ناقش المؤتمر والورشة التدريبية عن «استغلال البشر والمتاجرة بهم» الذي عقد في البحرين للفترة من 18 - 20 فبراير/ شباط الماضي عددا مهما من الاوراق والقضايا التي تهم المجتمع البحريني خصوصا والخليجي عموما.
ووفقا لآلية التنظيم فقد كرس اليوم الاول (18 فبراير) لفعاليات المؤتمر الذي نظمته جامعة جون هوبكينز مع كل من وزارة التنمية الاجتماعية ووزارة الخارجية، اما اليومان التاليان (19 و20 فبراير) فكان عبارة عن ورشة عمل نظمها مركز تطوير التعليم بجامعة هوبكنز مع الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، والجمعية البحرينية لحقوق الانسان.
الحدث أثار جملة من التساؤلات المشروعة عما إذا وحصل الاستغلال بحق العمالة المهاجرة (الوافدة) إلى درجة الاتجار بالبشر.
المؤتمر هو الثاني من نوعه والذي تنظمه جامعة جون هوبكنز في البحرين، إذ عقد الأول في 21 مارس/ آذار 2006، وكما جاء في خطاب الدعوة للمشاركين فإن هدف مشروع الحماية الذي تنفذه الجامعة هو جمع ممثلي الحكومة وقطاع رجال الأعمال، ومنظمات المجتمع المدني والقضاة والمحامين ورجال الأمن، وغيرهم من المسئولين للتعرف جيدا على مشكلة استغلال البشر والمتاجرة بهم، ومناقشة أفضل السبل لمواجهة المشكلة والحد منها.
جامعة هوبنكنز لديها مركز تطوير التعليم، وهو مركز ذو امكانات كبيرة يقوم بتنفيذ برامج في عدد من بلدان العالم، بما فيها مملكة البحرين، ويتلقى المركز دعما من الكونغرس الأميركي لتعزيز ثقافة مناهضة استغلال البشر والمتاجرة بهم، وخصوصا العمالة المهاجرة والنساء والأطفال. ويندرج البرنامج الذي تنفذه جامعة هوبكنز ضمن التزام حكومة الولايات المتحدة تجاه الكونغرس الأميركي في دعم إحداث تغييرات في التشريعات والسياسات والممارسات في البلدان التي تعقد معها الولايات المتحدة اتفاق التجارة الحرة، ومنها مملكة البحرين في مجالات احترام حقوق الإنسان وحقوق العمال وحقوق العمالة المهاجرة ومكافحة الفساد وغيرها.
وإذا كانت جامعة جون هوبكنز تتولى بحكم اختصاصاتها الجوانب المتعلقة باستغلال العمالة المهاجرة والمتاجرة بها فإن اتحاد العمل الأميركي يتولى مسألة الحريات النقابية والعمل النقابي مثلا.
ومن الواضح أن استعداد حكومة البحرين للاعتراف بمشكلة الاتجار بالبشر وحتى بعض جوانبها المحرجة كالمتاجرة بالنساء في الدعارة مثلا ليس بمعزل عن استحقاقات اتفاق التجارة الحرة مع الولايات المتحدة، وطموحها لتقديم نفسها للعالم مثال البلد الذي يحترم المعايير الدولية لحقوق الإنسان وخصوصا في ضوء عضوية البحرين في المؤسسات الدولية الحقوقية.
الجانب المضيء من الصورة
خلال اليوم الأول وهو المخصص للجانب الرسمي مع ممثلي جامعة هوبكنز وتحدث فيه عن الجانب البحريني كل من وزيرة التنمية الاجتماعية فاطمة البلوشي والوكيل المساعد لوزير الخارجية الشيخ عبدالعزيز آل خليفة ورئيس اللجنة الوزارية المكلفة بمناهضة الاتجار بالبشر، كما تحدث فيه السفير الأميركي في البحرين وليام مونرو والمستشارة لدى الخارجية الأميركية حول المتاجرة بالنساء لورا ليدر وعن جامعة جون هوبكنز تحدث كل من المديرة بمركز تطوير التعليم اليزابث ماركوفيتش والمدير التنفيذي لبرنامج الحماية بجامعة جون هوبكنز محمد مطر، عرض الجانب الرسمي البحريني الخطوات التي اتخذتها مملكة البحرين لحماية العمالة الاجنبية ومكافحة استغلالها، والمتاجرة بها كجزء من التزام مملكة البحرين بحقوق الإنسان وفي إطار المشروع الإصلاحي، ذكرت الوزيرة مشروع دار أمان الذي اقامته الحكومة وسلمته إلى الجمعية البحرينية لمناهضة العنف الأسري لإدارته ويهدف إلى إيواء النساء المعنفات، كما نوهت وزيرة التنمية إلى تعاون وزارتها مع منظمات المجتمع المدني في هذا الخصوص. أما الشيخ عبدالعزيز آل خليفة فنوه إلى دور اللجنة الوزارية المشتركة المشكلة من وزارات الخارجية والداخلية والعدل والتنمية الاجتماعية والعمل والنيابة العامة، لتنسيق عملها في مكافحة الاتجار بالبشر. وأشار إلى مشروع قانون لتحريم المتاجرة بالبشر ستحيله الحكومة قريبا على مجلسي النواب والشورى، وانضمام البحرين كمراقب إلى المنظمة الدولية للهجرة، والتعديلات المرتقبة على قانون العمل، وجهود اللجنة في توعية العمالة المهاجرة بحقوقها.
