بينما كان يحمل بيده آلة عالية التقنية، نزل الرجل من قمة التل وبحوزته المعلومات التي كان يسعى إليها عن رحلة حصلت منذ 4000 عام مضت.
استخدم في ذلك وسائل حديثة: فقد استخدم آلة عالمية صغيرة لتحديد الموقع حتى يستطيع من خلالها حساب موقعهما من خلال قمر اصطناعي وخريطة مركبة على صور طبوغرافية مزودة من قبل برنامج Google Earth، قام كل من ادامسون ومحمود تويسي بتتبع الطريق الذي من المحتمل أن يكون إبراهيم (ع) قد مشى فيه يوما ما.
إلا أن الآثار التي كانا يبحثان فيها كانت أقدم ما يكون بخلاف آلاتهما.
ويقوم الباحثان - أحدهما بريطاني والآخر أردني الأصل - بتتبع آثار أقدام مؤسس الأديان الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام بأمل أن يعيد الناس في يومنا هذا اكتشاف الجذور المشتركة بين الأجيال السابقة - وأن يلهمهم هذا بالتعايش والتفاهم في وقتنا الحاضر.
وهنا يبدأ تجميع واسترجاع طريق إبراهيم، وهو طريق يبدأ في حران في تركيا - المكان الذي يقترح الكثير من المصادر على انه المكان الذي سمع فيه إبراهيم «نداء» الله - ويستمر فيما بعد الطريق إلى سورية، نزولا إلى الاردن، مرورا بالنهر حتى الضفة الغربية، ومن ثم يمر بكل من المناطق الفلسطينية والإسرائيلية قبل أن ينتهي في الخليل والتي توصف في سفر التكوين على أنها المكان الذي دفن فيه إبراهيم.
وفي النهاية يمر الطريق بمصر إذ كان لإبراهيم أيضا إقامة مؤقتة فيها. وعلى الأمد البعيد يأمل الباحثون أن يتوصلوا إلى أن الطريق يمر بالعراق - إذ إن مكان ولادة إبراهيم كانت في أور - ومن المتوقع أيضا أن يكون قد مر بمكة التي توجد فيها الكعبة، وهي أطهر وأقدس مكان للمسلمين، التي يؤمن المسلمون أن إبراهيم ساعد في بنائها.
ويحقق تتبع واسترجاع الطريق في نظر القائمين على هذه المبادرة عددا كبيرا من الإمكانات: لكل من الحجاج المتدينين، ولتطوير إمكانات السياحة التي لم يتم إدراكها بعد في المنطقة، أما الموضوع الأكثر أهمية فهو تحطيم حواجز الخوف وسوء الفهم بين الشرق والغرب. وعلى رغم هذا فإنها تبدو بالنسبة إلى المشككين كخطة سلام مثالية ولا تنسجم بسهولة في جو الشرق الأوسط المتقلب، والذي تجد فيه الفرق المختلفة نفسها متورطة بالصراع.
ولكن المشروع الذي وضعت فكرة إنشائه وتمت دراستها لسنوات عدة تحت رعاية مشروع التفاوض العالمي في جامعة هارفارد لا يهدف إلى تجاهل أو حتى التغلب على الحقائق السياسية في الشرق الأوسط. عوضا عن ذلك يسعى المشروع إلى تعزيز الاتصال بين الناس العاديين اعتمادا على نقطة مرجعية يتفق عليها متتبعو الأديان التوحيدية الثلاثة الكبرى.
«نحن لا نقوم بخلق هذا الطريق. إذ إن هذا الطريق موجود وكل ما نقوم به هو إزالة الغبار عن هذا الطريق حتى تتمكنوا من رؤية آثار الأقدام، «يقول ويليام أوري من هارفارد، وهو خبير مشهور عالميا في مجال التفاوض بشأن الأزمات، كما أنه أحد كاتبي الكتاب الذي كان من أفضل الكتب التي لاقت رواجا «الوصول إلى نعم». وإن مبدأ المشروع بدأ مع البروفيسور أوري بعد عقود من العمل للجمع بين الأطراف المتحاربة ابتداء من الشرق الأوسط حتى ايرلندا الشمالية.
