العدد 2249 - السبت 01 نوفمبر 2008م الموافق 02 ذي القعدة 1429هـ

الإسكان... سياسة ترحيل الأزمة

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل ثلاث سنوات، كان الرقم المعلن عن عدد طلبات الإسكان 44 ألفا، والمتوقع أن يكون ارتفع الآن إلى 47 ألفا، هذا إذا لم تكن هناك أرقامٌ حقيقية أخرى ليس مسموحا أن نطلع عليها بعد.

في بلدٍ صغيرٍ محدود المساحة والإمكانات، يعاني من خللٍ في طريقة توزيع وتمليك الأراضي، مع اتساع الفجوة الطبقية وزيادة أعداد الفقراء، كان ذلك كافيا لخلق أزمة. فإذا دخل عليها قرار السماح للأجانب بتملك الأراضي دون قيود، فذلك من شأنه مضاعفة حدّتها. فإذا أضيف عليها مشكلة الغلاء وزيادة الأسعار، مع تآكل الطبقة الوسطى وتراجع قدرتها المالية، فإننا سنكون أمام أزمة حادة عامة على أوسع نطاق.

ما حدث أمس الأول (الجمعة)، لم يكن مفاجئا، فإقامة مهرجانات شعبية وتنظيم اعتصامات في ثلاث محافظات (العاصمة والوسطى والشمالية)، إنما هو ما انتهى إليه الناس من قناعة بانسداد الأفق أمام أية حلول إبداعية لهذه الأزمة التي تمسك بخناق 47 ألف أسرة من مختلف الأطياف والمحافظات.

الحكومة من جانبها، وبالتعاون مع مجلس النواب، استطاعت أن تقدم حلا مؤقتا، بتقديم مخصصات شهرية لأصحاب الطلبات الإسكانية، وهو إجراء ذكيٌ خفّف من المعاناة على المدى القصير. إجراءٌ لا يحل الأزمة ولكن يرحّلها إلى المستقبل... على طريقة «لكل حادث حديث»، وإذا لم تستطع أن تعالج المرض، فلا أقل من تخفيف آلامه بالمسكنات، وهكذا سارت الأمور.

الجميع يعرف أن المسكنات حلول مؤقتة، لها أجلٌ مسمى ثم يزول أثرها فتعاود الآلام. وأنت في إقليمٍ تعتمد دوله كافة على النفط، ويشهد حركة سفر داخلي نشطة، وتجري مقارنة تلقائية دائما بين مستويات المعيشة في هذا البلد وذاك، فتظهر الفوارق الحادة بين البلدان، ويزداد الشعور بالإهمال في المناطق الأقل نموا، وخصوصا في قضايا الرعاية الاجتماعية والإسكان.

الجانب الآخر، ومع الطفرة العمرانية الكبيرة، هناك فوارق طبقية حادة تزداد اتساعا مع الوقت، وبدل أن تكون الكتلة الأكبر في الهرم الاجتماعي مكونة من الطبقة الوسطى، نرى الموازين تتحوّل لصالح الطبقات الفقيرة. علماء الاجتماع يفترضون أن الطبقة الوسطى تشكّل 70 في المئة من المجتمع في الوضع الطبيعي السليم، وعلى هامشها تتوزع الـ 30 في المئة على شريحة الأغنياء والفقراء.

في البحرين الآن، نحن نمر بمرحلةٍ انتقاليةٍ صعبة، حيث تتآكل الطبقة الوسطى، ويتساقط أعدادٌ منها إلى قاع الهرم. ولعل أبرز الأمثلة «الكلاسيكية» وجود شرائح كانت مقتدرة ماليا حتى وقتٍ قريب، كالأطباء والمهندسين والمدرّسين، بدأنا نسمع صيحاتها في الأعوام الأخيرة وإشهار عجزها عن امتلاك قطعة أرض أو الحلم ببناء منزل. فإذا تكرّس هذا الشعور الشعبي العام بالعجز وقلة الحيلة، جاءت مثل هذه التحركات الأهلية الهادئة للمطالبة بتطمينات بعدم ضياع الحلم وتبدده وتلاشيه، كما في المدينة الشمالية.

إنها عوارض أزمةٍ خانقةٍ تمسّ عشرات الآلاف من المواطنين، تُركت دون حلٍّ فزادت تعقيدا، ولا يُرى في الأفق ما يبشّر بحل.

الموضوع له عدة جوانب، إنسانية واجتماعية واقتصادية وأمن / نفسية، ويهم الجميع دون استثناء، ونخشى أن تدخل بعض الأطراف المشبوهة على الخط لتسييسه أو طأفنته. إنه مؤشرٌ على وجود أزمةٍ ستتصدر قائمة آلامنا لعقدين قادمين، كما تصدّر ملف العاطلين في العقدين الماضيين

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2249 - السبت 01 نوفمبر 2008م الموافق 02 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً