هل نحن فعلا في مشهد عربي وإسلامي طائفي عام ومكتسح ؟ كتاباته طائفية وخطاباته طائفية ومنابره طائفية وتصرفاته على الأرض طائفية؟، أم أن الأمر غير ذلك؟
بين يوم وآخر تطلع علينا كتابات تجرح الانسجام الوطني، وتُسمع خطابات بنبرات ناشزة تتعالى هنا وهناك، ونرى رسائل تصل عبر الإيميل بعناوين مواقع متخصصة في الفتن والتمزيق الاجتماعي لمكونات المجتمع.
ويمكن لكل منا أن يبحث في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة ليسلط الضوء على مقاطع يختارها من دون تكلّف ليستنتج مشهدا ينمقه ويلونه بالأحمر والأسود ثم يوحي لنا أننا في ظلام الفتن وسواد الطائفية، ومزالق الاعتداء على بعضنا.
فهل هذه هي صورتنا في العالم العربي والإسلامي، وفي جميع دوله وأقطاره، طائفية وطائفية مضادة، بغض وحقد مضاد؟
في اعتقادي أن الأمر ليس كذلك... نعم هناك بؤر متوترة طائفيا أو سياسيا (وإن طلي الاختلاف السياسي بطلاء الطائفية والمذهبية)، لكن عالمنا العربي والإسلامي بغالبيته الساحقة كما هو لم يتغير،عالم مشهود له بالألفة والمحبة والتراحم، والمحيط الجغرافي الواسع للأمة الإسلامية مازال نظيفا وطاهرا عن المستنقع الذي تتحرك فيه بعض المخلوقات الإنسانية المريضة هنا وهناك، ولو عدنا لداخلنا لسمعنا من أرقى المنابر عندنا (في المملكة العربية السعودية) خطبة الجمعة في المسجد الحرام والتي ألقاها الشيخ صالح الحميد إمام الحرم المكي ورئيس مجلس الشورى في20/1/1428هـ والتي تعكس كما هائلا من الخطاب المتحرك في أرجاء المجتمع ومساجده ومنابره. ولرأينا كتابا وعلماء ومثقفين خطت أناملهم ما يُثلج الصدر ويبدد الهم، ولست هنا بصدد عدهم وذكر أسمائهم، فهم عرفوا بالإنصاف، والعدل والوطنية والحب لكل الوطن وكل مكوناته، وهم أصوات وأقلام تليق برسالة هذا البلد وموقعيته وأخلاق أهله وتاريخه الطويل في الغابر والحاضر...
ما سبق لا يمنع من الإشارة إلى بعض التقصير والغفلة التي تعترينا كمجتمع بشري، يشغله حراك يومه وتفاعلاته أحيانا عن الكثير مما بناه في فترات سابقة، وأحيانا يؤخذ بالصوت المرتفع والنبرة العالية، التي قد تشل تفكيره أحيانا وتؤخر من مضيه في استهدافاته السليمة، سأتحدث في بعض ذلك التقصير بطريقة إيجابية:
1- تظهير المواقف الايجابية، من كتابات وخطب وندوات ومهرجانات وفنون، فالذي يبدو لي أننا اشتغلنا وشغلنا أنفسنا ومن حولنا ببعض السلب واللغط الذي أفرزته الساحات المتشددة هنا وهناك، وحركناه من حيث نشعر أو لا نشعر ما ضاعف أثره السلبي على أبناء مجتمعنا، وجعلنا في حال لا نحسد عليها من التشنج وردة الفعل، في مقابل ذلك أضعنا الأطروحات الإيجابية وتناسيناها، وكأن الجميع توافق( دون عقد) على طمسها وتجاهلها الأمر الذي جعل الحاضر في المشهد العام هو السلب والتطرف وكأن كل بلادنا بهذا المنحى وفي هذا الاتجاه.
قد يقول قائل إن طبيعة العرض الاستفزازي والاستعدائي جاذب للأنظار، ومحرك للسواكن لأن فيه شمة تحد ومبارزة وهو ما يفسر لنا الكم الكبير من القراء على مواقع الانترنت لكل ما هو مثير وسلبي، واستعدادهم للتعليق والرد والانفعال، وهو قول صحيح، لكن السليم أيضا أننا مقصرون في إشهار الأطروحات والكتابات الإيجابية وتداول أخبارها وجعلها محلا للحوار والنقاش والتفاعل الاجتماعي.
2- تكثيف التعاون بين الإيجابيين:
فعن قصد أو غير قصد، وللانحناء للعاصفة أو استجابة للهجمة السلبية، ولخجل وحياء أم هو أثر طبيعي يستغرق وقته حتى يمضي وتزول آثاره، فإن مستوى التعاون والتلاقي بين الايجابيين (وهم الأكثر والأغلب) من مختلف مكونات مجتمعنا قد انخفض في هذه الظروف الاستثنائية، محققا نصرا مشهودا لكل متخندق وقنّاص يطلق النار على مبادرات التلاقي والتعاون.
والواقع أن رجال ومؤسسات ولجان الأزمات الاجتماعية لم يُخلقوا بعد في مجتمعاتنا، بالكثرة التي يُلبون فيها حاجة البلاد، وما هو موجود بالفعل هم نفر معدود ومحدود، وهم أقل قدرة على استيعاب الساحة، وتأدية الغرض في ظروف التنافر والتباعد، مع كل الشكر لجهودهم المهمة التي يبذلونها من اجل خير البلاد وسلامة إنسانها.
ولتقريب الفكرة فإن المشهد اللبناني حاضر في أذهاننا بتعقيداته وتشنجاته التي وصلت إلى شوارعه وجامعاته، لكن ذلك لم ولن يمنع رجال ذلك المجتمع الحيوي عن المبادرات والأفكار الخلاقة من مختلف الأطياف من تفريخ وإنتاج المبادرات التي لا تزال تحافظ على نسق معقول من المواجهة بالنظر لحراجة الوضع للبناني وتناقض الأطروحات في ساحته.
إننا أحوج ما نكون الآن لمبادرات ورؤى إيجابية تتسم بالوضوح والجرأة تتحملها كل مؤسسة وكل شخص يشهد له تاريخه بالإيجاب والوطنية، ليساهم في سطوع صورة إيجابية لمجتمعنا إلى جانب باقي الصور التي صُفق لها كثيرا.
3- مهمة المنتديات الثقافية والاجتماعية التي تعم بلادنا من أقصاها إلى أقصاها هو أن تستفيد من هذه الفترة الزمنية المربكة والمقلقة، بأقصى ما يمكنها للتعرف على بقية الآراء والأفكار والأطروحات في المجتمع، كي يكون المجتمع أقرب إلى معرفة تصورات بعضه بعضا، الأمر الذي يساعد على تقوية المجتمع وحمايته من كل سوء في ظروف المحنة والفتن.
أعود متمنيا أن نحرك أعيننا قليلا في الاتجاه الآخر، لكي نرى صورة بيضاء تعكس ملامح مجتمعنا وأخلاقه وحسن تدينه، ولنبدأ بزراعة مبادرة مكان كل هاجس في نفوسنا، فالطريق لا يعبده إلا المبادرون.
إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"العدد 1641 - الأحد 04 مارس 2007م الموافق 14 صفر 1428هـ