«لقد خطر لي أن طريق إبراهيم كان المصدر الوحيد الأقل توظيفا في الشرق الأوسط. إذ إنه يمثل الإيمان، الضيافة، والطيبة تجاه الآخرين. ولهذا فقد كان السؤال: هل يمكن لأحد ما أن يعيد الحياة إلى القصص القديمة لتصبح جوهر التعايش والتفاهم بل أيضا أن تصبح مصدرا اقتصاديا للنمو والازدهار».
هل أوشكت حكومة سورية على إعطاء تأشيرة سفر للإسرائيليين؟ هل سيشعر الشخص الأميركي أو الأوروبي العادي بأنه من الأمن السفر هناك؟ هل ستقوم «إسرائيل» بإعطاء تأشيرات سفر للمسلمين من أرجاء المنطقة ليمشوا في الجزء من الطريق الذي يقع في أراضيها؟
«يجب علينا أن نمضي في هذا المشروع بروية» يعترف أوري. إذ إن بعض أجزاء الطريق يمكن أن يحتاج إلى سنين ليتم إنشاؤه، ولا يرغب القائمون على المشروع أن يكونوا مفرطي التفاؤل بخصوص بعض الحقائق القاسية على أرض الواقع.
«خلال هذه الرحلة، ومن وجهة نظر العلاقات الدينية، الاجتماعية، والاقتصادية وجدنا صدى واسعا للفكرة على رغم الصعوبات والقضايا ذات العلاقة بفكرة المشروع، وقد حصلنا على الضوء الأخضر للمضي قدما فيه. وإن ما يواجهنا الآن هو كيف نساعد، ونتسبب في البناء الفعلي للطريق». إنهم يأملون بأن يفتح الطريق للزائرين بحلول ربيع العام 2008، وهو جزء من الطريق الذي سيتم فتحه تدريجيا.
وتشمل أهداف الطريق فيما تشمل كونها ستقود الزائرين عبر مناطق ريفية إذ سيكون بإمكانهم التفاعل مع الناس العاديين. وفي واجهة الطريق ستكون هناك شبكة من العائلات المستعدة لاستضافة الزائرين في بيوتهم. وهناك أيضا رؤية لاستضافة مجموعات أكبر من الزائرين، إذ إنه هناك الكثير من المشروعات قيد الإنشاء التي تهدف إلى بناء أماكن سكنى وإقامة للمسافرين جاهزة لاستقبال الضيوف على طول الرحلة.
وفعلا حتى يكون من الممكن البدء بشق هذا الطريق، يجب أن تكون المبادرة المحلية قوية بقدر قوة المبادرة الدولية. ويمكن اعتبار الدافع لفتح طريق إبراهيم في الاردن بسبب وجود الكثير من المدافعين الأساسيين عنه. وأحد هؤلاء المدافعين هو عمار خماش وهو أحد المهندسين المعماريين وعلماء البيئة المشهورين. وهو يقول إن معظم الحياة الأردنية تتركز في المناطق الحضرية المكتظة وبهذا سيساعد الطريق الناس أن يعيدوا اتصالهم بجذورهم بالمرور بالمناطق الريفية.
ولكن حميد مراد، وهو قائد اسلامي في الاردن يرى في الطريق وسيلة لتناول التسوية في الشرق الأوسط بطريقة مختلفة - طريقة يجدها كل الأديان الثلاثة في غاية الفائدة.
«نحن نشارك في مؤتمرات في كل الأوقات مع مسلمين، يهود ومسيحيين وفيها نتفق على كل القضايا ولكننا لا نشعر أبدا بالنتائج على ارض الواقع» يقول مراد، الذي شارك في جهود جبارة تبذل للتجميع بين الأديان: «إن قضيتنا تشبه قيامي بتشيغل محرك سيارتي من دون أن أقوم بإخراجها من المرآب أبدا» ويضيف مراد «وعليه فيمكن أن يكون من الأفضل لي أن أمشي على قدمي عوضا عن ذلك».
* كاتبة موظفة لمجلة «Christian Science Monitor».، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1642 - الإثنين 05 مارس 2007م الموافق 15 صفر 1428هـ