السفير الأميركي نوه بجهود مملكة البحرين في مجالات التشريعات والسياسات المتعلقة بمناهضة الاتجار بالبشر، واستبشر مما ساقه بعض المسئولين قبله، في الوقت ذاته نبه إلى أن مكانة مملكة البحرين فيما يتعلق بالمتاجرة بالبشر هي في المرتبة الثانية (الوسطى) تحت المراقبة، أي تلك الدول التي يمكن أن تنحدر إلى المرتبة الثالثة الأسوأ أو التي ترفع عنها الرقابة مؤقتا.
وإذا ما رجعنا إلى تقرير الخارجية الأميركية عن البحرين فيما يتعلق بالاتجار بالبشر فإنه يسجل جوانب سلبية عدة من حيث التشريعات والسياسات والممارسات المتعلقة بمعاملة العمالة المهاجرة بما في ذلك المتاجرة بالبشر ومنها المتاجرة بالنساء (الدعارة)، وفي الوقت ذاته أشار السفير إلى جهود صادقة من قبل مملكة البحرين لمعالجة هذا الوضع.
لورا ليدر ذكرت في كلمتها أن المشكلة دولية تطول الملايين وأي بلد في العالم إما هو مصدر العمالة المهاجرة أو مستقبل لها أو معبر لها أو جميع هذه الأشياء، ونوهت إلى أن الانتهاكات الواسعة لحقوق المهاجرين وخصوصا المكسيكيين واللاتينيين في الولايات المتحدة بما في ذلك الاتجار بالنساء في الدعارة، هو الذي دفع الولايات المتحدة لسن قانون خاص لمكافحة الاتجار بالبشر، كما أن التحول في السياسة الخارجية الاميركية، جعلها تصدر تقريرا سنويا عن الاتجار بالبشر، يقدم إلى الكونغرس الأميركي، ويؤخذ به كأحد المعايير في الاتفاقات التجارية بين الولايات المتحدة والدول الأخرى، وعلى هذا الأساس فإن اهتمام الولايات المتحدة بأوضاع العمالة الأجنبية والاتجار بالبشر في مملكة البحرين يحيى في ضوء العلاقات المميزة بين الولايات المتحدة ومملكة البحرين.
إليزابث ماركوفيتش عرفت ببرنامج الحماية الذي تنفذه جامعة جون هوبكنز بدعم من الكونغرس الاميركي وحثت الحكومة ومنظمات المجتمع المدني للاستفادة منه. أما محمد مطر فقد أشار إلى الاجراءات الايجابية التي اتخذتها مملكة البحرين في التصدي لمشكلة المتاجرة بالبشر منذ انعقاد المؤتمر الأول الذي نظمته الجامعة في مملكة البحرين في 21 مارس/ آذار من العام الماضي.
الوجه الآخر
هذا هو الجانب الايجابي والذي اتخذته حكومة البحرين وأثنى عليه الضيوف الأميركيون، ولكن ليس هذا الا جانبا من الصورة. ففي النقاشات التي رافقت إلقاء الكلمات، ثار جدل ساخن بين ممثلي منظمات المجتمع المدني وبعض المسئولين الحكوميين، وذلك بعد عرض ممثلي الجمعيات الأهلية للقصور الرسمي على مختلف الأصعدة. واستشهد هؤلاء بحوادث محزنة من المعاناة والاستغلال البشع للعمالة الأجنبية والمتاجرة بالنساء ومن ذلك حوادث انهيار واحتراق البيوت المتهالكة للمهاجرين وحوادث الانتحار المتكررة، وحوادث انحدار عاملات مهاجرات إلى الدعارة وتعرض الكثير من عاملات المنازل إلى إساءة المعاملة بما في ذلك الاعتداءات الجنسية.
