العدد 1641 - الأحد 04 مارس 2007م الموافق 14 صفر 1428هـ

عراقيون يبحثون عن قوتهم في مستودع للقمامة

تمثل الطفلة هدى حمدان (13 عاما) التي كانت تجلس وسط أكوام من القمامة في مستودع للنفايات في بغداد الجانب الإنساني لتقرير جديد للأمم المتحدة يقول إن ثلث سكان العراق الذي تمزقه الحرب والبالغ عددهم نحو 26 مليون نسمة يعيشون تحت خط الفقر.

وكانت الفتاة التي ترتدي حجابا أسود تأخذ قسطا من الراحة خلال عملية البحث عن علب الالمنيوم والزجاجات البلاستيكية التي تقوم ببيعها مقابل بضع دنانير قليلة.

وتحاول الفتاة منع نفسها من التقيؤ بسبب الرائحة النتنة للمخلفات المنزلية المتحللة المحيطة بها.

وتتنافس هدى وأخوتها وأخواتها الستة في عملها مع عشرات آخرين بينهم كثير من النساء والأطفال شردتهم أعمال العنف الطائفي التي دفعتهم للفرار من منازلهم واللجوء إلى حي مدينة الصدر الذي تسكنه غالبية شيعية.

واتخذت عشرات الأسر الشيعية النازحة من مستودعات القمامة ملجأ لها إذ تعيش في ظروف غير صحية داخل خيام أو أكواخ بدائية مصنوعة من علب الزيت أو تحتل مبان خالية وتحاول البحث عما يسد رمقها.

وكشف تقرير أعده برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة وهيئة حكومية عراقية نشر الأحد الماضي أن خمسة في المئة من العراقيين يعيشون في فقر مدقع وإن بغداد هي أقل المناطق المحرومة بينما المحافظات الجنوبية هي الأكثر حرمانا.

وقال التقرير إن ثلث العراقيين إجمالا يعيشون تحت خط الفقر. ولم يعرض التقرير مقارنة مع سنوات سابقة.

غير أن برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة قال إن الدراسة : «أظهرت تدهورا في مستويات معيشة العراقيين» إذ كان العراق دولة مزدهرة متوسطة الدخل في السبعينات والثمانينات. وتسببت الحرب التي بدأت قبل نحو أربع سنوات والتي أعقبت نحو عشر سنوات من العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة في التسعينات في إصابة الاقتصاد بالشلل وزادت من معدلات البطالة الأخذة في التصاعد.

وقال بيان البرنامج «إنه (التقرير) يظهر فشل سلطات الدولة في توفير الخدمات الملائمة للسكان» كما ألقى باللوم على المساعي المدعومة من الغرب لتحويل الاقتصاد إلى سوق حرة لتسببها في «تفاقم مستويات الحرمان».

وقالت هدى إنها فرت هي وأخوتها من مدينة الفلوجة التي تعد معقلا للمسلحين السنة غربي بغداد بعدما قتل قناص أميركي أمها. ويعيش هؤلاء اليوم مع جديها وأقارب لهم في مدينة الصدر.

وتشير تقديرات مفوض الأمم المتحدة السامي لشون اللاجئين إلى وجود 1.6 مليون نازح عراقي بينهم 425 ألفا فروا من منازلهم بعدما آثار تفجير مرقد الإمامين الحسن العسكري وعلي الهادي في سامراء في فبراير/ شباط 2006 موجة من العنف الطائفي.

وتقول هدى بصوت رقيق : «نحن فقراء...لا نملك شيئا.» ورفعت هدى يدها اليمنى ونزعت عنها قفازا باللونين الأزرق والأبيض مصنوع من الصوف ترتديه لحماية كفها المصابة من الأوساخ وقامت بحذر بفك ضمادة كانت نظيفة بشكل مدهش.

وتسبب الباب الخلفي لشاحنة تنقل النفايات في قطع إصبعها الصغير عندما تزاحم الباحثون عن علب البلاستيك والالومنيوم حول الشحنة محاولين البحث فيها قبل أن تلقي بها الشاحنة فوق كومة القمامة.

وتنتشر الأمراض والعدوى بين هؤلاء. وليس من الصعب معرفة السبب إذا أدير النظر حول مستودع القمامة. فالرجال والنساء والأطفال الذين تكسو ملابسهم طبقة سميكة من الأوساخ يخوضون في برك مياه نتنة أو يتسلقون الجبال بحثا عن القمامة ويقومون بالتنقيب في النفايات باستخدام قضبان معدنية طويلة مقوسة لإخراج العلب.

وكان حظ سيف (15 عاما) جيدا. وقال «وجدت هذا» وكان ممسكا بأربع أرغفة خبز. وقال : «سننظفها ثم سنتناولها في الفطور. لا نملك مالا لشراء طعام».

وغير بعيد من المكان كان علي اليتيم الذي يبدو أقل من سنين عمره العشر يسحب كيسا أبيض كبيرا مملوءا بعلب المشروبات ذاهبا بها إلى ميزان تاجر خردة محلي دفع له 2000 دينار عراقي (1.5 دولار) بعدما تأكد من أنه لم يضع طوبا بالكيس لزيادة الوزن.

وكان جواد حبيب (21 عاما) اضطر للنزوح عن منزله في حي أبوغريب معقل السنة في الضواحي الغربية لبغداد. وحصل على وظيفة كعامل بناء باليومية غير أنه ذهب إلى مستودع القمامة بعدما فجر مهاجم انتحاري نفسه وسط مجموعة من العمال.

غير أنه وجد الخطر كامنا أيضا هناك وسط الحطام المتعفن. وقال : «عثرت على قنبلة وأبلغت الشرطة». وكان حبيب محظوظا. فقد قال باحثون آخرون وسط القمامة إن فتاة صغيرة قتلت في انفجار.

ويشير تقرير برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة إلى أن محنة علي وهدى وسيف وجواد هي نتيجة «أزمة سياسية وأمنية شديدة التعقيد مع عدم وجود حل سريع فيما يبدو».

وقال باولو ليمبو مدير البرنامج في العراق لرويترز في مقابلة من عمّان : «كنت في مناطق صراع على مدى 22 عاما. العراق لا يشبه أي مكان آخر على وجه الأرض».

وأضاف أن الحرب الإيرانية العراقية وحرب الخليج في العام 1991 والعقوبات الدولية والفوضى التي أعقبت الغزو الذي قادته الولايات المتحدة قد وجهت سلسلة من الضربات العنيفة للاقتصاد العراقي تسببت في خلق «نوع فريد من الحرمان». وأضاف «هل سيتحسن الوضع في المستقبل القريب...لا...لا أعتقد ذلك... لكن ذلك لا يعني أنني غير متفائل. هذا البلد يمتلك ثروة هائلة من الموارد».

العدد 1641 - الأحد 04 مارس 2007م الموافق 14 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً