دعونا نعطي مسلمات أساسية فيما يخص عملية الإصلاح الدستوري من عدة جوانب. فالجانب الأساسي هو التأكيد على ضرورة استمرار عقد المؤتمر الدستوري، وعدم انقطاعه. إذ في عقد المؤتمر الدستوري، الانعقاد وحده، دلالة على وجود إشكالية دستورية، وعقد مؤتمر دستوري سنوي، وفعاليات تعنى بالدستور طيلة العام، يُفهم منه وجود إشكالية دستورية، أي هناك عدم توافق بشأن الدستور.
الدستور هو الأب الشرعي للقوانين، وطالما أن الإشكالية الدستورية قائمة فإن الحوار يجب أن يستمر ويتوسع قاعديا، وليس معنى ذلك التنازل عن مبادئ أساسية تحكم عملية إصدار الدساتير والتعبير عن الإرادات الشعبية من خلال ما توفره تلك الدساتير من قنوات تشريعية، إنما توسيع المشاركة للاستماع إلى مختلف الأطراف التي تسعى إلى إيجاد الحلول المناسبة للإشكالية الدستورية، والبحث معها في الآليات فقط، والتي من الممكن تأخير تغييرها بحسب الظروف كإجراء تكتيكي من أجل خلق توافق وطني، أما المسألة الدستورية فهي محسومة بحسب فقهاء القانون في العالم، وليس في يد المؤتمرين أم من هم خارج المؤتمر الحق في تقرير خلاف ما قرره الفلاسفة والفقهاء بشأن إصدار الدساتير ونظرية السيادة الشعبية، ومبدأ الشعب مصدر السلطات جميعا.
توسيع المشاركة في المؤتمر من خلال دعوة مختلف الأطراف. فجمعيات «الأصالة» و«المنبر الإسلامي» و»الوسط» إضافة إلى جمعيات «التحالف الرباعي» وغيرها، جميع الأطراف من المهم مشاركتهم، وتخصيص وقت للاستماع إلى وجهة نظرهم حول الإشكالية الدستورية. فالدستور للبحرينيين جميعا وليس للمعارضة وحدها فقط. وجمعيتا «الأصالة» و»المنبر» قد عانتا سابقا من الوضع الدستوري والصلاحيات الممنوحة لهم كنواب للشعب، ومارسوا دورهم كممثلين عن الشعب بانتقاص من مقدرتهم التشريعية كما هو الحال في الدول الديمقراطية والممالك الدستورية. وليس هناك إشكالية في خلق توافق وطني حول جزئيات محددة والانتقال تدريجيا إلى غيرها من جزئيات. أي بمعنى ألا يكون هناك تزمت من أحد وإصرار على عمليتي الإقصاء والتصنيف.
المطلوب الخروج بمجموعة من التوصيات العلمية والعملية التي من الممكن تطبيقها بحسب جدول زمني محدد. ومن المهم أيضا التأكيد على أن عملية الإصلاح الدستوري هي عملية تراكمية، تماما كما هو حال النضال الوطني. فالمسألة ليست سنة أو خمس سنوات، بل هي عملية طويلة الأمد وتحتاج إلى نفس طويل.
الأمر الآخر، أن يكون معلوما لدى جميع المشاركين، بأنه ليس كل مشارك في أعمال المؤتمر هو من سيقطف الثمار، فعملية الإصلاح الدستوري هي مسألة طويلة الأمد وشاقة جدا، ولن تكون قبال هذا التعنت وصم الآذان مسألة من الممكن الوصول إلى حلول بشأنها في غضون العام أم العامين، بل اعتقد بأن الإصلاح الدستوري في البحرين لن يصل إلى مرحلة التوافق قبل اكتمال عقدين من الزمن على صدور دستور 2002 شريطة أن تسير الأمور بمثل هذه الوتيرة السياسية، وذلك ما أشك فيه!
من المهم جدا ألا يتطلع المؤتمرون في كل مرة يُعقد فيها المؤتمر إلى أن العدد تضاءل عن المرة السابقة، فالمسألة كما ذكرنا مسألة دستورية، وهي مسألة وإن كان نصيبها السياسي الشعبي كبير، إلا أنها في الأساس هي مسألة دستورية، وذات تخصص علمي يعتمد على دراسات وبحوث قانونية أكثر من اعتمادها على مظاهرات ومسيرات شعبية. وهي في النهاية مسألة متخصصين. وإن كان للبعد السياسي/ الشعبي دور كبير في شأن المطالبة بالإصلاح الدستوري، إلا أن الدور الأساسي والانشغال والاشتغال هو شأن المتخصصين.
نأمل أن يخرج المؤتمر الدستوري بحلة جديدة، يفتح فيها آفاق جديدة...
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 1639 - الجمعة 02 مارس 2007م الموافق 12 صفر 1428هـ