بعض ممثلي الحكومة لم يستوعبوا حتى الآن أن مملكة البحرين مازالت في أول الطريق في مكافحة هذا الوباء، وان الشراكة مع المجتمع المدني ليست شعارا للاستهلاك وإنما استعداد للتعاون من موقعين مختلفين.
المجتمع المدني: تقييم مختلف
اليومان التاليان شهدا ورشة العمل لممثلي منظمات المجتمع المدني بمشاركة الاختصاصيين في جامعة جون هوبكنز واختصاصيين محليين. وإذا كان من الصعب علينا في حدود المساحة المتاحة استعراض المادة التعليمية التي قدمها خبراء الجامعة والخبراء البحرينيون، فإنه من المفيد العرض المختصر للتقارير والدراسات التي قدمها صحافيون ونقابيون ونشطاء حقوقيون لمختلف جوانب المشكلة.
سبيكة النجار قدمت ورقة عن أوضاع العمالة المنزلية. الباحث عبدالحميد عبدالغفار قدم ورقة عن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والسكنية للعمالة الآسيوية.
والحقوقي عبدالنبي العكري قدم بحثا عن انتهاكات حقوق العمالة المهاجرة في ضوء معايير حقوق الإنسان. والنقابي كريم قدم ورقة عن محدودية دور العمالة الأجنبية في الحركة النقابية وجهود الاتحاد للتغلب على ذلك.
لكن المثير في هذه الورشة، التحقيقات الميدانية والبحثية التي قامت بها مجموعة من الصحافيين البحرينيين وهم عباس المرشد ومحمد السواد وتمام أبو صافي في العالم الحقيقي للاتجار بالبشر، وخصوصا الدعارة. وإذا كانت الفكرة السائدة هي أن الدعارة محصورة بالوافدات العربيات والآسيويات، فقد بدأت الصحافية تمام أبو صافي هذه الصورة، إذ اقتصرت تحقيقاتها على الدعارة من قبل البحرينيات.
لقد أضحت الدعارة كشكل من أشكال الاتجار بالبشر والرق المعاصر وبات يهدد المجتمع البحريني، إذ لا يقتصر المتعاطون به على السياح الخليجيين كما يعتقد. لقد أظهرت هذه التحقيقات أن هناك شبكات من شخصيات نافذة تتعاون مع شبكات في بلدان المصدر، تستدرج فتيات ونساء بإغراء العمل ذي الدخل المجزي لتصطادهن في ظل غياب الوعي أو الحماية، وتستخدمهن في الدعارة، لكن الأمر لا يقتصر على ذلك بل يجري إغراء عاملات المنازل وغيرهن، وخصوصا ممن هربن من كفلائهن أو وجدن أنفسهن في ظروف قهرية للتحول إلى الدعارة. لكن هناك فئة ثالثة من البحرينيات وغيرهن ممن يغريهن الدخل المرتفع والسهل لتحقيق أحلامهن في حياة الرفاهية. كما يقف خلف المئات ممن احترفن الدعارة سواء من البحرينيات أو الأجنبيات عائلات متصدعة، ونساء مطلقات مرفوضات من المجتمع، أو إغراءات المغامرة والسعي لحياة فارهة من دون جهد في مجتمع يغوي بالاستهلاك الرخيص والكسب الحرام، والشطارة.
أظهرت التحقيقات أن مجموعة صغيرة من المتنفذين المعروفين، هي التي تدير شبكات الدعارة والشقق المفروشة وبارات الجنغل والفنادق الرخيصة في سلسلة متكاملة الحلقات. هؤلاء هم فوق القانون، ولذلك فإن من يجري ضبطهم سواء من الوسطاء أو المتعاطين للدعارة ذكورا وإناثا هم من المستوى المتدني وغالبا ما يكونون من الآسيويين أو الآسيويات الفقراء ممن لا سند لهم، لذلك فهذه التجارة الحرام في ازدهار ولن يحد منها الحديث عن السياحة النظيفة.
امتهان البشر
الوجه الكالح الآخر هو في معاناة العمالة المنزلية والتي يطلق عليهن الخادمات. لسنا بحاجة إلى إثبات ما هو ثابت، فالشواهد اليومية تنقل لنا صورا بشعة لمعاناة الغالبية العظمى منهن. حتى اليوم فقانون العمل في القطاع الأهلي لا يغطي العاملين والعاملات في المنازل وعددهم يتعدى 70 ألفا. السائد هو أن عاملة المنزل هي آلة وليست إنسانا تعمل من الفجر وتكون آخر من ينام من سكنة المنزل، لا ساعات عمل محددة ولا إجازة أسبوعية.
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 1641 - الأحد 04 مارس 2007م الموافق 14 صفر 1428هـ