صدر تقرير الرقابة وتداولته الكثير من الأقلام الإعلامية والصحف بما فيها تصريحات نوابنا الخجولة أو جمعياتنا السياسية وكأنها شبيهة بالتقرير نفسه تعيد إنتاج نفسها وتجتر تصريحاتها للعام الماضي من دون أن تضع يدها على مربط الفرس ألا وهو غياب آلية مناسبة ومتفق عليها للمحاسبة وبالذات عندما تتكرر الممارسات غير المسئولة ويتم تضييع أو إهـدار المال العام من دون حسيب أو رقيب.
وقد جاءت الطامة الكبرى في المعلومات المتداولة التي رافقت تصريحات الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للتأمين الاجتماعي عن خسارة الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية مبلغ 146 مليون دينار بحريني لتثير فقط (وهنا علامة تعجب كبيرة جدا) قلق البعض من دون تحقيق جدي لضياع أموال العاملين وهي أمانة في عنق من يديرها ويستثمرها ومن دون محاسبة حقيقية لكيفية ضياعها ومسئولية من يديرها عن ضياع كل تلك الأموال.
وقد احترنا مع هذا التقرير الذي حالما يتم صدوره وتداول محتواه تتبارى الوزارات والشركات والمؤسسات المعنية في إصدار البيانات الصحافية التي لا تبرر ما جاء فيه فقط وإنما لتنفي في أحيان كثيرة ما توصل إليه القائمون على هذا التقرير من خلال مراقبتهم أدائها من قناعات وتحليلات ونتائج.
فها هي شركة ألبا على لسان رئيس مجلس إدارتها تنفي وجود خلاف بينها وبين شركة بابكو بشأن تسعير الغاز الطبيعي، بل وحقيقة غياب 44 مليون من السجلات. وفي الوقت الذي بادر رئيس مجلس الإدارة في إصدار بيانه تغاضى عن مجمل الملاحظات الأخرى التي أوردها التقرير والتي في غالبيتها عبارة عن ملاحظات تم تسجيلها والإشارة إليها في التقارير السابقة. بل وتحاشى على رغم أننا كنا نأمل منه خيرا كثيرا بشأن الإصلاحات المطلوبة في الشركة وبنيتها الإدارية والمالية وبالذات في إيجاد دليل شفاف ومناسب عن إعداد الموازنة والقضاء على الفساد الإداري والمالي الذي أشارت إليه مسبقا شركة ممتلكات التي يمثلها!. والأدهى من ذلك أن لا رئيس مجلس الإدارة ولا تقرير الرقابة الذي تناقلته الصحف أشار أو أورد أية إيضاحات عن قضية ألبا / ألكوا المرفوعة في المحاكم الأميركية، ولا قضية الخسائر التي تكبدتها ألبا من المال العام في قضية بيع حقوق الشراء والتي تستنزف من خزينة الشركة والمال العام بحسب تقديرات العاملين في سوق لندن للمعادن ما يقارب 50 -60 مليونا شهريّا! ودع عنك عقود شراء خام أكسيد الألمنيوم (الألومينا) للفترة ما بين 1994 و2014، وهذا غير باقي قضايا الفساد الإداري التي سبق لنا إثارتها والتي حتى الآن ننتظر الإجابة عليها.
ولو عدنا إلى الشركة الأخرى من الشركات الكبرى التي تديرها «ممتلكات»، وهي التي تجاهر بأنها تعمل على محاربة الفساد الإداري والمالي وتصحيح الأوضاع المتسيبة في الشركات التي تخضع لإدارتها، نرى العجب العجاب. فهي تفتقر إلى العمل واللوائح والأنظمة المؤسساتية في إجراءات عملها في المشتريات ويتم تجاوز حتى أنظمتها المتسيبة والصلاحيات الممنوحة حتى من الذين تم توظيفهم بعد المباشرة فيما يسمى الإصلاح الإداري في الشركة وبمرتبات تفوق بأضعاف الرواتب التي كانوا يحصلون عليها في وظائفهم السابقة! بل حتى لوائح الشراء التي تعتمدها حتى المؤسسات والشركات الصغيرة، بما في ذلك قدرة إدارة المحاسبة على التحقق من تسلم ما تم شراؤه، فهذا غائب كليّا عن شركة بمثل حجم وتاريخ عمل شركة كطيران الخليج. ألا يحق لنا بعد هذا كله أن نصرخ بملء فيهنا عجبي!
فإذا أضفنا إلى كل ذلك ما جاء وورد في التقرير بشأن الكثير من وزارات الدولة والذي تكرر في أكثر من تقرير من التقارير السابقة، ألا يحق للمواطن أن يسأل عن سبب غياب جهة مختصة واّلية لمحاسبة المخالفين والعمل على إعداد لوائح وأنظمة بحسب الأصول المحاسـية والإدارية العالمية؟ أليس من الممكن أن تضاف إلى ديوان المحاسبة أو أية جهة مستقلة صلاحيات تمكنها من المحاسبة وإحالة الجهات أو الأفراد المخالفين إلى المحاسـبة الإدارية والنيابة العامة إذا اقتضى الحال ذلك، وخصوصا في ظل عجز وقصور الرقابة النيابية وعدم قدرتها على ذلك؟
فمن غياب أنظمة الرقابة الداخلية الذي يجعلها عرضة للاختلاس وسوء الاستغلال، إلى التقصير في حماية الأملاك البلدية جعلها عرضة للتعدي غير المشروع، إلى ضياع 30 في المئة من الوقود في البلديات، إلى 38 أعزب يحصلون على مساعدات أرباب أسر، إلى تجاوزات وزارة الصحة التي بخلت في أن توفر لممرضيها الكادر العادل!
إذا المطلوب ليس تقارير رقابية تثير ضجة غالبيتها مفتعل ثم يتم ركنها على الرف ويبقى الحال كما هو عليه ويتحفنا نوابنا بعجزهم وعجز لوائحهم وصلاحياتهم التشريعية والرقابية بمقولة على المتضرر أن يلجأ إلى القضاء
إقرأ أيضا لـ "عبدالمنعـم الشـيراوي"العدد 2249 - السبت 01 نوفمبر 2008م الموافق 02 ذي القعدة 1429هـ