديانات السماوية. وهو ما اعتبرته المجلة دلالة على أن المد الديني العالمي في تصاعد.

يذكر أن الكثير من الدراسات كانت قد أشارت إلى أن المجتمع الأميركي يعتبر من أكثر الشعوب تدينا في العالم. فغالبية الأميركيين يحرصون على زيارة الكنائس أيام العطل، كما أن الصعود السياسي للمحافظين الجدد منذ عهد ريغان تم تصنيفه وفق الكثير من الدراسات السيسيولوجية على أنه استجابة إلى المحرك الديني المسيحي.

دراسات أخرى أشارت أيضا إلى أن ما يزيد على 50 في المئة من مقدمات كلمات وخطابات أعضاء الكونغرس الأميركي غالبا ما تبدأ بمقاطع مباشرة من الإنجيل، وهي دلالة بارزة على حضور المكوّن الديني بقوة في السياسة الأميركية الداخلية أو الخارجية على حد سواء.